اخر الاخبار

مع اقتراب العام الدراسي الجديد، تواجه العديد من الأسر تحديات مالية كبيرة لتوفير مستلزمات أبنائها من كتب وقرطاسية وملابس مدرسية. إذ أصبح ارتفاع الأسعار ونقص الموارد المدرسية يشكل عبئا مضاعفا على الأهالي، سواء الموظفين ذوي الدخل الثابت أم أصحاب الأجور اليومية الذين يفتقرون إلى ضمانات مالية.

ويبرز هذا العبء في حياة الأطفال أيضا، حيث يشعر بعضهم بالنقص أمام زملائهم الذين يستطيعون الحصول على أحدث المستلزمات، ما يخلق فجوة واضحة بين الطلبة على أساس اقتصادي ويؤثر على نفسيتهم.

وفي ظل هذه التحديات، باتت المبادرات المجتمعية التطوعية جزءا من الحل، لتخفيف الضغط عن الأهالي وضمان حصول الطلبة على أدواتهم التعليمية الأساسية.

فوارق طبقية تؤذي التلاميذ

يقول احسان محمد، وهو موظف وأب لثلاثة أطفال، انه "برغم أنني موظف وأحصل على راتب ثابت، إلا أن ارتفاع تكاليف المعيشة يجعل من الصعب توفير كل احتياجات أطفالي اليومية، من ملابس وكتب وقرطاسية وحتى الطعام. أتساءل دائما عن وضع أصحاب الأجور اليومية، والذين لا يملكون دخلًا ثابتا، كيف يمكنهم تأمين مستلزمات أبنائهم الأساسية في ظل الأسعار الحالية؟".

ويضيف محمد لـ "طريق الشعب"، ان "الوضع أصبح مرهقا نفسيا وماليا على الأسرة، ومع بداية كل عام دراسي أشعر بثقل المسؤولية، إذ أرغب في منح أطفالي مستلزمات جيدة، لكن الواقع الاقتصادي يفرض حدودا صارمة".

وتابع ان "هناك أطفالا لا يستطيع أولياء امورهم توفير كافة المستلزمات المدرسية لهم، ما يضعهم في حرج أمام الأسر التي تملك المال لتجهيز أطفالها بكافة أنواع وأحدث المستلزمات. هذا الوضع يخلق نوعًا من التميز والطبقية بين الأطفال ويؤثر على نفسيتهم ويجعلهم يشعرون بالنقص مقارنة بزملائهم".

وأضاف "نحن جميعا بحاجة إلى دعم حقيقي من الجهات المعنية لتخفيف الضغط عن العائلات ومساعدة الأطفال، بعيدا عن الفروقات المادية التي تؤثر على تعليمهم وحياتهم النفسية".

السوق تستنزف جيوب الفقراء

من جهتها، قالت هناء جبار، مديرة مدرسة، إن "الاستعدادات للعام الدراسي الجديد تمثل تحديا كبيرا ليس على مستوى محافظتنا فحسب، بل على مستوى معظم مناطق البلاد، حيث تعاني أغلب العائلات من صعوبات في تجهيز أبنائها".

وأضافت جبار في حديث لـ"طريق الشعب"، انه "قبل نحو عشر سنوات، ومع تطبيق سياسة التعليم المجاني، كانت المدارس تزود الطلبة والتلاميذ بالكتب والقرطاسية ومستلزمات الدراسة قبل بدء العام الدراسي، الأمر الذي خفف العبء المالي عن الأسر. لكن هذه الممارسات تراجعت تدريجيا في السنوات الأخيرة، حتى أن بعض المدارس أصبحت تقدم أدوات مكتبية بسيطة وذات نوعية رديئة، كما أنها لا تكفي جميع الطلاب".

وتابعت أن "الاعتماد على السوق لتوفير المستلزمات المدرسية أدى إلى رفع الأسعار، بسبب الطلب الكبير على الملابس والحقائب والدفاتر والقرطاسية. هذا الوضع يخلق ضغطا نفسيا على الأسر، ويؤثر سلبًا على الأطفال، حيث يلاحظون الفروقات بين زملائهم، وقد يصل الأمر إلى الشعور بالحرمان أحيانًا أو حتى التوجه نحو تصرفات خاطئة مثل السرقة".

وأكدت جبار، أن الحل الأمثل يكمن في العودة إلى النظام السابق الذي يضمن توفير المستلزمات المدرسية الأساسية لجميع الطلاب، بما فيها الكتب، الدفاتر، والقرطاسية، بالإضافة إلى توحيد زي الطلاب، لتقليل التنافس غير الشريف بين الطلاب والتخفيف من العبء المالي على الأسر.

وقالت انه "إذا تم توفير مستلزمات مدرسية مجانية وموحدة، فقد يستفيد الطلبة بشكل مباشر، بينما يبقى السوق التجاري هو المستفيد الأكبر من عدم تنظيم هذه الأمور. ومن جانب آخر، فإن تجهيز الأطفال بشكل جيد مع بداية العام الدراسي يضفي شعورا بالفرح والتفاؤل لدى العائلات، ويحفز الطلاب على التركيز على مستقبلهم التعليمي رغم التحديات الكبيرة التي تواجه المدارس، خاصة فيما يتعلق بالبنى التحتية وعدم توفر ساحات للعب وحدائق كبيئة صحية".

وأضافت أن هذه التحديات تتطلب تدخل الجهات المعنية لضمان توفير بيئة تعليمية متكاملة تقلل الفوارق بين الطلاب وتساعد الأسر على تخطي الصعوبات المالية في بداية كل عام دراسي.

مبادرات إنسانية

فيما تقول هاجر حسين، ناشطة وباحثة في مجال التعليم ومؤلفة لكتاب تعليمي (رحلة تعليم)، إن "ارتفاع تكاليف المعيشة أصبح عبئا كبيرا على الأهالي، خصوصا الذين لديهم أكثر من طالب في المنزل. ومع اقتراب العام الدراسي يواجه الأهالي ضغوطا لتوفير قرطاسية متكاملة لأبنائهم، تشمل الأقلام والدفاتر والكتب. وفي بعض الأحيان تكون الكتب غير متوفرة في المدارس، ما يضطرهم لشرائها بأنفسهم لضمان متابعة أبنائهم للمناهج الدراسية".

وتضيف هاجر لـ"طريق الشعب"، أن العبء يتضاعف على الأهالي الذين لديهم أبناء في المراحل النهائية، حيث يحتاج هؤلاء الطلاب إلى ملازم لكل المناهج ودروس خصوصية، لضمان التحصيل الدراسي، خصوصا أن المدارس الحكومية لا توفر تعليما كافيا لهذه المراحل. وهكذا يضطر الأهالي لإنفاق ميزانيات إضافية لتأهيل أبنائهم وتحقيق المعدلات المطلوبة، لا سيما في الصف السادس الإعدادي الذي يمثل مرحلة حاسمة لتحديد مستقبل الطالب واختيار اختصاصه الدراسي.

وتلفت هاجر إلى أن هذه الضغوط لا تقتصر على الجانب المالي، بل تمتد إلى الجانب النفسي، إذ يشعر بعض الطلبة بأنهم عبء على ذويهم، بينما يعاني الأهالي من الضغط المستمر لتوفير جميع المستلزمات التعليمية، ما يجعل بداية العام الدراسي تجربة مرهقة للأسرة بأكملها.

ولتخفيف هذه الأعباء، أطلقت هاجر وفريقها التطوعي مجموعة من المبادرات العملية؛ منذ عام 2016، يتم توزيع الملازم الدراسية مجانا لطلاب الصف السادس الإعدادي في جميع محافظات العراق، حيث يستفيد منها أكثر من خمسة وعشرين ألف طالب سنويا. ويعاد تدوير الملازم من الطلاب الذين أنهوا دراستهم لتوزيعها على الطلبة الجدد، ما يقلل العبء المالي على الأسر، ويضمن حصولهم على موارد لازمة لتحقيق التفوق الدراسي.

كما قامت المبادرة بجمع الكتب الدراسية من الطلاب الذين أنهوا مراحل دراسية معينة، وتوزيعها على الطلاب الجدد لمواجهة نقص الكتب، الذي لم تتمكن وزارة التربية من معالجته، وهو حل بسيط لكنه فعال وساهم في معالجة جزء من المشكلة.

المدرسة الحرة

والى جانب ذلك، أطلق متطوعون مبادرة "المدرسة الحرة"، التي تقدم تعليما مجانيا غير تقليدي، يركز على المهارات الحياتية مثل المسؤولية المجتمعية والتعليم القائم على العلوم والتكنولوجيا والسينما، بهدف تهيئة الطلبة لمستقبل أفضل، ومنحهم فرصا أكبر في سوق العمل. وقد يستفيد من هذه المبادرة أكثر من خمسة وستين طالبا، وتم تبني الفكرة لاحقًا في بعض المدارس الحكومية والأهلية وحتى في المنازل.

واختتمت هاجر حديثها بالقول: إن المبادرات البسيطة يمكن أن تحقق تأثيرا حقيقيا على الطلبة والأهالي، وتخفف من الضغط المالي والنفسي قبل بداية العام الدراسي. وقد تمكنت المبادرة من الانتشار خارج العراق، حيث تبنت فرق تطوعية في اليمن نفس الأفكار والتفاصيل، وحققت نتائج إيجابية لمدة سنتين متواصلتين.

عرض مقالات: