اخر الاخبار

تعتزم وزارة الصناعة والمعادن، تدشين خطط جديدة أعدتها لتأهيل المعامل والمصانع في البلاد، ما يتطلب ان تقوم الوزارة بإعادة تأهيل الكوادر الفنية التي اصبحت بلا مهارات بعد ان توقفت عجلة الانتاج الوطني طيلة السنوات الماضية.

 ويملك العراق وفرة من المهندسين، والكوادر العليا من الفنيين، لكنه في الوقت ذاته يعاني من نقص كبير في الكادر الوسطي والعمال والفنيين، ويعود ذلك الى ضعف مؤسسات التعليم المهني التي فقدت الكثير من الورش، التي كانت تلعب دوراً في صقل مهارات الطلبة.

خطط استثمارية

وقالت وزارة الصناعة ان خطتها الاستثمارية ستكون “قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى”، وفقا لوكيل الوزارة لشؤون التخطيط، يوسف جاسم الجنابي.

وقال الجنابي إن الخطة “التي تم رصد التخصيصات المالية لها ضمن الموازنة الاتحادية لعام 2021 تهدف إلى دعم شركات الوزارة للنهوض بواقعها الصناعي وإنتاج سلع جديدة”.

واكد الجنابي تأييد الوزارة “فكرة خصخصة القطاع الحكومي لكن باستثناء الشركات الإستراتيجية التي لا تحتاج لدعم حكومي مستمر، أما الشركات الأخرى التي يمكن للقطاع الخاص الاستثمار فيها، فيمكن إحالتها إلى المستثمر سواء كان محليا أم أجنبيا شرط مراعاة حقوق الموظفين بتلك الشركات”.

ويشير وكيل الوزارة إلى أن حجم المنتجات الصناعية “يشكل نسبا متفاوتة منها ما حقق الاكتفاء الذاتي الكامل محليا كصناعة الإسمنت، ومنها ما حقق جزءا من الاكتفاء كالصناعات الكهربائية والأدوية والأسمدة”.

ويبلغ العدد الكلي للمصانع التابعة لشركات القطاع العام في العراق نحو 227، لكن أعداد المعامل المستمرة بالعمل هي 140 فقط، بحسب بيانات وزارة الصناعة والمعادن.

ووفقا لتلك البيانات، فإن نحو 18 ألفا و167 مشروعا صناعيا متوقفة عن العمل لأسباب مختلفة. 

تجارب سابقة خاطئة

ويذكر الخبير الاقتصادي، مصطفى حنتوش لـ”طريق الشعب”، أن “العراق ‏بدأ بعد العام 2006 خطة لإعادة تطوير المعامل والمصانع المملوكة لوزارة ‏الصناعة، وبعض المعامل المملوكة للوزارات الاخرى. هذا الخطة كلفت العراق،  من سنة 2007 لغاية سنة 2019، ما يقارب 30 مليار دولار، لم ينتج ‏عنها سوى اعادة تأهيل اقسام من بعض المعامل”.

ويقول حنتوش، ان “المصانع والمعامل الموجودة في العراق، اصبحت متهالكة ومتقادمة، لا يمكن للدولة بشكلها ‏الحالي، ووفق منظومة الفساد الحالية ان تتعاقد على انشاء معامل جديدة، ‏فضلاً عن ذلك نحن بحاجة الى ايقاف الاستيراد ووضع نظرية تسويقية ‏جديدة، ودعم المنتج الوطني”.

ويضيف، أن “مجموعة ورش عقدها مختصون ومهتمون في هذا الميدان، نضّجت الافكار باتجاه أن تعيد الدولة بعض المعامل غير المتهالكة الى العمل، في حين أن البعض ‏الآخر من المصانع والمعامل، كان التصور ان تتحول الى مشاريع صغيرة ومتوسطة، ‏تجارية وصناعية”.

ويردف حنتوش كلامه بأن “الدولة لا يمكن لها اعادة اكثر من سبعة مصانع الى العمل”، لافتا الى افتتاح بعض المصانع التي تخص صناعة ‏الالمنيوم وتقطيع الحديد، والمياه والثلج.

ويتوقع حنتوش، انه في حال تعذر على الدولة اعادة تأهيل تلك المصانع، قد يكون التوجه الحكومي نحو ‏الاستثمار، منبها الى أنه “في ظل وجود قانون الاستثمار، ‏رقم 55 المشوه، الذي انتج تجارب فاشلة، سيكون من الصعب ان ينجح أي مشروع معه، بل سنكرر اعادة تجارب ‏الاستثمار التي فشلت في السابق، من بين ذلك طرح الاسواق المركزية ‏للاستثمار منذ 4 سنوات”.

بلا رأس مال فكري 

من جهته، يقول الخبير الصناعي، باسم جميل أنطوان، أن وزارة الصناعة تشكل “ركنا أساسيا من المؤسسات الحكومية التي تخلق ‏فرص عمل للعاطلين”. 

ويشير أنطوان في تصريح لـ”طريق الشعب”، الى أن “هناك فريقا عمل على  استراتيجية التعليم والتدريب المهني، وهو مشروع كان بالتعاون ‏مع منظمة اليونسكو والاتحاد الأوربي”. 

وبحسب أنطوان، فان هناك أيدي عاملة كثيرة “لكنها غير ‏مؤهلة للالتحاق في القطاعات الإنتاجية، خصوصاً اننا فقدنا خلال السنوات ‏الماضية، امهر العمال عن طريق الهجرة، او عن طريق التقاعد من العمل”. ‏

ويذكر أن العراق “لا يملك رأس مال فكري رغم وجود معهد التدريب والتطوير في ‏وزارة الصناعة لكنه لا يسد الحاجة، إضافة الى وجود أربع جامعات في ‏العراق تخرج فنيين وحرفيين مثل جامعة التقنية الوسطى في بغداد، ‏وجامعة التقنية الجنوبية في البصرة وجامعة الفرات الاوسط في النجف ‏والجامعة التقنية في الموصل”، مشيرا الى عدم وجود “قطاعات تستثمر مخرجات هذه الجامعات”. 

ويضيف الخبير الصناعي، “أننا نملك درجات عليا من الفنيين لكننا لا نملك الكادر الوسطي، حيث ان هناك وفرة في عدد المهندسين وقلة في عدد العمال الفنيين”. ‏

ويؤكد ان مخرجات التعليم المهني في العراق “لا تصل حتى الى 20 في المائة من ‏مجموع التعليم. بينما في العالم تكون النسبة مناصفة بين التعليم المهني ‏وباقي الاختصاصات”. ‏

ايجاد كادر وسطي 

وفي السياق، يتحدث مدير امتحانات التعليم المهني السابق، حسين علاوي، عن أهمية التعليم المهني واستفادة العراق منه في فترات سابقة، قائلا: ان الهدف الرئيسي للتعليم المهني هو “إيجاد كادر وسطي في المعامل والمزارع وغيرها من مجالات الانتاج”.

ويقول علاوي لـ”طريق الشعب” انه “في العراق ولدت منذ فترات طويلة اعداديات الصناعة ومن ثم الزراعة ولاحقا التجارة، لتتوسع التخصصات المهنية شاملة الحاسوب والبرمجيات وأقساما عديدة. وتعتمد جميعها على ما يسمى بالعمود الفقري للتعليم المهني وهي الورش المدرسية”، لافتا إلى ان “الورش تعتبر أساس نجاح هذا التعليم وتحقيق الغاية منه؛ ففي عام 1979 أسست شركة (زبلن) عشر إعداديات مجهزة بالورش المتكاملة بكل ادواتها العملية والنظرية وحتى ادوات الخدمة للمدرسين ولهذا نضج التعليم المهني في ذلك الوقت. وأصبح خريجو المدارس المهنية يعملون في قطاعات الدولة أو يتوجهون لفتح ورش العمل”.

ويشير المدير العام إلى ان “التعليم المنهي حاليا يحاول النهوض وإعادة نشاط ورشه مجددا ولكن النتائج دون المستوى المطلوب. والأمر المؤسف أن مخرجاته باتت لا تلبي حاجة سوق العمل الذي يتحمل القائمون عليه مسؤولية ذلك، بسبب النمط الاقتصادي الاستهلاكي السائد. فلا توجد معامل أو مصانع أو قطاع خاص حيوي للاستفادة من مهارات التعليم المهني”.  

تجربة التعشيق

ويواصل علاوي حديثه بأنه “قبل عام 2003 فكرنا كمختصين أن ننضج دور التعليم المهني بشكل أكبر، وأتينا بفكرة تسمى (التعشيق) والتي كانت ذات نتائج مجدية للبلد على الصعيد الدراسي والانتاجي”، مبينا أن “فكرة التعشيق تقتضي التنسيق مع كافة الوزارات ومعاملها التي تشهد مشاكل فنية أو حاجات تخصصية، وأن لا تتعامل هذه الوزارات مع السوق لتلبية حاجاتها، وإنما تعتمد على طلبة واساتذة التعليم المهني، وأحدثت تلك التجربة نقلة مهمة وحققت نتائج رائعة بعدما زجت الطلبة بميدان العمل وضاعفت خبراتهم ومهاراتهم. ومثال على ذلك، قيام اساتذة وطلبة من التعليم المهني بتصليح كابسات لشركة الزيوت النباتية، كانت كلفة تصليحها آنذاك تتراوح بين 300 – 400 ألف دينار وهو مبلغ كبير، حيث أنجزت عملية تصليحها بحوالي 125 ألف دينار فقط. ويمكن للمرء أن يتخيل من هذا المثال أهمية دور التعليم المهني للبلد”.

ويلفت علاوي انتباه ”طريق الشعب”، إلى ان أبرز مشاكل قطاع التعليم المهني حاليا تتعلق بوجود “كوادر في وزارة التربية تدير القطاع ولكنها غير مختصة به. بينما تغيرت الكفاءات السابقة التي كانت على دراية بالأمور. وأما الجانب الآخر فإن إدارة الدولة اعتمدت على الخصخصة الميتة التي أنهت الصناعة والزارعة في القطاعين العام والخاص، وهذا أثر كثيرا على التعليم المهني لأن مخرجاته أصبحت لا تجد مكانا في سوق العمل. وحولت الإدارة الخاطئة للاقتصاد الكثير من طلبة هذا القطاع إلى خريجين غير ماهرين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المدارس المهنية كانت تتلقى في السابق تخصيصات مالية عبر المديرية العامة للتعليم المهني، ولكن بعد إناطة مهمة صرفها بمسؤولية المحافظات التي أصبحت مسؤولة أيضا عن هذه المدارس، أصبحت الأموال والتخصيصات تذهب إلى غير أماكنها الطبيعية وهذا أمر غير منطقي وجائر”.

عرض مقالات: