في كل عام، تعود حملة 16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة لتذكر العالم بأن العنف ليس دائما صوتا مرتفعا أو أثرا يرى على الجسد. أحيانا يتخفى في السياسات، وفي الأرقام، وفي الرواتب التي توضع على الورق ببرود شديد. من بين أكثر أشكال هذا العنف صمتا واستمرارا يأتي التمييز في الأجور، الذي ما زال يشكّل حاجزا صلبا أمام تحقيق العدالة الاقتصادية للمرأة العاملة، رغم كل ما قطعته المجتمعات من خطوات.
ورغم أن المرأة اليوم حاضرة في كل القطاعات تقريبا، إلا أننا نرى فجوة واضحة بين ما تتقاضاه مقارنة بما يحصل عليه الرجل في مواقع وظيفية متماثلة. الفجوة ليست مجرد رقم في تقرير، بل نتيجة تراكمات طويلة: أعراف اجتماعية، فرص أقل للتطور الوظيفي، وتوقعات مسبقة تقلل من قيمة جهد المرأة. والأسوأ أن هذا التمييز يقدم أحيانا كأمر "طبيعي"، وكأنه جزء من نسيج الوظائف نفسها.
لكن الحقيقة أن الأجر غير العادل هو شكل مباشر من أشكال العنف الاقتصادي، فهو ينتزع من المرأة فرصا للنمو، ويقيد استقلالها، ويضعف قدرتها على اتخاذ القرار داخل أسرتها ومحيطها. فلا يمكن فصل المساواة الاقتصادية عن المساواة الإنسانية. فحين يّقيم عمل المرأة استنادا إلى جنسها لا إلى إنجازها، فإن المجتمع يوجّه رسالة قاسية مفادها أن الجهد ذاته لا يستحق المكافأة ذاتها.
إن مناسبة 16 يوم لمناهضة العنف ضد المرأة ليست مجرد حملة رمزية، بل فرصة لإعادة فتح الملفات المسكوت عنها، وعلى رأسها الحق في أجر عادل. مطلوب من المؤسسات أن تراجع أنظمتها، ومن الحكومات أن تضع تشريعات رادعة، ومن المجتمع أن يتحرر من النظرة التي تربط قيمة المرأة بمساحة ضيقة يسمح لها بالعمل فيها.
إن تحقيق العدالة في الأجر ليس مطلبا نسويا فحسب، بل ضرورة تنموية. فالمجتمعات التي تضمن المساواة في الفرص هي المجتمعات التي تنمو بثبات وتبني مستقبلا أكثر أمنا وكرامة للجميع. وفي هذا اليوم، يبقى صوت المرأة العاملة شاهدا على أن النضال ما زال مستمرا وأن العدالة ليست منحة، بل حقا لا يساوم عليه.