اخر الاخبار

مرة أخرى عن مهمة سافايا

في مقال عن العلاقات بين بغداد وواشنطن، ذكرموقع أمواج البريطاني بأنه وبعد أكثر من عقدين من الزمن، عيّنت الولايات المتحدة مبعوثًا خاصًا إلى بغداد، في خطوة تبدو متسقة مع أهمية العراق وما تتركه التطورات التي يعيشها من تأثيرات على المنطقة برمتها. ورغم أن مارك سافايا، رجل الأعمال العراقي المولد من ديترويت، هو أول مبعوث يفتقر إلى الخبرة الدبلوماسية السابقة بإدارة مشهد سياسي مُعقّد، فقد بدأ الرجل مهمته كما يبدو بنشاطٍ وظهورٍ بارز، خاصة بعد أن منحت نتائج الانتخابات البرلمانية وعملية تشكيل الحكومة عمله أهمية أكبر، وسلطت الضوء على مدى قدرته على التنسيق مع الكتل السياسية وأصحاب المصلحة الإقليميين لضمان انتقال سياسي مستقر.

لحظة حاسمة

ورأى كاتب المقال بإن الدور البارز الذي لعبه سافايا في تأمين إطلاق سراح الباحثة الإسرائيلية ـ الروسية إليزابيث تسوركوف بعد قرابة عامين من اعتقالها قد سُجّل لصالحه، لاسيما بعد أن فشل دبلوماسيون مخضرمون في ذلك. غير أن متحدثاً عراقياً، رفض الكشف عن اسمه للموقع، نسب إنجاز سافايا إلى علاقته الطائفية والعرقية مع فصيل مسلح متنفذ في البلاد، وهي التي سهّلت وصوله وتأثيره في المحادثات الحساسة لإطلاق سراح تسوركوف. ورأى الكاتب بأن هذا "الإنجاز" اعتُبر اختباراً غير رسمي لسافايا، مما مهد الطريق لتعيينه مبعوثًا خاصًا بعد ذلك بوقت قصير، رغم أن ما حققه لا يضمن له بالضرورة النجاح في مهمته الجديدة، التي تتطلب مهارة دبلوماسية واسعة وتنسيقًا استراتيجيًا بدلاً من مجرد نفوذ سري عبر قنوات خلفية.

تصريحات بلا حدود

وذكر المقال بأن أول بيان رسمي للمبعوث سافايا تضمن أجندة طموحة، تضمنت الحد من النفوذ الخارجي (والمقصود الإيراني)، ووضع جميع الأسلحة تحت سيطرة الحكومة الشرعية، وفتح الأسواق أمام الشركات العالمية. ورغم إن هذه "الطموحات" ليست بالجديدة، إذ سبق وطرحها السفراء والمبعوثون الأمريكيون المتعاقبون، فإن توقيتها يأتي مع تعمق مواقع حلفاء طهران في المشهد السياسي وقطاع الأمن والاقتصاد. كما أن هذه التصريحات تضمنت دعماً لرئيس الحكومة الحالية، والذي يطمح لتولي ولاية ثانية خاصة بعد فوزه بأعلى عدد من المقاعد في مجلس النواب، حيث بُرر فيها الدعم بما حققه الرجل من "انجازات خلال السنوات الثلاث الماضية في توجيه العراق نحو المسار الصحيح، سياسيًا واقتصاديًا"، وحيث أشار سافايا فيها صراحة إلى أن البلاد بدأت تستعيد مكانتها كدولة ذات سيادة خلال ما سبق من أيام، على حد تعبيره.

غير أن كاتب المقال استدرك بالقول إن رئيس الحكومة سارع عند تلقيه هذه الإشارة إلى تذكير سافايا بأن حصر السلاح بيد الدولة يستلزم خروج قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة من العراق، الأمر الذي قد يكشف التناقض الجوهري بين موقف رئيس حكومة تصريف الأعمال ومهمة سافايا، لاسيما مع الهجوم العنيف الذي تعرضت له مهمته من قبل حلفاء إيران، الذين هددوا بإعادته إلى أسياده إن لم يصمت، إضافة إلى اعتراضات أخرى من تيارات غير ممثلة في البرلمان كالتيار الصدري، الذي يتمتع بقاعدة شعبية واسعة، والذي فُهمت انتقاداته على نطاق واسع على أنها إشارة إلى رئيس الحكومة.

بين قطبين متصارعين

وأشار الكاتب إلى أن التناقض بين موقفي طهران وواشنطن من الوضع في الشعراق خطير جداً ويصعب على رئيس الحكومة التعامل معه، ففيما تطالب الأولى بانسحاب أمريكي كامل من العراق، ترى واشنطن في ذلك هزيمة استراتيجية تسمح لإيران بتوسيع نفوذها في المنطقة، في وقت تواجه فيه سياسة التوازن التي اتبعها رئيس الحكومة الحالية، ضغوط حلفائه الذين تربطهم علاقات وثيقة بطهران من جهة، ورفضاً إيرانياً معلناً للتعاون مع سافايا في تشكيل الحكومة الجديدة، لعدم خبرته ولعد اتساقه معها سياسياً من جهة أخرى، وهو موقف مختلف عن الماضي، حيث كان المسؤولون الإيرانيون والأمريكيون يحافظون بانتظام على تنسيق سري لتحقيق الاستقرار في العراق أو تشكيل حكومات توافقية. وخلص الكاتب إلى القول بأن تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، لا يتوقف على مهارة سافايا الدبلوماسية فقط، بل وأيضًا على قدرة واشنطن في إعادة تأكيد نفوذها الفعّال في بغداد بعد سنوات من تراجع نفوذها.

واختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن العراق لايزال اليوم بعيدًا كل البعد عن أن يكون أولوية قصوى في السياسة الخارجية الأمريكية، إلا أنه يظل اختبارًا حاسمًا لمصداقية أمريكا في المنطقة.