يشكل العنف الأسري ظاهرة اجتماعية معقدة في العراق، لكنه يصبح أكثر قسوة حين يقع على فئة شديدة الهشاشة: نساء الاحتياجات الخاصة. فهؤلاء النساء يعانين من أشكال متعددة من الانتهاك، تجمع بين التمييز القائم على النوع الاجتماعي والتمييز القائم على الإعاقة، في ظل بيئة تشريعية واجتماعية لا توفر لهن الحماية الكافية. ورغم النقاشات المتكررة داخل مجلس النواب حول قانون مناهضة العنف الأسري، ما تزال دورات المجلس المتعاقبة تتجنب تشريعه، تاركة آلاف النساء من ذوات الإعاقة دون حماية فعّالة.
في هذه المقالة، نسلّط الضوء على معاناة نساء الاحتياجات الخاصة في العراق، ونتناول أسباب تفاقم العنف ضدهن، ودور الأسرة، وغياب الإطار القانوني، إضافة إلى مشكلات الاستغلال المالي داخل الأسر العراقية.
هشاشة مضاعفة للنساء ذوات الإعاقة
تُعد النساء من ذوات الإعاقة فئة أكثر عرضة للعنف مقارنة بغيرهن، لأسباب عدة تتداخل فيها الظروف الجسدية والنفسية والاجتماعية. فالتبعية الجسدية أو النفسية تجعل بعضهن غير قادرات على الدفاع عن أنفسهن أو حتى التعبير لفظيا عن الانتهاكات التي يتعرضن لها. كما يؤدي حصرهن داخل المنزل وعزلهن اجتماعيا إلى تقليل فرصهن في الوصول إلى المساعدة أو الدعم الخارجي. وتفاقم الصورة النمطية السائدة حول الإعاقة من هشاشتهن، إذ تصور المرأة ذات الإعاقة على أنها ضعيفة أو عاجزة عن اتخاذ القرارات، مما يسهل ممارسة العنف عليها دون رادع.
مظاهر العنف الأسري
يتخذ العنف الأسري ضد نساء الاحتياجات الخاصة أشكالا متعددة، تبدأ من العنف الجسدي المباشر وصولا إلى الإهمال المزمن. وقد تتعرض بعضهن إلى الضرب، أو الحرمان من العلاج، أو الإهانة المستمرة، أو التهديد بمنعهن من الحصول على احتياجاتهن الأساسية. كما يظهر العنف الاقتصادي بوضوح حين تحرم المرأة من حقها في التصرف برواتب الرعاية أو الرواتب المخصصة لإعاقتها. وفي بعض الحالات، قد تتعرض المرأة للعنف الجنسي، وهو الشكل الأكثر صمتا بسبب الخوف من الوصمة والقيود الاجتماعية وعدم القدرة على الإبلاغ.
الاستغلال المالي داخل الأسرة
ويّعد الاستغلال المالي أحد أبرز التحديات التي يواجهها ذوو الاحتياجات الخاصة، وخصوصا النساء. فالدولة توفر لهن راتب الرعاية الاجتماعية، بالإضافة إلى راتب "المعين المتفرغ" الذي يصرف لأحد أفراد الأسرة مقابل رعايتهن. لكن هذا الدعم، الذي يفترض أن يكون ضمانة لعيش كريم، يتحول في كثير من الأحيان إلى مصدر دخل للعائلة دون تقديم أي رعاية فعلية للمستفيد. وتذهب هذه الرواتب إلى جيوب الأقارب، بينما يهمل احتياج الشخص من العلاج أو المتابعة الصحية. ويستخدم هذا الدخل في بعض الحالات كأداة للسيطرة على الضحية وحرمانها من حقوقها الأساسية، مما يجعل الاستغلال المالي شكلا صريحا من العنف الأسري.
غياب قانون مناهضة العنف الأسري
رغم مرور سنوات على المطالبات بتشريع قانون مناهضة العنف الأسري في العراق، ما تزال دورات مجلس النواب تتجنب إقراره بسبب الخلافات السياسية والفكرية. ويمثل هذا الغياب أكبر فجوة تشريعية تعاني منها النساء، ولا سيما نساء الاحتياجات الخاصة اللواتي لا يمتلكن القدرة على حماية أنفسهن أو الانفصال عن البيئة المسيئة. فالقوانين الحالية لا توفر آليات إبلاغ آمنة أو مراكز إيواء متخصصة، كما تفتقر إلى إجراءات واضحة تمنع إفلات المعنِّف من العقاب. ويمنح قانون مناهضة العنف الأسري ـ لو تم تشريعه ـ الإطار القانوني الضروري لإنصاف الضحايا، وتوفير حماية عاجلة وفعّالة لآلاف النساء.
ما الذي يجب فعله؟
تحتاج معالجة العنف ضد نساء الاحتياجات الخاصة إلى خطوات متكاملة، تبدأ أولا بإقرار قانون مناهضة العنف الأسري، بوصفه أساسا لأي تدخل حكومي أو اجتماعي منظم. كما يجب تعزيز الوعي المجتمعي بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة وتغيير النظرة السلبية تجاههن، مع مراقبة آليات صرف رواتب الرعاية الاجتماعية لضمان وصولها إلى مستحقيها الحقيقيين. وإلى جانب ذلك، ينبغي إنشاء مراكز حماية وإيواء، تراعي احتياجات ذوي الإعاقة، وتدريب كوادر الشرطة والقضاء على التعامل مع حالات العنف ضد هذه الفئة.
وأخيرا، أن العنف الأسري ضد نساء الاحتياجات الخاصة في العراق ظاهرة معقدة تتفاقم بفعل الإهمال الاجتماعي وغياب التشريعات الحامية. وعلى الرغم من تقديم الدولة دعما ماليا لهذه الفئة، فإن هذا الدعم يتحول أحيانا إلى وسيلة للاستغلال بدلا من توفير حياة كريمة. وفي ظل غياب قانون مناهضة العنف الأسري، تبقى المرأة ذات الإعاقة عرضة للعنف بلا حماية فعلية. إن حماية هذه الفئة الضعيفة ليست مجرد مطلب حقوقي، بل واجب إنساني يستدعي تحركا عاجلا من الدولة والمجتمع على حد سواء.