اخر الاخبار

يوم أمس (4 تشرين الثاني 2025)، صوّت سكان مدينة نيويورك الأمريكية لاختيار عمدة جديد للمدينة الواقعة في قلب العالم الرأسمالي.

ورغم الحملات الظالمة التي شُنّت ضده، والتي قادها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدعم من جماعات الضغط الصهيونية في الولايات المتحدة، فقد حقق الشاب الاشتراكي زهران ممداني فوزاً تاريخياً، منتزعاً منصب عمدة نيويورك.

يحمل هذا الفوز المشهود الكثير من المعاني والدلالات، أميركياً وعالمياً، ويؤشر ـ من بين قضايا عدة ـ رغبة حقيقية في التغيير، وكون هذا التغيير لم يعد ترفاً أو نخبوياً، بل مطلباً شعبياً يعكس تحولا حقيقا.

بوضوح تام أعلن ممداني برنامجه المنحاز إلى العمال والمهمشين والفئات المتوسطة، مشدداً على توفير السكن والمواصلات، وتحقيق العدالة عبر فرض الضرائب على الشركات الكبرى، وإعادة توزيع الدخل، وتوفير الخدمات للكادحين.

ولم يكتفِ ممداني بالبعد الداخلي وما يخص سكان نيويورك، بل أعلن مواقفه في البعد العالمي، مؤيداً قضية الشعب الفلسطيني العادلة، ورافضاً الحروب، مدافعا عن القيم الإنسانية وتحقيق العدالة.

من دون شك، يمكن أن يمثل فوز ممداني تغييراً ملحوظاً في المزاج الشعبي الأميركي، وتراجعاً في دور الأحزاب التقليدية الحاكمة، وثورةً في مواجهة الحملات المضادة، وتحدياً كبيراً لقدرة “المال السياسي” على تعطيل إرادة الجماهير، عندما تتخذ قرارها وتصر عليه وتمضي به إلى النهاية.

وإذ يستعد العراق اليوم لخوض الانتخابات البرلمانية، التي لم يعد يفصلنا عنها سوى أيام معدودات، فإن فوز الشاب ممداني يحمل رمزية سياسية ومعنوية وتعبوية وأخلاقية، ذات مغزى.

لقد فاز ممداني لا لأنه يملك موقعاً سلطوياً يستغله في دعايته الانتخابية، أو لأنه يروّج لـ“منجز” مزعوم لصالحه، ولا لأنه مدعوم من عشيرة أو جهة ممولة، بل لأنه مثّل بوضوح صوت المتطلعين إلى التغيير في نظام رأسمالي جشع، وجسّد تطلعات المهمشين من مختلف الأديان والأعراق والاجيال، خصوصاً الشباب، رابطاً على نحوٍ سليم بين السياسة والأخلاق والقيم، من دون أن يحصر نفسه في بعدٍ طائفي أو فئوي ضيق.

لقد جسّد حالةً من استعادة المعنى الحقيقي للتمثيل الشعبي.

إن ما يفرزه فوز ممداني، عشية الانتخابات العراقية، هو الإمكانية الفعلية لكسر حلقة الهيمنة، متى ما توفرت الإرادة الحقيقية المقترنة بالوعي الجماهيري المنظم.

ان فوز ممداني يقول لنا بوضوح: مهما كان جبروت الطغم الحاكمة وسطوتها المالية والإعلامية، فإن الفوز ممكن، والتحرر من هيمنة من كان سبباً في المآسي والنكبات التي عانى منها شعبنا وبلدنا، ليس مستحيلاً.

إننا اليوم بحاجة لا إلى الانبهار بهذا الانتصار التاريخي بكل ما يحمل من رمزية، بل إلى تبني مقاربة عراقية مشابهة، قاعدتها الجماهير، وسلاحها الوعي، وروحها المشاركة الواسعة والنشطة في الانتخابات، مع الحرص على سلامتها ونزاهتها عبر وجودٍ مكثفٍ للمراقبين والوكلاء.

بهذا فقط نستطيع أن نفتح كُوّة أمل عراقية تُمكّننا من المضي في طريق التغيير الحقيقي.

فلنتمثّل تجربة زهران ممداني ونقولها بوضوح: "ماضون لبناء حاضرٍ ومستقبلٍ أفضل للعراقيين جميعاً".