اخر الاخبار

الحديث عن الفن هو الحديث عنه بالمعنى الفلسفي  ،الذي  أشار إليه وتحدث عنه  فلاسفة عصر النهضة..أما الحديث عن التاريخ  فهو التاريخ بالمعنى المعاصر  المرتبط بالفلسفة ايضا..وأشير هنا إلى كتاب (فلسفة التاريخ ) لهيغل  ،الذي قال عنه أحد الدارسين  مشيرا إلى العبر التي يمكن استخلاصها من التاريخ  بالقول  (نوافق على ان عبر الفضيلة  تهذب الروح  ،وانها ملائمة  في الإرشاد الأخلاقي   للأطفال، لكي يترك فيهم  انطباعا   بالمناقب) فتهذيب  الروح  يأتي من التاريخ الفني  على وجه الخصوص  …وكلمة التاريخ تجمع الاثنين  السياسي والفني ..والقسم الأكبر من التاريخ  هو الذي يتعلق بأقدار  الناس والدول.. وقد حدد هيغل هذا الجانب  من التاريخ  بالقول (ينزع  القادة ورجال  الدولة  والامم إلى من  يذكرهم  بالتعاليم المستقاة  من خبرة التاريخ، ولكن ما نتعلمه من الخبرة والتاريخ  هو ان الشعوب  والحكومات  لا تتعلم شيئا قط من التاريخ، ولا تتصرف  أبدا وفقا للمبادىء المستنبطة منه).. وإذا كان التاريخ محددا   وفق هذه الصورة  فإن  الفن هو الاخر  محدد  وفق هذا  الفهم  المأخوذ  من تصور  أحد المخترعين  (لا   أحد ينكر  ان العلم  أصبح  أساس التكنولوجيا،  ولكن النظرة الحقيقية إلى العلم في عرفي، تجد التعبير عنها  على غلاف كتاب لفيزيائي عظيم ،حائز على جائزة نوبل  هو السير  جورج طومسون ، أحد  مكتشفي  الطبيعة الموجبة للإلكترون، واسم كتابه  روح العلم inspiration  of sconce …البيان المطبوع على الغلاف  يبدأ بالكلمات  (إن العلم فن) ويمضي ليتحدث عن الجمال الداخلي  والروعة  في أفكار الفيزياء الحديثة ..علماء اخرون تحدثوا بهذا الهوى الإنساني.

بهذين المقتربين  تتوضح طريقة المداخلة البحثية فضلا عن ذلك  فإن التاريخ  لا يعني المتخصصين  فقط، فلكل دارس  وباحث  معرفة بالتاريخ، ولاسيما الادباء والنقاد ،  وهناك  فرع مهم  في الادب يتلقى  العلم التاريخي  وهو تاريخ الادب.

ان التاريخ والفن  مدخلان  لتغييرات كبيرةً في الفكر العالمي المعاصر  ومقدمة لرؤية حضارية ثقافية ومعرفية، حفزت  الفكر الإسلامي  وجعلته  يتساءل عن حقيقة ارتباط الفن بالتاريخ    وهل أقصى الفكر العربي والإسلامي  الفن وادخله في ذيل اهتماماته ؟

كان هذا أحد  الابواب المهمة التي دخلت منها الثقافة الغربية، بعد ان وجدت الفراغ الهائل  في بنية الثقافة التقليدية  .. لعل هذا مهم جدا  وهو يحمل  إجابة ما  وبعض الاسئلة تحمل إجاباتها او توحي بها.. كان العراق  مثلا  موئلا  للتاريخ القديم  ( حضارة  سومر وبابل وآشور )

وهي اولى حضارات العالم القديم، وقد اهملت تماما  لانها تمثل  ثقافة وثنية قبل ظهور الإسلام .. لكن هذه المواضعة الفكرية  البسيطة أبعدت  المفهوم المعاصر للتاريخ،   إذ إن هذا المفهوم  يقترب من فلسفة التاريخ  وهذا يعني اقتراب الفن من التاريخ.. فهو اي التاريخ ليس سجلا للأحداث  والوقائع  مرتبا وفق تسلسل زمني،  هو يفسر ويعلل  سبب الحدث  الواقع  في زمن  ومكان معينين.. الذي منح  مفهوم التاريخ  بعدا فكريا وفلسفيا   هو الفن   إذ تم ايجاد علاقة وطيدة بين الاثنين.. هنا يحضر تاريخان: التاريخ السياسي وتاريخ الفن  وقد توحدا فيما بعد في إطار فلسفة التاريخ. إن الاكتشافات  الحديثة لحضارة وادي الرافدين  هي في  ماَلها الأخير  دراسة لتاريخ الفن  والملاحظ ان  نقوش  بابل وسومر  تفسر طريقة عيش العراقيين  القدماء  وأطر تفكيرهم.. وقد اعتنى الفكر المعاصر بذلك  وهو ما أغرى الكثيرين  من مورثي الحضارات القديمة  في التساؤل.. لماذا اغفل الفن  طوال العقود الماضية؟ ولماذا انشغلنا بالتاريخ السياسي  اكثر من تاريخ الفن؟  هل لان التاريخ السياسي يفرق المجتمع وتاريخ الفن يوحده ؟

لقد اخذ  الأمر في العصور الحديثة  أبعادا اوسع  حين تزامن ظهور فلسفة التاريخ  مع ظهور فلسفة الفن.. وظهرت مقولات حديثة تقول: ان التاريخ يكتبه الفلاسفة  والفلسفة يكتبها المؤرخون   على وفق ما قاله ديورانت في كتابه متون الفلسفة 

ان  النهضة الفكرية التي تزعمها الفلاسفة المثاليون والماديون  هي التي مهدت  لنهضة فكرية عارمة  فيما بعد  وقد ساعدت على ولادة مفهومين  متجانسين، أحدهما يكاد  يأخذ صفاته من الاخر  فلسفة التاريخ وفلسفة الفن  ولكن هذي المفهومين يحدان عوقا  حقيقيا في ثقافتنا المعاصرة.. وشكل هذا العوق  المفترض  مجالا حيويا  لدخول  الفكر الأجنبي إلى الحياة الثقافية المحلية . لقد شعر المسلمون  انهم اكثر قربا من تاريخ  الفنون.. فالكتابة  في اول عهدها كانت فنا.. ولو أتاح العقل  العربي والإسلامي  المجال للفن  كي يرتبط بالتاريخ  لما ركز اهتمامه بالتاريخ السياسي  الذي بدأت الامة  تعاني منه  ومن نصوصه التي تقرأ قراءات متعددة في أوقات مختلفة.