تميز ألأدب الشعبي العراقي بارتباطه الوثيق مع حركة المجتمع وطموحات ابنائه في حياة حرة كريمة ،وقد عبر الشعراء الشعبيون عن وعيهم ومعاناتهم ونقلوا محرومية ومظلومية ومعاناة الطبقات الاجتماعية التي تقع اسفل الهرم الاجتماعي وأرتبطوا مع نضال شعبهم وقدموا التضحيات على طريق حرية الوطن والمواطن، وكانت الاهزوجة الشعبية ترافق المهاويل وهم يعبرون عن ارتباطهم بحركة المجتمع ، منذ ان اصبح الوعي مسارا ومنطلقا لصناعة الحياة الجديدة ،حيث كان المهوال يقف في الصدارة مع ابناء شعبه في ساحات الاحتجاج والتحدي وفي مهرجانات الادب الشعبي والمناسبات الوطنية وغيرها من الفعاليات الشعبية ،وهو يطلق شرارة الاحتجاج ضد الواقع المأزوم في مجتمعه :
على الله والعلى الله ابضاعة المسكين
بشواربنا ولحـــــانه لامرك امطيعين
تحاسبني على حكي وآنه اطلبك دين
( ولازم يصدف يوم الدنيه اتحول الراكب )
كانت هذه صرخة فلاح يعاني الظلم والمحرومية على يد الاقطاعي الذي ينهب أتعابه ويسلبه حقه في ان يعيش بأتعابه ويتمتع بثروات بلده كانسان له حق العيش الكريم .
وهذه المرأة من الرميثة وقد استشهد زوجها وأخوها ...حيث وقفت على جثثهم وهي تردد بصوتها وحماستها ووعيها للمهمة الوطنية التي قدمها اولئك الرجال لمنع المحتل من تدنيس الارض العراقية :
يا موت اطحن ...وآنه الهيلك
عــــربيد اسم امــــــك يلهيبه
لـــــــــو ما يسرتوا اتطلكوني
أما اهازيج الحماسة ، والارادة الشعبية المتينة وقوة التحدي ،فقد عبر عنها الشعراء المهاويل في اهازيج ما زالت خالدة في اذهان القبائل العربية الاصيلة ورجال الوطن ...
الشاعر المهوال ( حداوي ابو عبد الرميثي) ،كان مع وفد قبائل السماوة ،وكان بصيرا لكنه كان حاد السمع والبصيرة ، فقد عرضت عليهم السلطات آنذاك فيلم (المسألة الكبرى ) والذي كان يتحدث عن ثورة العشرين الخالدة ،ويعتبر انطلاقتها من خان ضاري ..فلم يتمالك نفسه ونهض حداوي وهو ينشد امام رأس النظام آنذاك :
لون شعلان يدري انباكت الثورة
جا فج التــــــراب وطلع من كبره
عدنه بالسوير المســـــألة الكبرى
( الشاهد عدنه الشاهد ...احنه أيتام من العشرين )
والشاعر الرميثي المهوال ( محمد آل صيته ) ،يؤكد أن الرميثة هي نقطة الانطلاق للشرارة الاولى للثورة ..حيث يقول :
احنه أهل الرميثة أهل الكرم والجود
ست اشهر وكفنه بعجـــــة البـــارود
وعدنه العــــــارضية والسوير اشهود
( وبالما يتواجه صديته )
الشاعرة الفراتية ( افطيم آل علي ) ، والتي استشهد ابنها ... وعاد اخوها من المعركة فسألته عن ولدها ..فقال لها :
( جن ما هزيتي ولوليتي )
فردت عليه بحماسة شديدة وصبر لا مثيل له وارادة فولاذية :
( هزيت ولوليت لهذا )
كذلك فان أم الشيخ المعروف عبد الواحد آل سكر، كونه احد رجال الثورة المشهورين ..قد هزجت قائلة :
( كل جابت خابت بس آنه )
الشاعر المهوال ( علي العيساوي ) وهو من شعراء السماوة واهل الرميثة ..كان يهزج مع رجال الثورة وهو يتقدم الصفوف :
نتحده المنايه ونسحك الطاغـــــوت
ونعبر عل الكلافة ولا يهمنه المــوت
ومن طبع العراقي عل الكلافة ايفوت
( الجان اتريد الشاهد ..عدنه الفايل بالعشرين )
ولشاعرة من امهات ابناء الرميثة هذه الاهزوجة الشعبية التي شاركت شعبنا في ثورة العشرين المجيدة وهي تستصرخ همم الرجال وتحثهم على اليقظة والتحرك السريع ووحدة الهدف والعمل على الاسراع في قيادة الثورة على طريقها الصحيح ، وان يتم تحرير البلاد من الغزو الاجنبي والمحتل البريطاني ، تلك الاناشيد والاهازيج كانت تسبح في فضاءات الادب الشعبي العراقي الاصيل ، رغم انها كانت متميزة بظرفها وزمانها وحالتها الثورية :
اخوة دندي وباشه والمصوخ اخوان
شبه ممشى النظام اتكلطوا للـــــدان
أريد ابعث سواد لعبد الواحد وشــعلان
( يسباع الزور شهل النومه )
وهذه احدى العماريات في الفرات وهي تثير الحماس والمشاعر وتحرك نخوة الرجال وتفجر فيهم طاقات التحدي والمطاولة لرد المعتدي :
يا زين الرجــال وهيبة الديــوان
يمـدوخ الصوجر مرعب العدوان
من اسمك يضاري اهتزت الاركان
( هز لندن ضاري وبجاها )
وعن اولئك الذين وضعوا ايديهم بأيدي المحتل الاستعماري واصبحوا اعداء لشعبهم وخونة وطنهم فقد حصدوا هذا السيل من الاهازيج التي ارخت ودونت تلك المواقف المخزية لخونة الوطن ..
( الكفت بالعـــش مامـــــــونه )
( فكولة الجنــــطه وهـــز ذيله )
( مزلاكه الدنيه امشي براضه )
( ودوه يبلعنــــه وغص بينه )
ام حيال شاركت الثوار ،وكان ابنها ( حيال ) احد مع ثوار الرميثة في زمن الملك غازي..وقد قطع كفه ..وعندما عاد وكفه مقطوعة فقد وقفت أمه وهي تهزج أمام الثوار :
الف جندي والف شرطي والف دينار فصل حيال اريدنه وحته التاج من غازي اشيلنه
( جف غازي ام احيال اتريده )
أما الشاعر المعروف ( حامد كعيد الجبوري) من شعراء بابل ،فله اهزوجة معروفة حيث يهزج مصورا واقعنا المتردي والمأزوم في ظل المحاصصة والفساد والنظام الطائفي المقيت :
لون شعــــلان يعلم نوصل لهل الحال
جا فلش مضيفه وما لبس اله اعكال
معكــــــوره زلمنه والــردي الخيـــال
( انحارب بيش انحارب ..لا فالتنه ولا مكوار)