( 1 )
ما بين اللهجة واللغة وشائج ارتباط متنوعة ، وبالوقت الذي تكون اللهجة مشتقة وبتحريفٍ ما من اللغة على الأعم ، فإنَّ اللغة هي الأخرى تشترك مع اللهجة في الكثير من المفردات .
اللهجة ، وكل لهجة لابدَّ أن يكون لها ارتباط بلغةٍ ما ، إن لم تكن قد كانت لغةً في زمنٍ ما ، ومَن يُحصي المفردات الشعبية العراقية المتداولة على سبيل المثال ، سيجد جذورها السومرية والبابلية والآشورية والأكدية والآرامية .
( 2 )
مفردات اللهجة وبفعل التراكم الزمني لها تسللت إلى اللغة ، وأصبحت مقبولة الاستخدام أدبياً ، كما انَّ مفردات اللغة بعد تداخل الريف مع المدينة وبالعكس ، واشتباكات الحياة اليومية وما حصل من تداخل اختلاط متنوع الطبقات في : الشارع ،العمل، السوق، المدرسة، المقهى..الخ، تكون هذه المفردات قد وجدت مستقرها في الشفاهية والتداول اليومي ، وهنا لابدَّ من الإشارة، بأن لكلٍّ من اللغة واللهجة استخداماتهما الخاصة والعامة .
( 3 )
اللهجة الشعبية العراقية ، تمتلك طاقة تعبيرية كامنة خاصة بها ، قد لا تستطيع اللغة أن تكون بديلاً عنها، حتى وإن كانت قادمة ومتشكلة من ظلالها ، كما في الشعر الشعبي العراقي الحديث والاغنية الشعبية السبعينية . وبفعل هذه الطاقة التعبيرية الخاصة ، تمَّ استخدام اللهجة الشعبية العراقية في الحوارات السردية (القصصية والروائية ) بصورة قصدية واضحة، كما في قصص وروايات المبدع الكبير/ فؤاد التكرلي/ كمثال للاستشهاد وليس للحصر والتحديد ، حيث أنَّ قصصاً وروايات ٍ لمبدعين آخرين قد استخدمت الحوار الشعبي ، إلّا أنَّ التكرلي كان الأكثرتأصيلاً له .
في قصة بعنوان ( الغراب) للتكرلي يعود تاريخها الى عام 1962 منشورة في مجلة الاديب العراقي العدد الثالث ، كان الحوار وعلى طول مساحة القصة مكتوباً باللهجة الشعبية ، وقد جاء لضرورات فنية أملتها طبيعة القصة ومناخها وحدثها وزمانها ومكانها..، لذلك كان الاستخدام تشكيلاً إبداعياً منحَ القصة حيوية متدفقة ، مرتبطة بالحياة الواقعية اليومية .
كان الحوار بين أُم وابنتها ، وهذا استهلاله :
عيني نجوبه شويّه على كيفج .
ياالله ، شويّه على كيفج عيوني انت ِ
لو باقيه عندي هالليله يا يوم ، سيصير ،
دشّوفيني ابها الحال..،شواكَع بيدي
ياعيني يانجوبه . اللهم يا ارحم الراحمين ، هذا اخوج واكَع
فد نوب وينرادله امداراه ليل نهار ، والّا آني اجوز منّج ياعيني..،
ديري بالچ يايوم ،
هاي الدرْجَه شويّه عاليه ، هوّه شلون بيت مصخّم ،
تاليها حظّي خلّاني اكَعد نِزل ابكَبه.
ميخالف عيني نجوبه ،
چم يوم وتنكَضي . ميخالف . ياربي عليك .
القاص / الروائي الكبير فؤاد التكرلي ، كان بارعاً في استخدام اللهجة الشعبية العراقية ، البغدادية تحديداً ، في قصصه ورواياته ، وقد منحها موقع التوازي مع اللغة في الحوار ،بدراية العارف ، عارف اللغة واللهجة ،وكلما كان ذلك ضرورة فنية تتطلبها اشتراطات وعيه وتماساته مع الحياة اليومية...