اخر الاخبار

يواجه العراق تحدياً بيئياً خطيراً نتيجة لتفاقم حجم النفايات، والذي يقدر بنحو 20 مليون طن يومياً، بما في ذلك 9 آلاف طن ترفعها أمانة بغداد وحدها كل يوم.

وعلى الرغم من أن هذه الكميات تمثل عبئاً كبيراً على البيئة والمجتمع، فإنها توفر في الوقت ذاته فرصة جيدة للاستثمار في إعادة التدوير، إذ يمكن تحويلها إلى مواد قابلة للاستعمال مرة أخرى مثل المعادن والبلاستيك والزجاج، وبما يسهم في الحد من التلوث البيئي وتوفير فرص عمل للعاطلين.

وتشير الإحصاءات إلى أنّ هناك موادَ متنوعة قابلة لإعادة التدوير في العراق، بما في ذلك المعادن والورق والزجاج والبلاستيك، وحتى النفايات الإلكترونية.

ويلاحظ استمرار استعمال الطرق التقليدية في التخلص من النفايات، مثل الطمر العشوائي والحرق، ما يزيد من تفاقم الوضع البيئي؛ حيث يؤدي حرق النفايات في المدن إلى تصاعد الأبخرة السامة، ما يسبب مشكلات صحية للسكان. كما أن طمر النفايات الصلبة والمخلفات الطبية، والذي يقدر بحوالي 30 ألف طن يوميًا في بغداد وحدها، يزيد من معدلات التلوث ويعرض المواطنين لأمراض متعددة. وتظهر أرقام وزارة التخطيط أن إجمالي النفايات التي تم رفعها في العراق خلال عام 2023 بلغت 11 مليون طن، بمعدل إنتاج 1.5 كغم من المخلفات يوميًا لكل فرد. هذه البيانات تبرز الحاجة إلى اتخاذ خطوات جادة لتفعيل مشاريع إعادة التدوير وتقليل الأضرار البيئية والصحية الناتجة عن النفايات.

تلوث بيئي!

يقول الخبير البيئي تحسين الموسوي، أن العراق يتصدر المشهد العالمي في تلوث المياه والهواء، ما يشكل تهديدًا مباشرًا على صحة الإنسان والتنوع الأحيائي.

ويضيف لـ “طريق الشعب”، أن “العراق يطرح يوميًا ما يقارب خمسة ملايين متر مكعب من مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى الأنهار، ما يفاقم مشكلة التلوث المائي ويؤثر بشكل كبير على الاستخدام البشري. هذا النوع من التلوث لا يقتصر تأثيره على الإنسان فقط، بل يمتد ليشمل التنوع الإحيائي في البلاد، حيث يتسبب باضطرابات كبيرة في الأنظمة البيئية”.

من بين المخاطر الكبرى التي أشار إليها الموسوي هي” نفايات المستشفيات والمختبرات، ورغم وجود آليات معينة للتعامل مع النفايات الطبية داخل المستشفيات، فإن المختبرات الخارجية تعد مصدرًا رئيسيًا للخطر. حيث تُلقى العينات البيولوجية، التي قد تحتوي على أمراض خطيرة، في سلات النفايات العامة دون اتباع أي إجراءات آمنة”. ويعقب الموسوي قائلاً: “تنتقل هذه العينات عبر عمال النظافة إلى مكبات غير صحية، ما يزيد من احتمالية انتقال العدوى عبر الهواء أو الحيوانات”.

الملوثات في كل مكان

ويشير الخبير البيئي إلى مشكلة أخرى تؤثر على جودة الهواء في العراق، وهي الغازات السامة المنبعثة من نحو أربعة ملايين سيارة في العاصمة بغداد وحدها، إضافة إلى الغازات الناتجة عن المولدات الكهربائية. هذه الملوثات تزيد من خطورة الوضع البيئي وتؤدي إلى تأثيرات صحية خطيرة على السكان.

وعلى الرغم من وجود حلول تكنولوجية للتخفيف من حدة التلوث البيئي، مثل استخدام الطاقة الشمسية، إلا أن الموسوي يؤكد أن هذه الحلول لا تُطبق على نطاق واسع. ويعزو السبب إلى ضعف تنفيذ البرامج الحكومية والبحثية التي تهدف إلى تحسين الوضع البيئي. يقول الموسوي: “المشكلة ليست في غياب الحلول، بل في غياب تطبيقها بشكل فعّال”.

ويشدد على أن النفايات التي يتم نقلها إلى مناطق الطمر الصحي لا تخضع لأي شروط أو معايير بيئية. ويضيف أن النفايات تتطلب أحيانًا عمليات معقدة للتخلص منها، مثل الحرق أو الدفن الآمن باستخدام معادلات كيميائية معينة، لكن للأسف هذه العمليات غير مطبقة في العراق، مما يزيد من انتشار الأمراض.

ويصف الموسوي مراحل التلوث البيئي بأنها تبدأ من مستوى منخفض، حيث يمكن السيطرة عليها كما هو الحال في معظم الدول. إلا أن العراق تجاوز هذه المرحلة إلى مرحلة الخطر، ما يهدد بفقدان النظام البيئي لتوازنه بالكامل، ويصبح من الصعب إصلاح الأضرار.

من بين الآثار السلبية للتلوث البيئي التي تحدث عنها الموسوي، يأتي التصحر والجفاف كأهم النتائج المباشرة. إذ يؤثر التلوث بشكل مباشر على الأراضي الزراعية والمياه، ما يؤدي إلى فقدان الخصوبة وتصاعد مشكلات الجفاف.

في ختام حديثه، يدعو تحسين الموسوي وسائل الإعلام إلى تسليط الضوء على هذه القضايا البيئية الحاسمة، مطالبًا باتخاذ إجراءات عاجلة من الجهات المختصة، وخاصة وزارة الصحة، لضمان التعامل الصحيح مع النفايات الطبية وتطبيق الحلول البيئية المتاحة

يذكر أن هناك العديد من مشاريع إنشاء معامل لإعادة تدوير النفايات وتحويلها إلى مواد صالحة للاستخدام، مثل الأسمدة أو فرز المواد الصلبة فيها، قد طرحت خلال الأعوام الماضية، لكن في العام 2014 وبسبب الأزمة المالية والحرب على تنظيم داعش توقفت أغلبها، ما دفع أمانة بغداد إلى طمرها بالطرق التقليدية.

كل عراقي يخلف 1.5 كغم يوميا

نجوان علي، عضو في فريق بيئي محلي، تقول لـ”طريق الشعب”، أن “معدل المخلفات اليومي المتولّد من الفرد العراقي يصل إلى 1.5 كغم، وهو رقم يتجاوز المعدلات المسجلة في العديد من الدول الأخرى”، وتوضح أن “هذه الكمية الكبيرة من النفايات تزيد من الضغط على البيئة، وهذا يؤشر غياب الأنظمة الفعّالة لإدارة النفايات، إضافة إلى ضعف البنية التحتية الخاصة بمعالجة النفايات وإعادة تدويرها”.

النفايات المتراكمة لا تشكل فقط مشكلة بيئية بل تتسبب أيضًا في مخاطر صحية جسيمة. إذ تقول نجوان أن “النفايات غير المعالجة تؤثر سلباً على التربة، المياه، والهواء، ما يسهم في زيادة تلوث البيئة وتفاقم انتشار الأمراض. وأن تراكم النفايات في مساحات واسعة من المحافظات العراقية يدفع السكان إلى حرقها للتخلص منها ومن الروائح الكريهة المنبعثة منها، ما يؤدي إلى تصاعد الأبخرة السامة التي تسبب حالات اختناق بين المواطنين في تلك المناطق”.

ودعت الى “تبني استراتيجيات جديدة لإدارة النفايات تشمل تعزيز الوعي البيئي لدى المواطنين، تحسين البنية التحتية لمعالجة المخلفات، وتفعيل برامج لإعادة التدوير”.

ورغم أن العراق يعاني بالفعل من تلوث بيئي ناجم عن المخلفات الناتجة عن الحروب والنفايات المنتشرة في المدن والقرى على حد سواء، إلا أن تحسين أنظمة إدارة النفايات يعتبر خطوة ضرورية لتقليل هذه التهديدات البيئية وضمان بيئة أكثر صحة واستدامة للأجيال القادمة.

فرصة اقتصادية

وفي هذا السياق، أكد رئيس منظمة هسار البيئية، كشبين علي، أن “معالجة أزمة النفايات في العراق تتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك المواطنون، الهيئات الحكومية، والمجتمع المدني”.

ودعا علي إلى تحسين نظم جمع النفايات وتوعية الجمهور حول كيفية تقليل استهلاك المواد والحد من إنتاج كميات كبيرة من المخلفات، مشيراً إلى أن ذلك يمكن أن يسهم بشكل كبير في تحسين الوضع البيئي في العراق.

وأضاف علي لـ “طريق الشعب”، أن العراق يواجه تحديات كبيرة في التعامل مع كميات النفايات المتنوعة التي ينتجها، لافتاً إلى أن إدارة النفايات أصبحت عقبة أمام تحسين البيئة. ورغم ذلك، يرى علي أن النفايات على المستوى العالمي يمكن أن تمثل فرصة اقتصادية وبيئية هائلة إذا تم التعامل معها بطريقة صحيحة.

كما أشار إلى أن النفايات تبدو مشكلة تتطلب الحذر في التعامل معها، لكن عند النظر إليها من زاوية أخرى، يمكن تحويلها إلى موارد قيّمة. وتحدث عن تأثيرات تراكم النفايات غير المعالجة، موضحاً أنها تلوث الهواء والمياه وتسهم في انتشار الأمراض. ولفت إلى النفايات البلاستيكية كمثال، مشيرًا إلى أنها تحتاج إلى مئات السنين للتحلل وتؤثر سلباً على الحياة البرية والنظام البيئي.

وأوضح علي، أن حرق النفايات يؤدي إلى انبعاث غازات سامة تزيد من تلوث الهواء وتفاقم مشكلة الاحتباس الحراري.

عرض مقالات: