يُعدّ زهران كوامي ممداني واحدًا من أبرز الوجوه السياسية الصاعدة في الولايات المتحدة، إذ استطاع خلال فترة وجيزة أن يتحول من ناشط اجتماعي شاب إلى مرشح جاد لمنصب عمدة مدينة نيويورك، حاملاً معه خطابًا تقدّميًا يعبّر عن جيل جديد من الأمريكيين المؤمنين بالعدالة الاجتماعية والمساواة.
وُلد زهران ممداني في 18 أكتوبر 1991 في العاصمة الأوغندية كمبالا. من أصول إسلامية هندية. نشأ في عائلة ذات خلفية فكرية وثقافية مميزة؛ فوالده هو الأكاديمي المعروف محمود ممداني، أستاذ العلوم السياسية، ووالدته هي المخرجة السينمائية ميرا ناير. تنقّل زهران بين أوغندا وجنوب أفريقيا قبل أن تستقر العائلة في نيويورك، حيث تلقى تعليمه الأساسي والعالي.. درس في كلية "Bowdoin" الأمريكية، وحصل على درجة البكالوريوس في دراسات "الأفارقة والأفريقيات"، ليبدأ بعدها رحلته في العمل المجتمعي والسياسي. حصل على الجنسية الأمريكية عام 2018، وبدأ نشاطه السياسي متأثرًا بالتيار التقدّمي في الحزب الديمقراطي.
دخل ممداني عالم السياسة من بوابة البرلمان التشريعي لولاية نيويورك، حيث أعلن في عام 2019 ترشحه ممثلًا عن الدائرة السادسة والثلاثين في كوينز. تمكّن من تحقيق فوز مفاجئ في الانتخابات التمهيدية عام 2020، حين تغلّب على النائبة الديمقراطية المخضرمة أرابيلا سيموتاس، ليصبح من أبرز الوجوه الشابة داخل الحزب الديمقراطي. في يناير 2021 تولّى رسميًا مقعده في البرلمان، وأعيد انتخابه لاحقًا في عامي 2022 و2024. خلال فترة عمله التشريعية، طرح أكثر من عشرين مشروع قانون تناولت قضايا العدالة الاقتصادية والإسكان وحقوق العمال والمواصلات العامة.
يُعد زهران ممداني من أبرز أعضاء جناح "الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا" داخل الحزب الديمقراطي، وهو تيار يؤمن بضرورة إصلاح النظام الاقتصادي والاجتماعي ليصبح أكثر عدالة، ومن أبرز أولوياته: الإسكان الميسور، والنقل العام المجاني، والعدالة الاقتصادية، ومكافحة التمييز.
تميّز ممداني بمواقفه الجريئة من قضايا السياسة الخارجية، خصوصًا دعمه الواضح للشعب الفلسطيني وانتقاده المستمر للسياسات الإسرائيلية، كما لم يتردّد في توجيه انتقادات حادّة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب الانتهاكات ضد المسلمين في ولاية غوجارات، ما أثار جدلاً واسعًا في الهند والولايات المتحدة على حد سواء. هذه المواقف جعلته عرضة لهجمات من شخصيات سياسية محافظة، من بينها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي اتهمه بالشيوعية وهدّد باعتقاله على خلفية مواقفه من قضايا الهجرة وإنفاذ القانون.. رغم ذلك، ردّ ممداني بهدوء مؤكدًا التزامه بالدستور الأمريكي وبالدفاع عن حقوق المهاجرين.
في عام 2025 أعلن ممداني ترشحه لمنصب عمدة مدينة نيويورك، في خطوة وُصفت بأنها مفصلية في تاريخ المدينة. استطاع أن يفوز في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي متفوقًا على شخصيات ذات وزن سياسي كبير مثل الحاكم السابق أندرو كومو. كما حمل برنامجه الانتخابي شعار العدالة الاجتماعية والمساواة، مركزًا على دعم الإسكان الميسور وتوسيع الخدمات العامة وتقليص الفجوة الاقتصادية بين سكان المدينة. بفوز ممداني اليوم، يمكن القول، بأنه أول مسلم وأول أمريكي من أصول جنوب آسيوية يتولى منصب عمدة نيويورك.
رغم صعوده السريع وشعبيته المتزايدة، يواجه ممداني انتقادات تتعلق بقلة خبرته التنفيذية، وبتحديات تحويل رؤيته التقدمية إلى واقع عملي في مدينة معقدة مثل نيويورك. كما يتعرض لحملات إعلامية من اليمين المحافظ تشكك في مواقفه السياسية وجنسيته المزدوجة، إلا أنه يرد على ذلك بالتأكيد على انتمائه الكامل للولايات المتحدة وإيمانه بقيمها الديمقراطية. يُعتبر زهران ممداني من أكثر السياسيين استخدامًا لوسائل التواصل الاجتماعي، حيث يعتمد على الفيديوهات القصيرة والبث المباشر للتواصل مع مؤيديه إضافةً الى أسلوبه العفوي والصريح الذي جعله قريبًا من الشباب والمهاجرين، كما ساهم في ترسيخ صورته كسياسي من الناس ولأجل الناس.
إن صعود زهران ممداني لا يعبّر فقط عن قصة نجاح شخصي، بل يمثل تحوّلاً واسعاً داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي، فهو يرمز إلى دخول جيل جديد من السياسيين المؤمنين بالعدالة الاجتماعية والمساواة العرقية، والرافضين للنهج التقليدي للنخب السياسية، ويُنظر إلى تجربته على أنها دليل على إمكانية التغيير من داخل المؤسسات الديمقراطية، وعلى أن القواعد الشعبية – وخاصة الشباب والمهاجرين – باتت قادرة على إعادة تشكيل ملامح السياسة الأمريكية.