اخر الاخبار

يعد موضوع تجارة الحبوب ودورها في تعزيز الأمن الغذائي من المواضيع المهمة التي يتم التطرق لها في كل المحافل الدولية منها والعالمية وعلى المستويين السياسي والاقتصادي بصورة خاصة، لما لها من الأهمية الغذائية وبالخصوص محصول القمح.

وبدوره يعد القمح من أهم الحبوب التي تنمي الطاقة الغذائية للإنسان، حيث تعد اليوم تجارة الحبوب العالمية جزءًا من النظام الغذائي الذي يسمح بسدّ الفجوة بين العرض والطلب. وتتطور أنماط تجارة الحبوب والبذور الزيتية العالمية بشكل مستمر نظراً لارتفاع مستويات الدخل وتزايد عدد السكان مما يساهم في تغيير الخيارات الغذائية، إن محاصيل الحبوب بصورة عامة ومحصول القمح من أهم المحاصيل الاستراتيجية بحكم اهميتها الغذائية ودورها الأساس في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وكذلك بوصفها الركيزة الأساسية في الأمن الغذائي، حيث يمثل محصول القمح محصولاً استراتيجياً يدخل في غذاء الانسان بشكل مباشر أو غيـر مباشر، وهو مصدر الغذاء الرئيس في العراق بصورة عامة.

ويتصـدر الأمن الغذائـي الأولويـات القصـوى علـى جـدول الأعمـال العالمـي منـذ سـنوات عـدة، وفقـا للهـدف الأول مـن الأهـداف الانمائيـة للألفية التـي حددتهـا الامم المتحـدة وهـو: “القضـاء علـى الفقـر المدقـع والجـوع. وتقتـرن محاربـة الجـوع فـي حقيقـة الامر بزيـادة وفـرة القمـح، إذ يتمحـور النظـام الغذائـي حولـه حيث يمثـل قرابـة ثلـث الأغذيـة المتاحـة مجتمعـة ممـا يجعلـه مرتبطـا بالاسـتقرار السياسـي. ويلخـص القول المشهور هـذه الأهميـة للقمـح حيـن يشـير إلـى انـه: “بالخبـز والملـح نتحـد”. ومـن هنـا فإنـه لا مفـر مـن أن يحتـل القمـح موقـع الصـدارة علـى أي جـدول أعمـال سياسـي.

القمح = نعمة الخبز

فمن المؤكد للقمـح أهميـة ثقافيـة بـارزة فـي المنطقـة نتيجـة لمكانتـه المحوريـة. ولـم تـأت تسـمية الخبـز المصنـوع مـن دقيـق القمـح “عيشـا” مـن قبيـل المصادفـة، حيـث تتـرادف مـع “العيـش” أي الحيـاة. وهـو رمز لجميـع الهبـات التـي منحهـا اللـه لبنـي البشـر ولذلـك يحظــى بالاحتــرام كنعمــة تحظــر العــادات والتقاليــد إلقاءهــا علــى الأرض أو وطأهــا بالقــدم، وفــي حــال حــدث ذلــك يســارع الشـخص بطلـب المغفـرة مـن اللـه عـن فعلتـه تلـك.

ويخضع إنتاج القمح إلى العديد من الاتفاقيات والبورصات العالمية بشكل منظم، ويدير تجارة الحبوب في العالم (المجلس العالمي للحبوب) التي تقدم منظوراً جيداً لما يمكن أن تكون عليه الفرص والتحديات الرئيسية لعام 2020 في سوق الحبوب.

ومن الاتفاقات والمعاهدات المهمة التي تنظم حركة تجارة القمح والحبوب بشكل عام والتي تحقق الأمن الغذائي نذكر :

  • معاهدة العون الغذائية الاولى سنة 1967.

  • معاهدة تأمين الغذاء الدولية سنة 1999.

  • معاهدة تأمين العون الغذائي وتطوير

   الزراعة في الدول المحتاجة والفقيرة.

فقد ورد للمـرة الاولى مفهوم الأمن الغـذائي كمفهـوم وصفـي في مجـال سياسـات الأغذيـة في منتصـف السـبعينيات. وقـد تطور المفهوم وتوسـع بعـد أن كان يقتصر على الامـدادات الغذائية على المسـتوى الوطني.

وأخذ مفهوم الأمن الغـذائي يتداول في أهم اروقة تجارة الحبوب في العالم خصوصاً المضامين التـي تم طرحهـا في مؤتمـر القمة العالمـي حول الأمن الغذائي في عـام 1996 نـص على أن الركائـز الاربع للأمن الغذائي هـي توافر الغذاء وإمـكان الحصـول عليـه والاسـتفادة منـه واسـتقرار الامـدادات منـه، وسنتناول الأبعاد الاربعة للأمن الغذائي وبشكل مفصل.

إن مناقشـة العلاقة بين التجارة والأمن الغذائي، مهمـة جداً للسوق الحاليـة، غير أن فهـم كيفيـة تطـور الأسـواق وآفاقهـا المسـتقبلية مهـم أيضـاً لتحديد أكثر مسائل النقاش أهمية.

ويمثل الاكتفاء الذاتي الركن الأهم في الأمن الغذائي، إذ يتم توفير حاجة المواطنين من المواد الغذائية عن طريق الإنتاج المحلي، وكلما زادت نسبة الاكتفاء كلما ارتفعت نسبة مساهمة الإنتاج المحلي في توفير الغذاء.

وتأتي أهمية الموضوع من أهمية التدخل الحكومي من خلال السياسة الزراعية في رسم خطط سليمة للوصول إلى مستويات مرتفعة من الاكتفاء الذاتي من سلع الغذاء الأساسية، حيث تتحمل سواءً من خلال الانتاج أو الاستيراد أو المخزون الاستراتيجي، أهمها محاصيل الحبوب (القمح والرز).

والجدير بالانتباه ان مفهوم الأمن الغذائي لم يعد يقتصر على مجرد تحقيق الاكتفاء الذاتي مضمون سياسي، بل أصبح مضموناً اجتماعياً يهدف إلى الكفاية الغذائية الصحية لكل أفراد المجتمع.

وفيما يخص العراق يعتبــر تأميــن توافــر القمــح فــي الوقــت الراهــن قضيــة ذات أهميـة بالغـة لـكل مـن الأمن الغذائـي والاسـتقرار السياسـي حالياً وفـي المسـتقبل، حيث يشــكل القمــح مــا يزيــد علــى ثلــث اســتهلاك الســكان مــن الســعرات الحراريــة والبروتينــات، وقــد تصــل النســبة إلــى 50% فــي بعــض البلــدان، وحسب الجهاز المركزي للإحصاء فإن “المساحة المزروعة لمحصول القمح فقط حسب طريقة الري بالغمر لعام 2019 بلغت نحو 6.331 ملايين دونم وكانت كمية الإنتاج 4.343 ملايين طن، في حين بلغت كمية المحصول حسب المناطق المطرية 947.047 ألف طن”.

حيث تعد محاصيل الحبوب من المحاصيل الغذائية المهمة ذات العلاقة الوثيقة بالأمن الغذائي، وأن زراعة الحبوب تنتشر في معظم مناطق العراق، وتختلف زراعتها من منطقة إلى أخرى تبعاً للظروف البيئية والمناخية.

وفي هذا الصدد، يشار إلى أن موازنة وزارة الزراعة بلغت نحو 426 مليون دولار في عام 2015. وبحلول عام 2019، تراجعت هذه الموازنة إلى 142 مليون دولار، وباتت تغطّي بصورة أساسية رواتب الموظفين فقط، ما يجعل الوزارة عاجزة عن معالجة انعدام الأمن الغذائي والاستجابة لأي صدمات في أسعار المواد الغذائية.

انعدام الامن الغذائي وتأثيراته

وعند الخوض في تأثيرات انخفاض أو انعدام الأمن الغذائي على الواقع العراقي، نجد أن لكل انخفاض بنسبة 1 في المائة في الدخل، تزيد مؤشرات انعدام الأمن الغذائي للأطفال دون سن الخامسة على النحو التالي: معدل الوفيات بنسبة 0.51 في المائة، وانتشار نقص الوزن (الوزن بالنسبة إلى العمر) بنسبة 0.24 في المائة، وانتشار الهزال (الوزن بالنسبة إلى الطول) 0.42 في المائة، وانتشار التقُّزم بنسبة 0.42 في المائة. وعند قياس أثر النزاع على انعدام الأمن الغذائي باستخدام المجموع الكلي لنقاط النزاعات المسلحة من قاعدة بيانات الأحداث الرئيسية للعنف السياسي، يتضح أن كل زيادة بمقدار وحدة واحدة في مجموع نقاط النزاعات المسلحة يقابلها ارتفاع في مؤشرات انعدام الأمن الغذائي على النحو التالي: معدل الوفيات بنسبة 3.6 في المائة، انتشار نقص الوزن بنسبة 2.8 في المائة، انتشار الهزال بنسبة 2.1 في المائة، انتشار التقُّزم بنسبة 1.2 في المائة. وترتبط مؤشرات قياس الجسم هذه بمؤشرات نقص المغذيات الدقيقة المختلفة، مثل معدلات انتشار الإصابة بفقر الدم ونقص اليود ونقص الفيتامين “ألف”.

حيث أشارت آخر تقديرات منظمة الأغذية والزراعة أن العراق هو البلد الوحيد الذي يعاني من ارتفاع عمق العجز الغذائي الذي يصل إلى 185 سعرة حرارية/فرد/يوم، ما يعني أنه ينبغي زيادة متوسط السعرات الحرارية المتوفرة بنسبة 2.7 في المائة لمساعدة الذين يعانون من نقص التغذية من حالتهم وهذا يماثل ما عليه اليمن والسودان.

اذ يتبين بأن الانتاج اللازم لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحصول يتزايد من 137.5 مليون طن عام 2010 ليصل الى نحو 539.6 مليون طن عام 2020.

ومن هنا يبرز دور الحنطة كمحصول من المحاصيل الإستراتيجية المهمة في القطر ويحتل المرتبة الأولى من بين السلع الاستهلاكية بصفة عامة والسلع الغذائية بصفة خاصة، ويعتبر الخبز المفردة الأولى في غذاء الفرد العراقي وهو المحصول الذي يعتمد عليه في تغذيته اليومية.

التركيز على تجارة الحبوب

ومن كل ما ذكر أعلاه يتضح أن الاتجاه الصحيح الذي ينبغي أن يسلكه العراق لتحقيق أمنه الغذائي يتمحور حول تجارة الحبوب، لأنه يمتلك إمكانات هائلة من موارد أرضية ومياه ولكنها ‏مستثمره بطريقه بدائية، فعلى سبيل المثال لو استخدمنا طرق الزراعة الحديثة ورفعنا مستويات الإنتاجية من الحبوب إلى مستوى الإنتاجية في مصر أو في الدول المتقدمة التي تتراوح بين 5.4 -5.8 طن/هكتار سوف يتحقق فائض من الحبوب ‏لدى العراق يقدر بأكثر من 10.5مليون طن في ضوء المساحة المزروعة سنة 2019 والبالغة 16.9 مليون دونم.

أما لو أخذنا المساحة المروية والمزروعة بالحبوب والتي تقدر بنحو 9.4 مليون دونم فان الفائض عن حاجة العراق من الحبوب سيكون بحدود 4 مليون طن سنويا، وبمعنى آخر إن اعتماد الوسائل الحديثة في الزراعة سترفع الإنتاج الكلي للعراق من الحبوب وتجعله من الدول المصدرة لها، وهذا الأمر يمكن أن ينطبق على معظم السلع الزراعية المنتجة في العراق.

فكلما زادت نسبة مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي، وقلت نسبة العمالة الزراعية من مجموع الأيدي العاملة ارتفعت قيمة الكفاءة الاقتصادية الزراعية، وهذا ما لم يؤشر في الكفاءة الاقتصادية الزراعية في العراق ومن ثم انعكاس ذلك على مجمل اتجاه تجارة الحبوب في العراق في تعزيز الأمن الغذائي وفي تفعيل دورها في التجارة الدولية للحبوب.