لجأت الحكومة إلى مشاريع المجمعات السكنية أملا في إيجاد حل لمشكلة السكن المزمنة في البلاد، حيث أخذت الناس تتمدد على الأراضي الزراعية في أطراف العاصمة، نتيجة لارتفاع أسعار الوحدات السكنية وغلاء الايجارات في بغداد.
وتتراوح أسعار الإيجارات في معظم مناطق العاصمة بغداد بين 500 الى مليون ونصف المليون في المناطق السكنية المتوسطة، وتتجاوز 2500 دولار في المناطق الراقية.
وتتفرد بغداد بهذه الأسعار التي لا تتجاوز حاجز 500 دولار في غالبية المحافظات تقريبا.
مدن سكنية جديدة!
قال المتحدث باسم وزارة الإعمار والإسكان نبيل الصفار، إن "المدن السكنية من الجيل الأول، تمت إحالتها إلى المطورين والمستثمرين"، موضحا أن "هناك مدينتين في بغداد وهما: الجواهري الواقعة في أبو غريب، وعلي الوردي في النهروان، إضافة إلى مدينة الغزلاني في الموصل ومدينة ضفاف كربلاء في كربلاء ومدينة الجنائن في بابل".
وأضاف الصفار في حديث خص به "طريق الشعب"، أن "اثنتين من تلك المدن في مرحلة تسليم الأراضي إلى المستثمرين وأن هذه المشاريع ستوفر ما يقارب مائتين وعشرين ألف وحدة سكنية كمرحلة أولى".
وأضاف، أن "الجيل الثاني من المدن السكنية سيتم إطلاقه قريبا للاستثمار ويشمل ست محافظات هي النجف، واسط، ذي قار، ميسان، السماوة، وصلاح الدين. ومن المتوقع أن توفر هذه المدن حوالي مائة ألف وحدة سكنية كدفعة أولى مع إمكانية زيادة هذا العدد".
وخمن الصفار، أن انجاز هذه المشاريع من شأنه ضبط اسعار بيع وايجار العقارات السكنية، كونها تسهم في حل أزمة السكن.
وكانت وزارة الإعمار قد قدرت حاجة العراق إلى نحو 3 ملايين وحدة سكنية لتقليل أو معالجة أزمة السكن الخانقة في العراق، ودفعت هذه الأزمة الحكومة الحالية إلى إطلاق القروض لبناء الوحدات السكنية، والتي تصطدم بالكثير من المعوقات من بينها قيمة القرض مقارنة بأسعار العقارات، إضافة الى شروطه التعجيزية.
الاعتماد على القطاع الخاص!
ويربط الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه ارتفاع أسعار العقارات بقلة العرض المتاح في السوق، موضحا أن "نقص الوحدات السكنية، خاصة في بغداد، قاد إلى ارتفاع الأسعار".
ويقول عبد ربه، إن كردستان شهدت انخفاضًا في أسعار العقارات بفضل توفير كمية أكبر من العرض، ما يؤدي إلى تخفيض الأسعار بشكل طبيعي، مردفا "الوضع في بغداد مختلف، حيث يعتمد السوق بشكل كامل على القطاع الخاص في توفير الوحدات السكنية، مع غياب دور فعّال للحكومة في زيادة العرض".
ويضيف عبد ربه لـ "طريق الشعب"، أن "المشاريع السكنية التي تم منحها للمستثمرين لا تغطي سوى نسبة 3-4 في المائة من حاجة السوق"، لذا يشدد على ضرورة إطلاق مشاريع ضخمة لزيادة العرض، الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض الأسعار.
لجنة نيابية تحدد الأسباب
وارجعت لجنة الخدمات والإعمار النيابية، ارتفاع أسعار العقارات في بغداد الى عدم توزيع الحكومات العراقية، الأراضي ضمن حدود بلدية العاصمة لسنوات عديدة، والسبب الثاني يتعلق بزيادة أعداد نفوس أهالي العاصمة، بالإضافة إلى غياب الرؤى الحكومية المستقبلية، حول قطاع المباني السكنية، ووضع خطط استثمارية لاستيعاب زيادة الأعداد السكانية.
وقال عضو اللجنة محما خليل، ان "الهجرة السكانية العكسية من المحافظات إلى العاصمة أدت إلى زيادة عدد نفوس سكان العاصمة".
ويستعرض الباحث الاقتصادي عبد السلام حسن حسين مجموعة من القضايا المتعلقة بارتفاع أسعار العقارات والشقق في العراق، مؤكداً أن "الحكومة والمتنفذين مسؤولون عن هذه الزيادة".
يقول حسين لـ "طريق الشعب"، أن "الحكومة هي المسؤولة عن ارتفاع أسعار العقارات، حيث تدعم المتنفذين والمستثمرين الذين يحصلون على الأراضي بأسعار منخفضة"، مشيرا إلى أن هذه "الأراضي لم تُمنح لمواطنين عاديين أو تجار، بل للأشخاص المتنفذين الذين يستغلونها لمصالحهم الخاصة".
ويؤشر حدوث العديد من حالات السرقة الممنهجة للأراضي، حيث يتم شراؤها بأسعار منخفضة ثم تجري إعادة بيعها بأسعار مرتفعة، ما يجعل الأمر معقدًا بالنسبة للمواطنين الذين يسعون لشراء سكن.
ويتطرق حسين الى اسباب ارتفاع أسعار الشقق، موضحًا أن الأسعار قد تجاوزت الحدود المعقولة، حيث يصل سعر الشقة في بعض المجمعات داخل بغداد، الى قرابة 450 مليون دينار عراقي.
فوضى
يقول علي القيسي، مراقب للشأن السياسي، أن "الحكومة لا تلتزم بأي قانون ينظم آليات الإيجارات وأسعارها، ما يخلق تفاوتًا كبيرًا بين المناطق، مع العلم أن أغلب مناطق العراق، بما فيها الراقية، تعاني من نقص الخدمات الأساسية".
القيسي يضيف في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "المال السياسي هو الذي يحرك ملف الإسكان في العراق"، موضحًا أن السكن يعد حقًا مشروعًا كفله الدستور العراقي في المادة 30 للمواطن العراقي، حيث توجب تلك المادة على الدولة الضمان الاجتماعي والصحي، وتوفير السكن والدخل المناسبين للمواطنين. ومع ذلك، يظل هذا الحق بعيد المنال بالنسبة لغالبية العراقيين الذين يواجهون صعوبات كبيرة في تأمين السكن المناسب في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية الراهنة".
وأضاف القيسي أن "أسعار الأراضي والمنازل في بغداد شهدت في وقت سابق ارتفاعا غير مسبوق، حيث تجاوز سعر المتر الواحد في بعض مناطق العاصمة 13 مليون دينار عراقي، بينما ارتفعت أسعار الإيجارات إلى مستويات "مخيفة".
وأشار القيسي إلى أن "أغلب المجمعات السكنية التي تم بناؤها في بغداد لم يكن الهدف منها توفير سكن للمواطنين، بل تم استغلالها كوسيلة لغسيل الأموال، كما يوجد احتكار واضح للسوق العقاري من قبل المستثمرين، الذين غالبًا ما يكونون من أصحاب السلطة أو يرتبطون بها بشكل مباشر".
وعلى الرغم من أن الحكومة تعلن بين الحين والآخر عن مشاريع إسكانية جديدة، إلا أن القيسي لخص المشهد بوجود "فوضى في الاستثمار العقاري وغياب للحلول الاستراتيجية الحقيقية لمعالجة أزمة السكن في بغداد".