مدننا وقد أنهكها النفاق وتغلغل الفساد في مفاصلها كداء سرطاني متفشّ يصعب علاجه ، يتفنن فيها السُراق بنهب البلاد والعباد، ولم يكتفوا سواء كانوا سياسيين أو من أتباعهم السراق الصغار بنهب مشاريع الدولة والاستيلاء على المساحات الخضراء ونهب قوت الناس، بل أمعنوا في سرقة " الكحل من العين" كما يقال.
فلم يعد مستغربا أن يكتشف صاحب منزل أن بيته بيع عدة مرات دون علمه، في تواطؤ تام بين دوائر العقارات والحرامية مثلا. وتخيلوا معي ما الذي يحدث لهذا المسكين حين يهدد بالطرد من منزله " المُلك"، ولكم أن تتصوروا أيضا مدى خيبة المواطن البسيط ، المتقاعد من ذوي الشهداء على نحو خاص، حين يُسرق منه راتبه الشهري جهارا نهارا، ويصدم بتصفير بطاقته المصرفية عند مراجعته منفذ السحب، ولشهرين متتالين بعد تلقيه مكالمة هاتفية مع رسالة على الموبايل، تخبره بحصوله على دفعة جديدة لمستحقاته من مؤسسة الشهداء، ويزودونه برقم بطاقته المصرفية الشخصية وأسمه الكامل. ترى كيف حصل هذا المتصل على رقم البطاقة، ومن أين له معرفة أن هذا المتقاعد عنده شهيد ويستحق دفعة جديدة من التعويض؟!
وعند مراجعة المصرف ومؤسسة الشهداء والأمن الوطني، يقال له أن عصابات مشتركة من موظفي البنوك ومؤسسة الشهداء تمارس أنواعا من الابتزاز والنهب، وانه يُنصح بإبدال بطاقاته المصرفية خشية تكرار السرقة. وبعد إبدالها فعلا يفاجئ بسرقة راتبه الشهري من جديد وللمرة الثانية. وعند مراجعة مؤسسة كي كارد المسؤولة عن كشف الحساب، يتبين له أن السارق تناوش راتبه السابق واللاحق ومبالغ أخرى يمتد تسديدها لستة أشهر قادمة، باستخدامه البطاقة المصرفية التي كشفها أو التي حاز عليها ( ولا يُعرف من أين) في المرة الأولى، وابتز المتقاعد صاحب الشهيد بحجة تزويده بدفعة جديدة من مستحقات ذوي الشهداء، اعتمادا على خاصيات في التطبيق نفسه من قبيل خاصيتي "سلفني" ، و"رجع فلوسك"!
نتساءل هنا من أين للمواطن المتقاعد البسيط من ذوي الشهداء حصرا، معرفة دهاليز هذه التطبيقات، خاصة وان الكثير من امثاله لم ينزلوها أصلا على تلفوناتهم النقالة، وطُلب منهم تنزيلها أثناء الاتصال بهم، وادعاء المتحدث انه من مؤسسة الشهداء، مع تقديمه رقم البطاقة المصرفية ما يدفع الى تصديقه؟!
وقد شاعت الآن على وسائل التواصل الاجتماعي تحذيرات بعدم الاستجابة لأية رسالة أو اتصال من هذه الجهات، والتأكد مباشرة من الدوائر المعنية بشأن صحة الاتصال أو الرسالة، ولكن بعد فوات الأوان واستشراس عصابات النهب المبرمج، التي سرقت الأخضر واليابس.