في اليوم العالمي للإبداع والابتكار أعود للتذكير بأنّ العراق اليوم تبقى به حاجة ماسة لمضاعفة الاهتمام بمؤشراته في هذا الميدان إذا ما رغبنا في تحقيق النهوض بالبلاد من كبوتها.. فلقد سجّل العراق موقعا متلكئا أو متأخرا عندما جاء في آخر بلدان العربية بعد موريتانيا واليمن وعلى وفق الـ (WIPO) جاء العراق بالمرتبة (131) في ضوء تقرير الملكية الفكرية ومؤشر الابتكار أي قبل دولة واحدة فقط في ذيل التسلسل العالمي..

ونظرا لمجمل قراءة المشهد العراقي من حيث ظروفه الاقتصادية الاجتماعية والسياسية فإن حجم الاهتمام بهذا الميدان،  قد اهمل إمكاناته المهولة في مجال الابتكار والتنمية، بخاصة مع وقوعه بين الدول الأقرب للغنية بموارده.. إذ تم تصنيف العراق بالمؤشرات العالمية ضمن مجموعة متوسط الدخل الاعلى بين الدول..

وإذا ما أمعنا التبصر في واقع الاقتصاد الريعي للبلاد فإن أهمية الاشتغال على تفعيل عوامل الإبداع والابتكار ستكون مركبة مضاعفة لتجاوز المعضلات والتحول للاستثمار والإنتاج. وما يثير القلق أن الجامعات والمراكز البحثية لا تحظى بموازنات كافية أو أولوية مطلوبة دع عنك أنها لا تمتلك الاستراتيجية في الاهتمام بالبحوث وما قد يكون مظهراً من مظاهر اهتمام شكلي الأداء مفرغا   من القيمة الأدائية الملموسة وبعيداً عن الارتباط بالواقع المجتمعي..

إنّ المشكلة ليست في التمويل حصرا، ولكنها ناجمة عما تجمع منها من قبيل: ضعف تكنولوجيا المعلومات وهزال خدمة الاتصالات والشبكة العنكبوتية والبنى التحتية المطلوبة الى جانب تخلف او غياب الصناعات المحلية وما يجابهه القطاع الاستثماري الخاص، كل هذه الى جانب التمويل وبصورة أساس الانفاق على التعليم بمستوياته وتوفير فرص منهجية جديدة تركز على إبراز شخصية بحثية فاعلة ومنتجة..

إننا لا نتحدث عن أمور كمالية فائضة، ولكننا نتحدث عن معالجات جدية مسؤولة يمكنها أن تنقذ البلاد من فترة ركود جاوزت العقود، وبات لزاما استعادة مكانتها في التعليم والصحة وميادين بناء الشخصية المنتجة بأسس إبداعية خلاقة. والأمر لا يقف عند تجاوز الماضي القريب أو البعيد ولا صنع الحاضر في حدوده ولكننا بواسطة الإبداع والابتكار ذلك اننا سنجد أنفسنا قادرين على التحقق أيضاً من مستقبل كل منتج أو خدمة أو نشاط وعلاقته بغد المؤسسة أو المجتمع ومطالبه ومن ثمّ النهوض بمهمة تسخير العلم والتكنولوجيا وآلية الابتكار في خدمة أغراض التنمية والتقدم.. أما كيف سنمضي في تحديد أطر الابتكار فلربما كان علينا تأكيد الحقائق الآتية ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

  1. أن نرسم خارطة طريق استراتيجية توائم بين الأهداف وميادين التركيز والاهتمام بابتكاراتنا..
  2. خلق بيئة داعمة للإبداع والابتكار من قبيل دعم آلية التفكير عبر ندوات وجلسات بآليات مثلما آلية التعليم القائم على الجدلية وإنتاج الأفكار والمعالجات الخلاقة القادرة على التحقق بالبحث والاستقصاء لا الإملاء السلبي وحشو الذهنية ما يعني بالضرورة وجود ثقافة لمثل تلك البيئة المنتجة.
  3. إجراء دراسات جدوى وتقييم للأفكار والمشروعات على وفق معايير إطارية غير جامدة.
  4. توظيف آلية التجريب واستطلاع الرأي والتفاعل بين الرؤى إيجاباً.
  5. إدامة التعليم والتعلم من الأداء وأفعاله ومخرجاته ومقارنة المنتج باحتمالاته في ضوء مستقبل الطلب ومحدداته.
  6. إيجاد وسائل قياس ومراجعة في بيئة تعنى وتلافي ما قد لا يلبي الهدف بإعادة دراسة الأسباب وتجنبها في الأداء التالي.
  7. الاهتمام بالمستهلك المتلقي وبحاجاته وبتسهيل حصوله على أفضل خدمة وأجودها الأمر الذي يقع في مهام الابتكار وليس الجمود والتكرار في مخرجات العمل..

إن الاشتغال بنهج يتبنى مبادئ الإبداع والابتكار ليس طريقا شائكا بل أسلوب معالجة واكتشاف للحلول الأنجع للمشكلات كنجاح دول الخليج العربي بترتيب مميز وكبير فالإمارات العربية التي احتلت المرتبة 31 عالميا، والسعودية بالمرتبة 51، وقطر بالمرتبة 52، والكويت بالمرتبة 62، والبحرين بالمرتبة 72.

والعراق له فرصه وقدراته إذا ما توافرت الإرادة السياسية والمجتمعية على تجاوز ما فرضت ظروف استثنائية تقوقعه فيها والذهاب نحو أفضل إمكانات بخاصة إذا ما اختصر دروب التنمية والبناء يوم يضبط نهج العقل العلمي طريقا لأداء مؤمل وسيكون الاحتفال باليوم العالمي للإبداع والابتكار ليس احتفالا شكليا بل ومشاركة فعلية بالمنجز الملموس في سقف منظور بفضل انتفاض علمائه ومنتجي خيراته على ما استقر لعقدين خاليين..

وكل عام وعلماء الوطن وقوى التنوير تحظى ببيئة ثقافية خضراء لحراك إنتاجي بعقل علمي بهي.