1 - تلعب سيمياء النسق البصري دوراً مهماً في تقديم (الصورة) بديلاً عن اللغة الناطقة أو المكتوبة (النصية) فيما يطلق عليه الكاتب الفرنسي ريجيس دوبري بـ (دائرة الفيديو أو العصر البصري) الذي قدّمه في كتابه (حياة الصورة وموتها) (1) بقوله: أما العصر الثالث، العصر البصري، فيصنف ضمنه كل ما أنتجه الإنسان في القرن العشرين من صور فاقت في كمها كل صور، الى درجة إن الصورة أصبحت أداة لتبليغ مضامين مباشرة تخص كل مناحي النفعي في حياة الناس، و لعل ريجيس دوبري في كتابه يولي مفهوم الصورة أهمية في تحولات وضعيتها التاريخية فقد اشار الى التطور الحاصل في علاقة الصورة بالإنسان عن طريق تحقيب تلك العلاقة في ثلاثة عصور (2)، الغاية منها ربط الصورة بالإبصار، والنظر إلى إن النظرة التي يحددها الإنسان ترتبط بإمكانية الصورة في إيجاد رؤية بلا موضوع الذي أقرّه الإنسان وهو يلحظ التغيرات المصاحبة لتطور الصورة الى كونها تمثل انطباعاً للشيء في النظرة، إلى ثمرة استقلالها كهدف نفعي بذاته، لأن الحاجة للصورة ظلت لصيقة في الإنسان مذ وعاها في مفهوم المعنى الذي يفتقده في ذاته، ويجد ضالته في الصورة حيث تكتسي مباحث الصورة اليوم من الأهمية ما يجعلها طلائعية، خاصة وأن تكنولوجيا الصورة والإعلام قد حولت العالم إلى راحة يد يكفي أن تبسطها كي تطلع على ما يدب (3)، حيث نجحت في نقل الواقع الى صورة، لكن هذه الصورة فقدت انتماءها لذاك الواقع الأصلي الأول الخارق نحو عالم افتراضي، التفاوت بينهما كبير، ويكاد ذاك العالم الافتراضي (البصري) قد اكتسب واقعيته من تلك النظرة النفعية للعالم الواقعي، لهذا التفاوت أمام عالمين لا يمكن لأحدهما أن يحيل على الآخر إلا بقيم تبنى في المتخيل قبل أن تكون جزءاً من حقيقة موضوعية قابلة للمعاينة (4)، ولأن الصورة صارت وهي تتخلص من إحالاتها اللفظية في اللغة والكتابة قد أصبحت تؤدي دور الأدائية الكلية للمعنى، في عدم الإحالة لخارجها، وتستقل في معانيها التي لا تنتمي الى أي واقع سوى بنيتها القائمة في العالم الافتراضي، وفي القرن العشرون وجدت صلاحيتها في شغل حيز مغاير لما هو متعارف عليه في أدائها البصري، بحيث تخرج إلى فضاء نفعي استهلاكي لا موضوع له كما في السينما والتلفزيون، كإرسالية تنتهي إلى أن تكون صورة إعلانية (إشهارية) لتدخل في خدمة الاستهلاكي بدلاً من الثقافي، فتفقد مرجعيتها الأصلية، حينما تكون إرسالية الغرض منها الإشهار، وبذلك لا يكتفي الإشهار (الإعلان) بقول ما يعود إلى مضمون الإرسالية وغايتها التجارية، بل يسرب من خلال المنتج وفضائله المحتملة، عوالم مخيالية تحتفي بما يمكن أن يشكل مضافاً رمزياً إلى الحياة (5).
2 - المسلسلات الهندية التلفزيونية المدبلجة التي تعرض على القناة الفضائيةMBC) Bollywood) أو سواها من القنوات خير مثال على ما تقدمه من مفهوم الصورة بمعناها البصري في مواقف ترتبط بنفي العلاقة بين اللفظي والبصري في النظرة إلى الصورة، والاهتمام بالمعنى المغاير في الكلية الأدائية التي لا تعنى سوى بالرؤية التي تحملها الصورة، كما يحصل ذلك في الوصلات الإعلانية، أي إن الصورة، حينما تأتي كإرسالية لا تخلق لغاية التعبير عن مضمون الصورة كما هو متوقعها في أحداث الحلقة من حلقات المسلسل الأصلي (الهندي) بل تتخذ فعل الصورة التي لا تحمل رؤية بحد ذاتها كيف؟ لأن تصميم المسلسل الهندي المدبلج قد يؤدي إلى فقدان جوهر العلاقة بين اللفظي والبصري، من حيث إن إزالة الصوت الأصلي للمثلين الهنود، واستبداله بصوت لممثلين عرب قد أخل بشرط التلازم بين اللفظي والبصري ومن المفترض تطابقهما، مع اختلاف اللغة واللسان، وما يترتب على ذلك من تفاوت في الوعي الفكري والادراك الثقافي، وسلطة المخيال، فهذه المسلسلات تقدم صورة واحدة في لفظين، مختلفين في اللسان، فصورة المرأة الهندية (الممثلة هنا) صورة قادمة من عالم مختلف، لتأخذ صوتاً آخر غير الصوت الأصلي، وهنا تدخل الدبلجة كوصلة شبه إعلانية في التفريق بين اللفظي والصوري (البصري) بين مستوى الأداء الصوري للممثلة الهندية (التي تصلّي وتبتهل لتمثال هندوسي) وبين مستوى الإنشاء الصوتي (اللفظي) لممثلة عربية تلفظ اسم (القدير الهندوسي) كأنما لا يعني الاختلاف بينهما في الحساسية العاطفية سوى انعراج في الفينومنولوجيا (وفق وصف هوسرل) التي تساهم حبكات المسلسل المتعددة، والمتاهات التي تفجرها بحضور التقنيات العالية في التصوير والموسيقي والغناء والرقص، فضلا عن تقنيات الدبلجة، الى تذويب الأهداف الأخلاقية والثقافية للمسلسل، وتحويله الى مادة في انتاج المتعة العاطفية يعتمد على فكرة تسويق الصورة بالمنحى الاستهلاكي، من هنا نجد إن العلاقة بين صورة المقدس الهندوسي وهي تتداخل مع صورة المرأة الهندية في سيمياء النسق البصري في صورة الضراعة والابتهال كإرسالية صورية منزوعة اللفظ بلا موضوع، الغرض منها الامتاع الاشهاري فحسب، وعلى ضوء هذه البنية الكلية للصورة التي لا تخدش المخيال العربي وتتركه نهباً للتأويلات تفهم القناة الفضائية البوليوودية العربية مراميها من عرض المسلسلات.
ــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :
1ــ سعيد بنكراد تجليات الصورة سيميائيات الأنساق البصرية المركز الثقافي للكتاب الطبعة الأولى 2018 الدار البيضاء – المغرب ص 30.
2ــ المصدر نفسه ص 28.
3ــ حياة الصورة و موتها ريجيس دوبري ترجمة فريد الزاهي افريقيا الشرق تقديم ص5.
4ــ تجليات الصورة مصدر سابق 257.
5ــ المصدر نفسه ص 251.