وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أدى هذا الصراع المستمر في السودان إلى نزوح 13 مليون شخص: 8,6 مليون نازح داخليًا، وأكثر من 4 ملايين لاجئ في الخارج. ولقي قرابة من 150 ألف حتفهم. وارتكبت قوات الدعم السريع فظائع مروعة، لا سيما في الفاشر، التي سيطرت عليها الميليشيات بعد حصار دام ثمانية عشر شهرًا. ورافق سقوط هذه المدينة الاستراتيجية، التي كانت تؤوي 260 ألف لاجئ، مجاعة متفشية وفظائع عديدة. وشملت هذه الفظائع إعدامات كيفية، وعنفًا جنسيًا، وهجمات على المدنيين الفارين، وإعدامات لرجال عُزّل، وهو ما أكدته مؤخرًا مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
انتفاضة 2019
لعقود، زعزعت أطماع الإمبريالية استقرار المجتمع السوداني بشكل خطير. وظلت البلاد، ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة نظرًا لساحلها الطويل على البحر الأحمر، ومساحتها الشاسعة، وحدودها المشتركة مع سبع دول أفريقية)، وثرواتها المعدنية (مناجم اليورانيوم والذهب، وموارد النيل)، هدفًا مستمرًا للهجمات.
في نيسان 2019، أطاحت انتفاضة شعبية عارمة بالديكتاتور عمر البشير. قادت هذه الانتفاضة لجان الأحياء الثورية والقوى المدنية، بدعم من شبكة من الأطباء والمحامين.
لكن نظام البشير كان مدعوماً من العسكر المستفيدين من نهب الثروة الوطنية من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، حيث استخدمت هذه القوى قنوات غير قانونية لتهريب الذهب والموارد الأخرى.
بعد سقوط البشير، دعم الغرب حكومةً انتقالية. وافقت قوى الحرية والتغيير على تشكيل إدارة جديدة في آب 2019 بمشاركة عسكرية. لكن الحركة الشعبية، رغم قوتها، وجدت نفسها مهمشة، إذ ظلت السلطة الحقيقية في أيدي الجيش، المسيطر على الاقتصاد والمال العام. كان الحزب الشيوعي السوداني عضوًا مؤسسًا في قوى الحرية والتغيير، لكنه رفض المشاركة في الحكومة لمشاركًة الجيش فيها.
في عام 2020، اشترط ترامب رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، دفع الجنرال برهان 335 مليون دولار لضحايا الإرهاب، وبالتالي ضمان الدعم الأمريكي والإسرائيلي للقيادة العسكرية. انقلب الجيش على المرحلة الانتقالية في تشرين الأول 2021، وأطيح برئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك، فدخلت البلاد في حرب اهلية مدمرة.
حرب بالوكالة
في نيسان 2023، اندلعت الحرب بين: الجيش بقيادة برهان، رئيس المجلس الانتقالي، وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، نائب رئيس المجلس الانتقالي نفسه. كلا الجيشين من نتاج ديكتاتورية البشير: قوات الدعم السريع هي ميليشيات الجنجويد السابقة - الميليشيات التي عاثت فسادًا في دارفور - والتي حوّلها البشير وبرهان إلى مليشيا "شرعية" عام 2023.
اليوم، لم تعد الحرب شأنًا محليًا، بل حربًا بالوكالة بين قوى أجنبية مختلفة. جميعها تطمع في ثروات السودان. أصبحت البلاد ساحة صراع بين نظامين نفطيين، حيث تدعم الإمارات العربية المتحدة المليشيات، بينما تتحالف السعودية مع الجيش النظامي. تُعدّ صناعة الذهب السودانية المحرك الرئيسي لهذا الصراع، حيث تمر معظم تجارتها عبر الإمارات قبل أن تُثري الأطراف المتحاربة.
بدأت مفاوضات رباعية (الأمم المتحدة، السعودية، مصر، والولايات المتحدة الأمريكية) للتوصل إلى اتفاق. لكن الحزب الشيوعي السوداني يُصرّ على أن "أي اتفاق يُتفاوض عليه في ظل هذه الظروف لن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج الأزمة، كما أثبت التاريخ مرارًا وتكرارًا في السودان وخارجه". قد تؤدي المحاولات الحالية الى لتوصل إلى اتفاق يقسم البلاد مجددًا بين الجيش والمليشيات.
توسع التدخل الخارجي
تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل للسيطرة على شمال البلاد عبر قيادة الجيش. بل إن إسرائيل تعتبر هذه المنطقة موقعًا محتملًا لإعادة توطين الفلسطينيين قسرًا. يُحذّر الحزب الشيوعي السوداني من هذا المنطق، معتبرًا إياه "جزءًا من "مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي يهدف إلى تفكيك الدول الوطنية في المنطقة لتسهيل الاستيلاء الاستعماري". وقد اتخذ هذا شكل "التصفية الممنهجة للقضية الفلسطينية، والإبادة الجماعية والتهجير القسري للشعب الفلسطيني، ومحاولة طمس الثورة السودانية".
كشفت منظمة العفو الدولية أن الأطراف المتحاربة تتلقى أسلحة فرنسية الصنع مُركبة على مدرعة إماراتية تستخدمها المليشيات، وهو ما يُعد "انتهاكًا واضحًا لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة" على دارفور. وزودت الإمارات العربية المتحدة المليشيات ايضا بأسلحة بريطانية الصنع، مخالفة بذلك شروط عدم توريد هذه الاسلحة الى المناطق المحظورة أو استخدامها لارتكاب فظائع.
التعبئة الشعبية
في مواجهة عملية التقسيم المنظم للبلاد، تدعو المقاومة المدنية السودانية إلى التعبئة الشعبية لوقف الحرب. ويرى الحزب الشيوعي السوداني أن "المطلوب الآن هو بناء أوسع جبهة وطنية شعبية ممكنة، ثابتة في مطالبها بوقف فوري للأعمال العدائية، وإحياء الحراك الثوري، والحفاظ على وحدة السودان". وإن إسقاط النظامين غير الشرعيين أمرٌ ضروري. ويشير الحزب الشيوعي السوداني، إلى أن منطق التقسيم الإمبريالي للبلاد يهدد "ليس السلام فقط، بل سيادة السودان ومستقبل القارة الأفريقية".