اخر الاخبار

التجربة الاخيرة التي مررت بها لم تشحذك كما كنت تنتظرين .. انها لم تفعل أي شيء لإنقاذك باستثناء قشط براءتك، كما تركتك تتطلعين الى ماضيك بشك كبير، هاهو الظن السيء، يقودك الى وجهتك وانت تتفقدين خطواتك عبر عتمة الاخرين وضلالاتهم .

ادرك أن لا احد سواك سيتذكر تلك الايام الغابرة، التي سلخت طفولتك و تركتك ترتقين فجوات نهاراتك بأحلام يقظة نافقة، لا يحزنك انك تخفقين في لفت انتباه الاخرين اليك، وانت تمضين الى شتاتك، انها طفولتك التي لا تفرق بين الثياب الفضفاضة التي ورثتها بعد ان تبددت السلالة، ثيابك التي خضعت لمبضع امك الصامتة طوال الوقت، نسيت كل شيء يذكرك بالنحس الذي التصق بحظك السيئ كطفيلي دس مجساته عميقا في جلدك، لا تستطيعين نسيان نظرات رفيقاتك، كن يتحاشين الاحتكاك بضفيرتك السميكة ولكنك كنت تنضجين، تتسلين بدس يدك الصغيرة تحت قميصك الضيق، تتحسسين استدارة ثمارك التي لم تنضج بعد، في نهاية المطاف، وهو الامر الذي يحدث طوال الوقت، نضجت مفاتنك بوقت مبكر اكثر مما كان القدر السيئ الذي يحيط بك ان يحلم به، تمردت ثمارك المثيرة على قميصك الذي بات ضيقا اكثر مما يجب كيما يحجب انوثتك عن نظراتهم، ولكنك كما يحدث في المفترقات، كنت ضحية نضجك، في نهاية الامر، استبدلت حقيبتك البالية، بكومة بذاءات ممزوجة بالرذاذ والغضب، لا تبالين بهدر الشتائم هنا وهناك، ولا تبالين حين تسمعين احدهم يردد بصوت خافت،  انها متمرسة لا احد يستطيع اغواءها ؟!

انها الأيام التي مررت بهـــا، وليست التجربة التي قشطت جلدك. كنت كما احجية وطلاسم، عصيّة ولا يمكن اغواؤ1ك بالأكاذيب، ولكن كمحارب بلا ذخيرة ولا متاريس تناثرت قطعك حتى لم يعد باستطاعتك استعادة ما كنت عليه قبل ليلة واحدة، لا يمكن ترقيع جروحك الغائرة بابتسامات مصطنعة، لأنك طوال الوقت تشمين رائحة الأكاذيب، منذ ولدتك المصادفات السيئة في نزل يشبه اللعنة، كأن القدر السيء اعدك لتكوني لعبته الاثيرة .

ها انت متمرسة ومتماسكة، اكثر قليلا من امرأة لم تعد تبالي بسيرتها،  تواجهين مخاوفك بقلب صامد يعيد ترميم متاريسه وخنادقه، بعد كل انكسار تلحقه بك كلاب الرصيف الضالة، لن تخدعك كلمات الحب التي غادرتها منذ امد بعيد، برغم فجائعك التي لاتعد، لا تبخلين على الوجه الشاحب التي يطالعك في المرآة  بالحب والاسى والمغفرة ، انهــا انت وليست امرأة اخرى تلك التي استبدلت علبة الزينة بخوذة فولاذية وحقيبة اليد بمجرفة، لدفن ضحاياك في مقبرة اسمها النسيان، وانت تمضين وحدك الى وجهتك الاخيرة تنصتين الى ايقاع خطواتك المتمهلة، تدونين مذكراتك المريرة بكلمات متعثرة، تلصقين علكتك الطرية تحت السرير كما لو كنت تتخلصين من احدهم بسحقه تحت فقاعتها اللينة، كنت تنتظرين احدهم ان يلثم فمك بقبلة تختنق بالمشاعر والرغبة، ها هو صوتك المتهدج، عندما تتعامد عقارب الساعة فوق منتصف الليل، يطرق بنبراته جدار العزلة، فتستيقظ النوارس العتيقة، التي لم تعد تتذكر ابجدية التحليق، هناك كؤوس النبيذ التي جفت ببطء قرب شمعدانات نحاسية تضيء خرائط عنكبوت مسن، يفخخ طريق الضحايا باختلاق اباطيل، لم تعهدها يرقات اللذة او الذباب، يمكنك كشف كتفك العاري لمباركة الخطيئة، يمكنك اغواء المذعورين الذين يتطلعون اليك برغبة تتحشرج بصوت خشن، هناك تحت اقنعة الاوكسجين والخراطيم المطاطية، يتطلعون اليك بحزن ممض، كما لو كانت المرة الاخيرة التي سينالون فيها مباركتك، بينما شهقات هائلة تطيح بأنفاسهم المتقطعة، كانوا يخسرون حياتهم على الاسرة المحشورة  تحت معدات ببريق معدني، هناك رائحة السبيرتو النفاذة والانابيب البلاستيكية والأرقام المضيئة.

في نزلك الذي يطل فراغ الخليقة توقدين شموعك الذاوية بينما طرقات الميدان تجف حين يختفي اخر رجل يجرجر خطواته الى عتمة الطريق  المهجور.

لا تبالين بأحزان اللقالق التي تمتهن العزلة فوق برج اجراس كنيسة السبتيين المهجورة ، انت وحيدة جدا، كل زفير تطلقيه يتحول الى كومة ازاهير حنطها الموت بلون شاحب، بينما شهيقك القوي يكشف عن جمال غابر، استدارة ثديك المتهدل، ادرك بان الحرارة التي يطلقها جسدك ستظل لأمد طويل تعوم في الفراغ ، وستتردد في المكان المقفر لآلف سنة، الاخرون سيتذكرون انك كنت شغلت فضاء المكان بتكويناتك، سيسردون قصصا مختلقة عن حياتك، سيكتب عنك كتاب السيرة  الماخوذين بالأسرار، سيكتب احدهم، بانك كنت اكثر من امرأة صقلتها التجربة المضنية التي مررت بها حتى احترفت مهنتها، سيئة الصيت، خاضت في مستنقعات الازقة الخلفية، واضطجعت تحت سقف غرف مظلمة، في بيوتات مهجورة على اسرة مترنحة قضم اطرافها صدأ قديم، اسرة متهالكة تتوجع بصرير معدني، تقلبت عارية بينما رجال يزفرون بأنفاسهم الزنخة في وجهها الطري، امرأة شهدت بصمت وحزن ممض انوثتها وهي تتبعثر، تعثرت في طرقات كسيحة وهي تموه وجهها بمساحيق سميكة، ادعت لنفسها اسماء مستعارة وعنوانات لاوجود لها، اينما تقتضي مهنتها ان تضطجع لليلة واحدة تحت قبة المخدع المدنس، تذهب الى هناك، لتستبدل بدراهم معدودة ملطخة بالاشمئزاز، خرائط جسدها، تترك اصابعهم تلوي خرائط ثمارها التي فقدت فتوتها وفخذيها وبطنها الضامر وهي تكتم انفاسها، في ايام متباعدة ، غالبا حينما يصمت المطر الذي تدفق عبر الميازيب التي تختنق باعشاش العصافير والافاعي الصغيرة الناعمة ، تتذكر اسمها الاول، بوجوم، حنط وجهها بالتجاعيد، المطر وليس سواه هو الذي يسترد ذكريات طفولتها الغابرة، ولكنها تدرك ان الاعتياد حنط احاسيسها التي باتت اكثر تبلدا وجمودا، بينما الممارسة قشطت مشاعرها، لم تعد تشعر بالضيق القديم الذي يخنق انفاسها، كما لم تعد تشعر بالحزن الذي انتابها في تلك الايام المبكّرة، حينما يدنس الغرباء تضاريسها التي لم تعد بكرا، انها بلا عنوان و بلا خرائط، لم تعد تتذكر اسما تتعرف فيه الى نفسها، انها بلا هوية، كما لو كانت اللاشيء الذي لم يخلق بعد، انها قبضة صلصال ليس اكثر، اطلقها الخالق في طرقات المدينة الضالة.

عرض مقالات: