تشهد مدينة “أم الربيعين” توسعًا عمرانيًا عشوائيًا يلتهم مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، حيث أخذ الغطاء النباتي يتقلص بشكل ملحوظ، وانعكس ذلك سلبًا على درجات الحرارة في المدينة التي لطالما اشتهرت بطقسها المعدل والجميل.
رئة الموصل تفقد أشجارها
الجمعيات السكنية استغلت آلاف الدونمات الزراعية والمزارع، وحولتها إلى قطع أراضٍ بيعت للمواطنين وتحولت إلى وحدات سكنية عشوائية. وحتى غابات الموصل، التي تمتد على مساحة تزيد على 800 دونم في الجانب الأيسر من المدينة، كانت تعد رئة المدينة، إلا أن عدد الأشجار فيها انخفض بشكل كبير بسبب الحروب وقطع الأشجار والتجاوزات العشوائية.
وأشّر عضو مجلس محافظة نينوى، احمد الكيكي، وجود تلاعب وتجاوزات في قضايا الأراضي داخل المحافظة، موضحا أن “أحد أعضاء المجلس قام بترويج معاملات تتعلق بأراضٍ سكنية لكن أصلها زراعية.
وقال أن “هذا النوع من الترويج يبدو وكأنه خدمة للمواطنين، ولكنه في الواقع يدعم التجاوزات على البلدية، ويسعى لجعلها أمراً واقعاً”.
وأضاف، أن “هذه التجاوزات يتم التعامل معها وكأنها حق مكتسب، ما يشجع الناس على تجاوز القوانين”.
وتابع بالقول، أن “الحل يجب أن يكون من خلال اتخاذ قرارات عامة وشاملة، بدلاً من التساهل مع التجاوزات وتشجيعها بطريقة غير مباشرة”.
وأعرب الكيكي عن مخاوفه من أن تتحول التجاوزات إلى أمر واقع، ما يفتح الباب أمام المزيد من الفوضى والتلاعب بالأراضي العامة والخاصة، في ظل غياب القرارات الصارمة التي تنظم هذه العملية بشكل عادل للجميع.
المدينة تختنق بالبناء
وتحدث الناشط السياسي بندر العكيدي، من محافظة الموصل عن تحول الأراضي الزراعية في مدينة الموصل، إلى أراضٍ سكنية، قائلا: أن “هذه الأراضي، التي كانت في السابق عبارة عن بساتين وحقول زراعية خاصة بزراعة الخضراوات، قد تم استغلالها من قبل أطراف محلية وحولتها إلى تجمعات سكنية”.
وأعرب العكيدي في حديثه لـ “طريق الشعب”، عن قلقه بشأن هذه التحولات التي أصبحت أكثر شيوعًا مع مرور الوقت، ما أدى إلى اختناق المدينة نتيجة البحث المستمر عن أماكن للبناء، فيما أشار إلى أن “هناك قرارًا يقضي بتحويل الأراضي الزراعية داخل المدن وحول أطرافها إلى أراضٍ بشهادة ملكية، ما أدى إلى زيادة العشوائيات، حيث استثمرت تلك الاطراف هذه الأراضي دون تخطيط صحيح، ما سمح بظهور تجمعات سكنية غير منظمة”.
وعن غابات الموصل، ذكر العكيدي أن “هذه المناطق لم تشهد استثمارًا حقيقيًا على الرغم من تعرضها لحرائق”، مشير الى ان “البلدية ومنظمات المجتمع المدني تسعى لإعادة تشجير تلك الغابات، وأن هناك خطة كبيرة سيتم إطلاقها قريبًا لتشجير الغابات من جديد”.
الغابات.. من ينقذها؟
أنس محمد، مهندس زراعي وصاحب حملة لزراعة الأشجار في الموصل، أكد تعرض غابات المدينة لخسائر كبيرة خلال السنوات الأخيرة، إذ فقدت قرابة 40 في المائة من أشجارها. وفي إطار الجهود المبذولة لاستعادة الغطاء النباتي، أطلقت حملات لزراعة فسائل جديدة بهدف إعادة الكثافة إلى تلك الغابات المتضررة، بالتعاون مع بلدية الموصل.
وقال محمد لـ “طريق الشعب”، أن “الأضرار التي لحقت بالغابات لم تكن مقتصرة على فترة سيطرة تنظيم داعش، بل استمرت التحديات في مرحلة ما بعد التحرير.
الحرائق التي شهدتها الغابات في الأعوام 2020 و2021 أثارت العديد من الشكوك حول أسبابها. وكان العام 2022 هو الأكثر تدميرًا، حيث التهمت النيران ما يقارب 50 إلى 60 دونمًا من الأراضي، وفقاً لبيانات مديرية الدفاع المدني، وتحولت مئات أشجار اليوكالبتوس إلى رماد”.
وشدد على أهمية المحافظة على المساحات الخضراء في الموصل، مع تكثيف الجهود لزرع المزيد من الأشجار، من أجل الحفاظ على التوازن البيئي في “أم الربيعين”.