أُعلن إسمه في أخطر قوائم المطلوبين ، كان يتلوى هارباً مع كل عملية دهم لمكانه او مقره . يفلت كخيط الحرير من الماء الدافق .  كل الأشياء قد  سُخّرت لأجل القبض عليه والإتيان به حياً ، صار حديث البيوت والشوارع ومكمن أسرار الخائفين .. خطير حدّ الرهبة التي يتركها في القلوب بعد كل جولة له . في ساعات الغروب الأولى ، كل الأبواب توصد والشوارع تخلو والمحال تُقفل ويتحول كل شيء الى جماد لا روح فيه . في النهار تصدح الأبواق وسماعات التحذير من إيوائه او التستّر عليه ، انه خطير ومخيف ، قاتل محترف ولصٌّ متدرب ومحتال شرس لا مثيل له .. كانت جهود العسكر قد بانت امام الناس ،وانتشروا في كل أرجاء المدينة فسدوا الشوارع بكمائن متحركة وقفلوا الأزقة بجذوع الأشجار وقطعوا كل الأوصال بين الناس .  المحاذير كبيرة والظهور العلني لرجال العسكر ظلّ يرسل الإطمئنان الى الناس الخائفين من شر يحوم حولهم . إنهم لا يعرفون من التالي في القائمة هذه الليلة او الليالي القادمة فهو لا يأتي إلَّا في الليل وكأنه شبح في ظلمة هادرة. وعندما يتصاعد الصراخ والعويل فهي رسالة الموت التي وصلت وفي الصباح يتجمع الناس ليروا ويسمعوا حكاية الخطير الذي لا يعرف الرحمة مع ضحاياه . كل ضحية تمتنع عن تلبية أوامره فهي هالكة وكل رجل يتحايل عليه في إخراج كنوزه فهو مقتول . وكل واحد لا يلبي رغباته المكبوته فهو ضحية قادمة . خطر يداهم الجميع ولم تفلح كل الخطط في الإيقاع به . حتى الكلاب البوليسية متجهمة الوجه لم تعثر على ضالّتها . انتشر الخبر في المدن القريبة والبعيدة ، حتى توالت تحذيرات أعلى السلطة من خطر هذا الوحش الطليق .. وصار تحذير الناس للناس واقعاً يومياً وتهامساً بين كل اثنين . مرّت الأيام والشهور والمدينة تُستباح كلما يقرر هو فيها الصولة والهجوم على المكان الذي يختاره رغم الحماية والحراسة المشددة التي تطبق يومياً ودون كلل .. ضجر الأهالي من خوفهم المستديم والخوف كغيمة سوداء سادت سماءهم . طلبت المدينة تعزيزات من مدن مجاورة فحضر الرجال بمعداتهم الحديثة وكلابهم المدربة وانتشروا في الشوارع والطرقات والأزقة والمحلات والمحال والبيوت . كانت خطة جديدة طمأنت قلوب الخائفين . بعد أربع ساعات من وصول النجدة ، دوى الصراخ المهول والنياح المتعالي وبدت كأن الأرض دُكت بزلزال اطاح بالبيوت وامات النفوس . تجمعوا امام البيت المفجوع ، انه ضحية جديدة رجل لا يمتلك من حطام الدنيا شيئاً . هاج الناس وصرخت النسوة. قلق يسود وصمت يلفّ البيوت والشوارع كمقبرة لا حياة فيها سوى نعيق غربان سود . كل الأفكار نضبت وتقادمت الخطط والخطير يحوم بلا رادع . صاحت إمرأة من بين الحشود الهادرة ، لقد رأيته  البارحة يتمشى في الشارع الطويل المحروس !

كانت كلماتها قد وقعت كصاعقة على الرؤوس ولكنهم سمعوها ذاهلين لم يقولوا شيئاً غير انهم إنسلّوا بهدوء راكضين نحو بيوتهم لترتفع اصوات اقفالها من الداخل . المرأة التي ظلت واقفة تقدمت من كبير الحراس وسرّته بهمس :

- استطيع ان ادخله في جحر الفئران !

- وكيف ذلك ؟

هو بشر مثلنا وله بيت وزوجة سأذهب الى بيته واقرأ الفنجان لزوجته .

بعد اسابيع تمكن احدهم من معرفة بيته في المدينة المجاورة ، لا يأتي إلَّا مصادفة وفي اوقات لا يمكن ان يعثر عليه أي أحد ، انه بالغ الحذر كما قال الرجل مكتشف البيت . هرعت المرأة ومعها حرّاس متنكرين في الشارع ، لتدخل البيت وتخرج بعد ساعة مبتسمة .

فرح الرجال وأخذوها مبتهجين الى كبير الحرّاس الذي إستمع بكل جوارحه . لقد امالت قلب زوجته بحركة ذكية وماهرة وسريعة . قالت انها تعيش بفرح غامر في بيتها.. إمرأة تخدع إمرأة اخرى .. قالت لها سأجعل زوجك يقبّل تراب قدميك .. قرأت فنجانك ، له عشيقاته ولك مصائبك ايتها الغافلة . هات شعرة من رأسه لأجعله اسيراً لك ما تبقى من عمرك ولتذهب عشيقاته الى الجحيم .. اطلق كبير الحرّاس ضحكة المنتصر وزالت علامات الحنق عن محياه وقرر إكمال اللعبة . عليك الإحتفاظ بهدوء اعصابك وان تجعلينها كطفلة شديدة الخوف منه ايتها الماهرة ، انه دورك ! المدينة تنتظر منك الكثير . والأهم ان تقول زوجته كلمتها وتتصل بك .. كانت المدينة تصارع الساعات وكلما مرّ وقت إبتهلوا شاكرين على نجاتهم ولكنهم ظلوا يخافون الآتي .. تسعة شهور يخافون ما سيأتي به ذلك الخطير المختفي كالشبح .. النار مازالت مضطرمة في قلوب الناس المرتعدين الذين باتوا لا يميّزون بين قرع على الباب وبين دوي إرتطام جسد بالأرض .. كلاهما ترتجف له الأوصال ويتجمد الدم في عروق من يفكر به . عجوز خائف يشتكي الأمر للحرس متوسلاً ان يقبضوا عليه .

اتكأ كبير الحراس على كرسيه وإستسلم الى رقدة هي اهنأ رقدة في حياته وهو يراقب العجوز الخائف المنصرف المختبئ في اعماق خوفه . لم تتصل الزوجة ولم يحدث اي امر يقلق الأهالي فيما رآى الناس رجلاً يتجول في الأسواق والطرقات والأزقة ، يسأل عن قارئة الفنجان بوجهه المتجهم المخيف.

عرض مقالات: