العشائر شريحة اجتماعية واسعة في البلد، ومن المعروف مالها من دور اجتماعي وسياسي وأمني فاعل، من خلال ثقلهم ومشاركتهم الفعالة في المساهمة في نشر السلام والوئام بين أفراد المجتمع، ولدورهم الفاعل في وأد الخلافات وحسم النزاعات التي تحدث بين أفراد المجتمع، لكن الملاحظ بأنه تراجعت في ظل الوضع السياسي والاقتصادي الحالي تقاليد وعادات العشائر المبنية على الطيبة والتعاون والتسامح والعفو، وانحدرت نحو الثأر والانتقام وسفك الدماء حتى وصل الخلاف في بعض الأحيان إلى استعمال الأسلحة المتوسطة والثقيلة ويذهب ضحيتها أفراد من كلا الطرفين، وازدادت في الآونة الأخيرة المبالغة بتحديد مبلغ الفصل بين عشيرتين بحيث يصل إلى الملايين من الدنانير في حين كان من المفروض أن تكون مهمة العشائر هو اعتماد أسلوب الحوار المبني على التفاهم والتراضي والصلح بين المتنازعين الذي يعطي نتائج مفيدة للجميع كما كان في الماضي .
في المجتمعات المستقرة والآمنة تعتبر العشائر رافدا مهما وعونا للدولة وليست بديلة عنها وعنصر أمن وسلام في حل الخلافات والنزاعات بشكل سلمي وتكون سلطة الدولة والقانون هما المعتمدان في حل النزاعات بين الأفراد والجماعات.
ينشط دور العشائر ويكون له حضور واسع وفاعل بسبب ضعف سيطرة الدولة وعدم بسط نفوذها وهيمنتها وضعف سيطرة القانون بسبب عوامل عديدة خارجية وداخلية، عندها يحتمي المواطن بالعشيرة لحمايته واسترداد حقوقه وحل مشاكله بعيدا عن بيروقراطية ومساومات الجهات الرسمية.
تحاول بعض الجهات السياسية استمالة العشائر لكسب أصواتهم في الانتخابات كونهم شريحة واسعة لها ثقل اجتماعي كبير، وتمارس بعض الجهات السياسية أسلوب الإغراءات والوعود بالمكاسب والامتيازات لأفراد هذه العشيرة أو تلك ولشيخ العشيرة بشكل خاص، لكن بعض الشيوخ يأنف هذا الأسلوب الرخيص من خلال محافظته على مزايا وسمات وتقاليد وأصول العشيرة العريقة من أدب واخلاق وعفة وشجاعة ومروئه وصيانة هذه التقاليد الانسانية والمحافظة عليها، وبالمقابل يرضخ قسم كبير منها لهذه الإغراءات ويكون موضع استهجان ورفض وتبرم الكثيرين متناسي هموم ومعاناة شعبة الطامح إلى التحرر والاستقلال ورفض الظلم والفساد والساعي إلى دولة مدنية توفر السعادة والأمن والاستقرار والمساواة والعدالة لأبناء شعبنا..
التاريخ السياسي العراقي يشهد ما للعشائر من دور وطني في انتفاضات شعبنا ضد الأنظمة الرجعية والدكتاتورية عندما كانت موحدة مملوءة بالحس الوطني وتحت قيادة وطنية تضم جميع أطياف شعبنا بعيدا عن النزعة الطائفية والمذهبية والقومية المتطرفة وحققت انتصارات عظيمة في معاركها مع الأنظمة الفاسدة من خلال صمودها ووحدتها وإصرارها على تحقيق أهدافهم الوطنية.
فما أحوجنا في ظل الوضع الراهن الذي تسود فيه الفوضى والفساد والسلاح المنفلت والنفس الطائفي وتقاسم النفوذ والمصالح على حساب الكفاءات الوطنية والنزيهة والمخلصة لوطنها وشعبها، لوحدة وتكاتف عشائرنا الوطنية بالتعاون مع قوى شعبنا الخيرة من أحزاب وطنية ومنظمات مجتمع مدني وقوى ديمقراطية لرفض المحاصصة وبناء دولة المواطنة التي تحقق الديمقراطية وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية بين أفراد شعبنا.