تواصل “طريق الشعب” تسليطَ الضوء على الواقع التربوي والتعليمي في المدارس، قُبيل انطلاق العام الدراسي الجديد (2024 ـ 2025)، إذ تسمح مشكلات نقص المناهج الدراسية وقلة أعداد الكوادر التعليمية وتزاحم التلاميذ في قاعات الدراسة، بتسرب الكثير من الطلبة إلى الشارع، ربما بحثا عن لقمة العيش، أو شعورا باللاجدوى.
ويبرر مراقبون امتناع الطلبة عن الذهاب الى المدارس، بحالة الفقر وغياب فرص العمل، حيث لا يتمكن الكثير من الاهالي من تحمل تكاليف الدراسة والنقل لابنائهم، في ظل تلكؤ عمل الجهات المعنية في توفير المستلزمات المدرسية.
تحديات كبيرة
وتحدثت نور سلمان (معلمة) عن أسباب تسرب التلاميذ من المدارس في القرى والأرياف والنواحي، قائلة: إن “قلة المدارس في تلك المناطق تُجبر الطلبة على قطع مسافات طويلة سيرا على الأقدام أو استخدام المركبات، ما يضيف عبئاً مالياً على أسرهم”. وقالت سلمان، إنّ “الأطفال يواجهون تحديات كبيرة خلال فصل الشتاء؛ حيث هناك صعوبة في الوصول إلى المدرسة التي قد تكون صفوفها غارقة بالمياه، وبلا رحلات، ونوافذها من دون زجاج”.
مكاسب مالية
وأضافت سلمان في حديث مع “طريق الشعب”، أن “العديد من المدارس غير ملائمة لتكون بيئة تعليمية، مثل المدارس الكرفانية والطينية، التي وعدت وزارة التربية بإنهاء ملفها”، مؤكدة أن “هذه العوامل تعيق الطلبة عن متابعة تعليمهم”.
وشددت على ضرورة تطبيق القوانين التي تضمن إلزامية التعليم وحق التعليم المجاني للجميع.
تدمير النظام التعليمي
يقول أحمد كاظم (مشرف تربوي)، أنه “كان هناك توقع بأن يشهد القطاع التربوي والتعليمي ازدهارا وتقدما بعد العام 2003، لكن مع الأسف، تم تدمير النظام التعليمي بشكل ممنهج، بهدف خلق جيل متخلف وجاهل”.
ويضيف كاظم، أن “الحكومات المتعاقبة بعد غزو العراق كانت تدعي محاولة إعادة التعليم إلى سابق عهده في السبعينيات، حيث كانت العراق يتصدر دول الشرق الأوسط والخليج في هذا المجال، لكن، للأسف، ما جرى خلف الكواليس كان عكس ذلك تماما”.
ويؤكد كاظم لـ “طريق الشعب”، أن “الجهود الفعلية أدت إلى تفاقم الأمية وزيادة عدد المتسربين من مقاعد الدراسة، حيث تجاوز عددهم المليون طفل. والأسباب الرئيسة لذلك تعود إلى الوضع الاقتصادي المتردي، إلى جانب السياسات التعليمية الخاطئة”.
ويوضح، أنّ “جميع وزراء التربية الذين تولوا المنصب بعد 2003 ركزوا على تحقيق مكاسب مالية شخصية على حساب مصلحة أبناء الوطن، ما أدى إلى خلق فجوة بين المدارس الحكومية والأهلية، وفرض مناهج تعليمية صعبة دون تحسين مهارات المعلمين أو تدريبهم على مواكبة التطورات في البلدان الأخرى”.
ويشير إلى “تهديم البنى التحتية للمدارس، وعدم توفير الكتب الدراسية واللوازم المدرسية الأساسية، ما زاد من الأعباء المالية على كاهل الأسر العراقية. كما أن نقص الكوادر التعليمية في القرى والمناطق النائية وأطراف المدن زاد من تفاقم المشكلة، وأدى إلى تعطيل العملية التعليمية في هذه المناطق”.
ماذا تفعل الحكومة؟
يقول الناشط في مجال التعليم علي حاكم، إن “السبب الرئيس وراء تسرب الطلاب من المدارس يعود بشكل أساسي إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها العديد من العوائل في العراق”.
ويضيف حاكم، أن “ضعف الوضع الاقتصادي والمعيشي يجعل العائلات لا تبالي لإرسال أبنائها إلى المدارس، ما يؤدي إلى تسرب الكثير من الطلبة والتلاميذ. بعض العوائل تضطر إلى إخراج أبنائها من قطاع التعليم، وإشراكهم في قطاع العمل للمساعدة في تلبية احتياجات الأسرة. بينما لا يتمكن آخرون من تحمل تكاليف الدراسة، ويكون خياره ترك الدراسة أيضا”.
وفي ما يتعلق بالإجراءات الحكومية لمعالجة هذه الظاهرة، أشار حاكم خلال حديثه مع “طريق الشعب”، إلى أن “الحكومة لا تتخذ حاليًا خطوات فعالة للحد من تسرب الطلاب من المدارس. على سبيل المثال، تمكنت دول مثل قطر وعمان وماليزيا من معالجة هذه المشكلة بشكل جذري، حيث انخفضت نسب التسرب الدراسي إلى 2 في المائة في قطر ثم اختفت تمامًا، بينما وصلت إلى صفر في المائة في عمان وماليزيا بفضل التدخلات الحكومية المناسبة”.
وأضاف، أنه “في العراق، ورغم النصوص القانونية التي تفرض إلزامية التعليم في المرحلة الابتدائية، إلا أن هذه النصوص لا يتم تطبيقها بفعالية. والسؤال المطروح هنا: ما هي الإجراءات التي تتخذها الحكومة تجاه من لا يلتزمون بإلزامية التعليم؟ للأسف، لا يوجد إجراءات واضحة ومحددة بهذا الشأن، ما يجعل المشكلة تتفاقم”.
ولفت حاكم إلى جانب آخر من المشكلة، وهو التسرب الناجم عن عدم رغبة الطفل في الالتحاق بالمدرسة. وقال: “نعم، هناك بعض الأطفال الذين يرغبون نفسيًا في ترك المدرسة، وذلك لأن البيئة المدرسية لم تعد جذابة لهم. المدرسة لم تعد المكان الذي يشعر فيه الطالب بالراحة والرغبة في التعلم، بل أصبحت بيئة ينفر منها الكثير من الطلاب. ونتيجة لذلك، نرى انتشار ظاهرة التسرب المدرسي”.
وأوضح حاكم وجود نوعين من التسرّب المدرسي: “الأول هو التسرب التام، حيث يتوقف الطالب عن الذهاب إلى المدرسة تمامًا ويبدأ بالعمل أو البقاء في المنزل. والثاني هو التسرب الجزئي، حيث يذهب الطالب إلى المدرسة ولكن لا يلتزم بالدوام الكامل. يمكن أن نلاحظ هذا النوع من التسرب في فترات الدوام، عندما نجد الطلاب يقضون أوقاتهم في أماكن مثل قاعات الألعاب أو المقاهي بدلًا من حضور حصصهم الدراسية”.
واختتم حاكم الحديث بالتأكيد على ضرورة إعادة صياغة مفهوم المدرسة لدى الأطفال، قائلاً: “يجب أن نعيد بناء مفهوم المدرسة في أذهان الأطفال على أنها مكان ممتع ومفيد، حيث يمكنهم التعلم والاستمتاع في نفس الوقت. إذا نجحنا في تحقيق ذلك، أعتقد أننا سنتمكن في يوم ما من القضاء على ظاهرة التسرب المدرسي بشكل كامل”.