تعتبر قضية الزواج خارج المحاكم في العراق من القضايا الشائكة التي تمس حقوق المرأة والأطفال بشكل مباشر. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لحماية هذه الحقوق، إلا أن هناك تزايدا في حالات الزواج المبكر. وتصاعد الجدل في الآونة الأخيرة مع محاولات البرلمان الحالي تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، وهي محاولات تهدف إلى إضفاء الشرعية على بعض جوانب زواج القاصرات تحت غطاء الشرع.
ويعد هذا القانون من أكثر التشريعات التي حافظت على حقوق المرأة في العراق، حيث يمنع تزويج القاصرات دون موافقة القضاء، كما أنه يحافظ على حقوق الزوجين. إلا أن محاولات تعديله تهدف للسماح بتزويج الفتيات القاصرات، وما يرتبط بهذه ال ما يزيد من ظاهرة الزواج المبكر خارج المحكمة.
الأسباب!
يؤكد المحامي مصطفى البياتي، أن "الحديث عن الزواج خارج المحاكم لا يمكن فصله عن قضية الزواج المبكر، حيث يواجه القضاة في العديد من الأحيان واقعاً مأساوياً يتمثل في الفتيات اللواتي يأتين إلى المحكمة حوامل، ما يجبرن على تصديق عقود زواجهن خارج نطاق القانون".
ويقول البياتي خلال حديثه لـ "طريق الشعب"، إنّ الرجل يجب أن يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها وفقاً لمعتقداته. لكن، كما يوضح، فإن هذه النظرة غالباً ما تؤدي إلى نتائج سلبية، وهو ما يتجلى في القضايا التي تشغل أروقة المحاكم بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج في مرحلة الطفولة تكون عادة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الأحيان يمكن أن تُعتبر هذه العلاقة بمثابة اغتصاب.
ويضيف البياتي، أن "هناك عوامل اقتصادية تلعب دوراً في تفاقم هذه الظاهرة، حيث تلجأ بعض الأسر إلى تزويج بناتهم في سن مبكرة لأسباب مالية أو لتخفيف الأعباء الاقتصادية".
ارتفاع نسب الطلاق في العراق
ويتحدث البياتي عن ارتفاع ملحوظ في نسب الطلاق في المحاكم العراقية، لافتاً إلى أن "العديد من حالات الطلاق ترتبط بالزواج المبكر، وتدخل الأهل في هذه العلاقات، خاصة بسبب صغر أعمار الطرفين، ما يؤثر بشكل كبير على استقرار العلاقة الزوجية".
ويبين، ان "العديد من الأطفال لا يستطيعون الالتحاق بالمدرسة لأنهم لا يملكون هوية الأحوال الشخصية التي لا تصدر إلا بعد تصديق عقد الزواج الخارجي".
وتروي إحدى الأمهات التي فضلت عدم الكشف عن هويتها، كيف تزوجت بعمر صغير، دون أن تدرك تماماً ما تعنيه المسؤولية الزوجية أو تبعاتها. وتقول الأم: إنها لم تتلقَّ الرعاية الصحية اللازمة خلال فترة حملها، حيث كانت حياتها الزوجية القصيرة مليئة بالصعوبات.
وتضيف الأم لـ "طريق الشعب"، :"لم أكن مستعدة للزواج بهذا العمر. لم أفهم كيف أدير حياتي الزوجية أو أعتني بنفسي. خلال حملي، لم أحصل على رعاية صحية كافية، وكان زوجي كثير الانشغال، ولم يهتم بتوفير الدعم لي".
وترجع المتحدثة سبب زواجها بعمر صغير الى اقناع أهلها بذلك، بسبب سوء حالتهم المادية.
وبعد ولادة ابنتها، تفاقمت الخلافات بينها وبين زوجها. تقول الأم: "وصلت الأمور إلى نقطة حيث اراد زوجي تطليقي، لكنه رفض تسجيل ابنتنا قبل الطلاق". وهذا ما جعلها بدون أية وثائق رسمية، حتى الان.
وتضيف، "عدت الى عائلتي مع ابنتي، وهذا زاد من سوء الوضع خاصة أني متأخرة في الدراسة. أحاول الان السعي بكل الوسائل الى تسجيل ابنتي لأتمكن من منحها فرصة التعليم، وان احرص على ان لا تعيد تكرار ما حدث معي".
وأكدت "أهمية أن يكون الزواج داخل المحاكم، وعلى النساء عدم القبول بهكذا زواج دون إشهار، ويكون مصدقاً لدى المحاكم، لضمان حقوقهم وحقوق أولادهم".
ضياع للحقوق!
وتسلط رئيسة إحدى منظمات المجتمع المدني، الهام قدوري، الضوء على مشكلة الزواج خارج المحكمة، وخصوصًا في حالة زواج القاصرات.
تقول قدوري أن "العديد من الآباء يلجؤون إلى إتمام الزواج خارج نطاق المحكمة تهربًا من المساءلة القانونية"، مشيرة الى العواقب السلبية لهذه الممارسات على المجتمع.
وتضيف قدوري لـ "طريق الشعب"، أن المرأة تفقد حقوقها عندما يتم الزواج خارج المحكمة، حيث لا توجد لديها آلية قانونية واضحة لتثبيت الزواج أو حقوقها الناجمة عنه، موضحة أن الزواج في المحكمة هو السبيل الوحيد لضمان حقوق المرأة وإثبات وجودها القانوني، وأن توثيق الزواج بعد إتمامه خارج المحكمة قد يكون خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن من الضروري أن يتم الزواج نفسه داخل المحكمة منذ البداية.
وفي ما يتعلق بتشريع القوانين، دعت إلى وضع قوانين تحمي حقوق المرأة، معتبرة أن المرأة هي الطرف الأضعف في مثل هذه الحالات. لذلك، يجب أن تصب التشريعات المتعلقة بالزواج في صالح المرأة، وتُلزم أن يكون الزواج حصريًا داخل المحكمة لضمان حصول المرأة على كامل حقوقه.
وأدرجت إلهام قدوري أمثلة كثيرة عن حالات الزواج خارج المحكمة، مشيرة إلى أن "هذه الظاهرة تبرز بشكل خاص في زيجات القاصرات، حيث يتم الاتفاق بين أهل الفتاة وأهل الزوج على عقد الزواج خارج المحكمة"، محذرة من ان "هكذا نوع من الزواج لا يضمن للمتزوجة حقوقها.
تداعيات الزواج خارج المحكمة!
حقي كريم هادي، رئيس جمعية حماية وتطوير الأسرة العراقية، تطرق بشكل مفصل إلى الأسباب السلبية للزواج خارج المحكمة أو عبر المكاتب الشرعية القريبة من المحاكم.
وقال هادي لـ "طريق الشعب"، أن "هناك العديد من الدوافع التي تؤدي إلى ذلك، منها القضايا الجنائية أو الاجتماعية التي قد تمنع الزوج من التوجه للمحكمة، أو أن يكون الزوجان صغيرين في السن".
وأشار إلى أن "بعض العائلات تلجأ إلى هذا النوع من الزواج بسبب الإرث، حيث يقوم العم بتزويج الفتاة لابن أخيه بهدف الاستحواذ على إرثها، ما يُفاقم المشاكل الاسرية"، مبينا أن "الشباب والشابات الذين تربطهم علاقات خارجية أو الرجال الذين يرغبون في إخفاء زواجهم الثاني أو الثالث تحت مسمى “زواج السيد” يسهمون أيضًا في تعقيد الوضع، حيث يبقى هذا الزواج سريًا دون علم الزوجة الأولى، ما يزيد من التحديات الاجتماعية".
وأشار إلى أن "الزواج خارج المحكمة يؤدي إلى ضياع حقوق المرأة، مثل النفقة والإرث والحضانة، فضلًا عن ضياع حقوق الأطفال، الذين قد يواجهون صعوبات في الحصول على وثائق رسمية مستقبلًا. كما أن هؤلاء الأطفال قد يتسربون من المدارس، ما يؤثر على مستقبلهم وفرصهم في العمل".
وأكد، أن "المرأة التي تتزوج خارج المحكمة تبقى مُسجلة في الأوراق الرسمية على أنها غير متزوجة، ما يخلق مشاكل اجتماعية كبيرة"، محذرا من أن استمرار هذه الممارسات قد يؤدي إلى تسرب الأطفال من التعليم ويحد من فرصهم المستقبلية في الوظائف الحكومية.
وفي ختام حديثه، شدد هادي على أهمية تطبيق قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، النافذ وخاصة المادة 11 التي تضمن حقوق الزوجة، مؤكدا أن هذا القانون لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، بل يضمن حقوق الزوجين معًا، ويعد الضامن الأساسي لحماية حقوق المرأة والأطفال في المستقبل.