اقامت مؤسسة إيشان لدراسات الثقافة الشعبية جلسة حوارية بعنوان (التراث الشعبي في تلقي الرحالة ومتونه) شارك فيها الناقد والرحالة حمدي العطار والروائي والقاص والرحالة حسن البحار، وادارها القاص” ثائر البياتي” بحضور نخبة من المثقفين والمهتمين بالتراث الشعبي ،عقدت الجلسة في مقر مؤسسة إيشان في بغداد الجديدة الاسبوع الماضي .وبدأت الجلسة بالوقوف حدادا لقراءة الفاتحة على ارواح الشهداء في فلسطين ولبنان، وقدم ثائر البياتي نظرة سريعة عن اهمية ادب الرحلات في خلق المتعة والمعرفة وتناول الثقافة الشعبية ووصف العادات والتقاليد لدى الغير.
الموروث الشعبي في مجال ادب الرحلات
واوضح حمدي العطار ان “كتابات ادب الرحلات تحتوي على الكثير من عناصر الخلق والابداع وتلعب دورا كبيرا في تقديم صورة (الغير) وترسيخ مجموعة من الانطباعات العامة والتصورات عند الشعوب الاخرى ووصف الاعراق البشرية والثقافات الشعبية والتراث ضمن الاستكشافات الظاهرة الثقافية” وأضاف “ الموروث الشعبي يتعلق بأمور تدور حول المجتمع الانساني، ثقافته ونظامه الأخلاقي والقيمي من ناحية، ورؤية المجتمع لذاته وللآخر من ناحية ثانية، كما ان الموروث الشعبي يتسم بالبساطة والتلقائية من ناحية ثالثة” وأضاف “ ان التراث الشعبي يمكن ان يكون تراثا ماديا ويتمثل بالحرف والصناعات التقليدية الشعبية وتتعلق بالعمل اليدوي والسبب في وجود مثل هذه الاعمال اليدوية الجميلة هي عودة العاطلين عن العمل الى قراهم وبيوتهم والى خاماتهم وادواتهم البدائية البسيطة يصنعون منها تحفا وسلعا رائعة ويضعون فيها كل ما عندهم من مهارة وموهبة! ويمكن ان يكون التراث غير مادي يتعلق بمختلف أنماط الإبداع التلقائي للشعوب والجماعات (عادات وتقاليد غناء وحكايات وسردا ورقص وحتى الخرافات التي تبرر سلوكا اجتماعيا أو نظاما أخلاقيا ورؤية الشعوب للكون وللأشياء والعلاقات) كما اوضح بإن هناك فرق بين (الثقافة) و(الحضارة) فثقافة الشعوب تتعلق بسلوك المجتمع في الوقت الحاضر وكيفية التعامل مع الاخرين يرصدها الرحالة في رحلته الى ذلك البلد ويكتب عنها فهي تمثل الجانب غير الملموس من الثقافة الشعبية! اما (الحضارة) فهي المنجز الابداعي للشعوب ويمثل الماضي مثل الاثار والاماكن التراثية وهو الجانب الملموس من هذا الواقع التاريخي! وتحدث حمدي العطار عن مشاهداته التي كتب عنها اثناء رحلاته الى (الهند وكازاخستان وايران وماليزيا) واسترسل بالحديث عن العادات والتقاليد في الهند “ عند الطائفة الهندوسية قائلا: “حضرنا حفل الخطوبة في قرية (فاتخبور سيكري) وسألنا احد القائمين على هذا الاحتفال عن هي أبرز العادات التي تتمسك بها الطائفة الهندوسية فكانت اجابته: المهر يتكفل به أهل العروس، - وضع الحناء باللون الداكن دليل على حب العروس للعريس، - نثر الرز يجلب البركة - تلاحظون نحن ننثر الجكليت على رأس العريس والعروس- وفي يوم الدخلة تدخل العروس بيت العريس بالقدم اليمنى ثم تركل وعاء مملوء بالرز لضمان الفأل الحسن - وضع الأساور المعدنية في الأيدي لغرض تنشيط الدورة الدموية ويجعل العريس أكثر نشاطا يوم الزفاف - وضع الخواتم في القدم اليمنى للعروس لتقوية وشائج الرحم ويحافظ على صحة العروس أثناء الدورة الشهرية- تسليم العروس (السكين) منذ الخطوبة وتبقى عندها إلى يوم الزفاف وذلك لحمايتها من تقدم عريس آخر لها- وضع الرز من قبل العريس بيد العروس دليل التعهد بتكفل نفقات المعيشة- ارتداء الألوان البهيجة وتجنب ارتداء اللون الأبيض أو الأسود لأنهما يجلبان الحظ السيء! وعن الالوان الزاهية والصارخة الغريبة (البرتقالي والاحمر) ازياء الهنود هناك من يرجعها إلى معتقدات دينية مثل اللون البرتقالي المقدس عند بعض الديانات (الهندوسية والسيخية والبوذية) ولكل طائفة تفسير مختلف.
ايران بلد التنوع
قدم لنا العطار نبذة مختصرة عن زياراته المتكررة الى ايران واصدار كتابة (ايران في عيون صحفي عربي) وكذلك ان يحتوي كتابه الاخير (مدن في عيون كاتب عراقي) على فصل يخص بعض المدن الايرانية، وتناول في الشرح زيارته الى طهران وحضور (معرض السياحة الدولي) ال 16 وهو معرض للصناعات اليدوية ويوضح مدى صلة أدب الرحلات بالاثنوغرافيا ويقول عن المعرض “ بدلا من أن تزور كل محافظات إيران المتعددة والمتنوعة لمعرفة ثقافتها وتراثها الشعبي واجمل المواقع السياحية والاثرية والصناعات اليدوية ما عليك الا زيارة معرض طهران للسياحة الدولية والصناعات اليدوية
التراث يعني المفاخرة والانتماء
تحدث حسن البحار عن رحلاته البحرية الى اندونيسيا ومصر واسبانيا وايطالياٌ قائلا” نحن ننتمي الى الثقافات الشعبية فهي مفاخرة وانتماء ، ونحن البحارة غالبا ما نرى المدن ليلا بسبب عملنا على متن السفية طيلة النهار، وقد يكون نزولنا القليل في ايام العطل الى المدن ، وفي هذه الجولة الصباحية تستهويني حب الاطلاع ومشاهدة الشوارع الخلفية للمدن لأن فيها اجد الثقافات الشعبية!، وقد يكون تجوالي على دراجة نارية ، وقد توفرت لي فرصة حضور احتفال سنوي وطقوس ومراسيم هذا الاحتفال يطلق عليه اعادة الخصب الى الحياة) ترتدي الفتيات والشبان الملابس الزاهية الالوان بينما انا كنت الوحيد الذي يرتدي تيشرت وشورت اي ملابس خفيفة وكنت اينما اسير مع الاخرين اكون بارزا بسبب قامتي الطويلة وقصر قامتهم! عندما احسوا بحرجي طلبوا مني مرافقتهم واعاروني ملابسهم الشعبية، ومن المصادفة انا كنت السائح الوحيد في هذا الاحتفال، وتفاعلت مع ما يقدمونه من اغاني ورقصات ونسيت نفسي وصرت افعل مثلهم، هذا الحدث ترك اثرا ايجابيا وجعلني اكتب عن الثقافة الشعبية في اندونسيا، كما نني زرت جبل (بوشناك ) السياحي التكونة من ثلاث طبقات وقد اشترك الشعب الاندونسي بكل فئاته في الدفاع عن هذا الجبل وهم يتكلمون بأسم الشعب وليس باسم فئة او فرد وهو مصدر المفاخرة والانتماء”. ثم انتقل البحار للحديث عن رحلته الى قناة السويس وتعرفه على (المنبوطية) وما يقدمونه من خدمة للتراث وحضارة مصر من خلال تسويق اعمال تراثية يدوية لجميع بحارة العالم فضلا عن بيع كتب تتحدث عن كل قطعة تراثية واكسسوارات وملابس قديمة شعبية وتشجعهم الدولة على هذا العمل السياحي منها يسترزقون ويقدمون لبلدهم خدمة في احياء التراث الشعبي وتصديره الى الخارج” واضاف “ في موانئ اسبانيا وجنوب ايطاليا توجد اسواق لبيع الانتيكات الاشياء القديمة والمستخدمة ، ترى البائع يتحدث بحماس عن كل قطعة معروضة للبيع ، كنت اتمنى لو في العراق نفتح نافذة للبيع ونقيم مهرجانات اسواق لتسويق نماذج من تراث وحضارى العراق العريق”،كما تحدث البحار عن “ حب شعب موريتانيا لأرتداء الملابس الشعبية في المناسبات والافراح من باب الفخر والانتماء على الرغم من انهم في مجال عملهم وفي الايام الاعتيادية يرتدون ملابس رسمية ! وفي الختام قدم الاستاذ جليل العبودي شهادات تقديرية للباحثين والى رئيس الجلسة.