مع اتساع رقعة التصحر وارتفاع نسب الجفاف في العراق، يُقبل مزارعون ومواطنون على زراعة أشجار السدر، المعروفة بتحملها الظروف البيئية القاسية وعدم حاجتها إلى كميات كبيرة من الماء، فضلا عما تحمل ثمارها من فوائد كثيرة.

وتكتسب أشجار السدر أهمية كبيرة في العراق، ويحرص المواطنون على زراعتها في حدائق المنازل والمزارع. إذ تتمتع بميزات يندر وجودها في أشجار أخرى، لا سيما قدرتها الكبيرة على النمو في الظروف البيئية والمناخية القاسية.

ويشجع مزارعون ومربو نحل وبيئيون على زراعة هذه الشجرة في مختلف المدن العراقية، في ظل الجفاف الذي تعانيه البلاد، لما لها من قدرة كبيرة على النمو والإنتاج بالاعتماد على كميات قليلة من المياه.

 إحياء أرض مهجورة

خلال 5 أعوام فقط، تحولت أرض زراعية تبلغ مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت مهجورة لأكثر من 11 سنة، إلى أرض منتجة تدر ربحاً جيداً بعد زراعتها بأشجار السدر. هذا ما يقوله المشرف عليها المهندس الزراعي نبيل راضي.

ويوضح راضي في حديث صحفي، أن هذه الأرض التي تقع في محافظة ديالى، كانت تُزرع بمحاصيل زراعية فصلية مختلفة، لكن شح المياه وفقدان الخطط التي تحمي المنتج الزراعي المحلي من غزو مثيله المستورد، جعلاها أرضا مهجورة. وأشار إلى انه يُشرف على مزارع متروكة عديدة وضع لها خططا لإعادة تأهيلها تماشياً مع شح المياه. ويلفت إلى أن هذه المشاريع تعتمد على زراعة أصناف من الأشجار الملائمة للبيئة الجافة، والتي تكون ذات مردود مالي كبير، ومن بينها أشجار السدر.

 مميزات كثيرة

تتمتع شجرة السدر، التي يطلق عليها العراقيون اسم “النبق”، بمميزات كثيرة. إذ يقول المزارع كريم حنظل، الذي يصف نفسه بخبير شجرة السدر، أن من أهم مميزات هذه الشجرة أنها صلبة وسريعة النمو وتثمر بعد عامين من زراعتها، وتتحمل الظروف القاسية والجافة.

ويبيّن في حديث صحفي، أن هناك أصنافا عديدة من أشجار السدر، وان العراق يزرع أفضلها، لافتا إلى ان “هذه الشجرة، بالإضافة إلى ما تنتجه من ثمار لذيذة مفيدة، تحمل أوراقها خصائص علاجية. كما انها تتمتع بقدرة عالية على مقاومة الآفات والأمراض الزراعية، ناهيك عن فوائدها البيئية، وهو ما يدفع الناس إلى زراعتها”.

ويشير إلى أن المزارعين العراقيين لم يكونوا في السابق يولون أهمية لزراعة هذه الشجرة التي كانت غالباً ما تنبت بشكل تلقائي في المزارع.

 مصدر غذاء للنحل

توفر أشجار السدر غذاء مهما للنحل. ويُعرف عسل السدر في العراق بكونه من أفضل أنواع العسل لما يحمله من قيمة غذائية وخصاص علاجية – وفقا لمربي النحل عامر المندلاوي، الذي يؤكد ان النحالين العراقيين بشكل عام على تواصل مع المزارعين، وينصحون دائماً بالزراعة والتشجير، خصوصاً بالنسبة لأشجار السدر، لما لها من فوائد بيئية واقتصادية كبيرة، فضلاً عن كونها تساعد في نجاح تربية النحل.

ويشير المندلاوي إلى أنه بالإضافة إلى عمله في تربية النحل، شريك في بستان كبير لأشجار الفاكهة في محافظة بابل، موضحاً أن البستان يحتوي على أكثر من مائة شجرة سدر، ونحو 3 آلاف من أشجار النخيل، فضلا عن أشجار فاكهة مختلفة توفر مصدر تغذية جيداً للنحل، مضيفا ان “هناك وعيا كبيرا لدى المزارعين بأهمية استغلال المساحات لزراعة أصناف من الأشجار والنباتات، من ذات الفائدة الأكثر. وهذا الوعي كان وراءه تشجيع وتثقيف من اختصاصيين بيئيين ومهندسين زراعيين ونحالين”.

ويتابع قوله: “بات المزارعون يُكثرون من زراعة شجرة السدر، نظرا لجدواها الاقتصادية. فهي بالإضافة إلى المردود المالي الذي يحققه بيع ثمارها، توفر غذاء مهما للنحل، وهذا ما جعل الكثيرين من المزارعين يتوجهون إلى تربية النحل في مزارعهم، وبالتالي يحققون أرباحا إضافية”.

 موروث شعبي

 تحمل شجرة السدر خصوصية كبيرة لدى العراقيين. لذلك يتم الإكثار من زراعتها في حدائق المنازل والشوارع والجزرات الوسطية والحدائق العامة. ويعتقد البعض أن وجود هذه الشجرة في المنزل بركةٌ. 

في هذا الصدد، يقول الباحث التراثي شاكر الحديثي، ان “شجرة السدر في الذاكرة الشعبية العراقية لها ارتباط بالقدسية، ولهذا تتعدد استخداماتها”، مبينا في حديث صحفي أنه “بالعودة إلى أكثر من 4 عقود، نجد أن كل شيء في شجرة السدر كان يُستخدم في العراق، حتى نواة ثمارها كان يتم تحويلها إلى مسبحات للتسبيح، اعتقادا ببركتها. فيما كانت تُستخلص من أوراقها زيوت. إذ تُغلى الأوراق أو تُحرق، لتحويلها إلى معطرات ومنظفات وعلاجات مختلفة”.

ويرى الحديثي أن “الخصوصية التراثية لهذه الشجرة، إضافة إلى شيوع الثقافة بفوائدها الغذائية والبيئية والاقتصادية، كل ذلك دفع العراقيين إلى زراعتها بشكل أكبر”.

 فاكهة مفضلة

إلى ذلك، تقول المواطنة شمم رائد، انها تعلقت بشجرة السدر منذ أكثر من 5 أعوام حين زرعها والدها في حديقة منزلهم، مبينة في حديث صحفي ان الشجرة أثمرت بعد 3 أعوام، وأصبحت هذه الثمار فاكهتها المفضلة. وتشير إلى “ضرورة أن تنتشر ثقافة زراعة أشجار السدر، لأهميتها وفوائدها العديدة، خصوصاً اننا اليوم نعاني مخاطر بيئية كبيرة جراء التصحر والجفاف. فهذه الشجرة تنمو وتتحمل درجات الحرارة العالية والجفاف وتكتفي بكميات قليلة جداً من الماء”، مضيفة أن “شجرة السدر تحافظ على تماسك التربة وتولد كميات كبيرة من الأكسجين وتخفف من درجات الحرارة.

كما أن ثمارها لذيذة ويمكن استغلالها لتكون مصدر دخل”.