اخر الاخبار

تشهد محافظة الأنبار تحديات بيئية واقتصادية حادة ناتجة عن التغيرات المناخية، ما يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية البيئة وتعزيز الاقتصاد المحلي.  وتعتبر الأنبار من بين أكثر المحافظات تأثراً بالتغير المناخي، إذ تواجه ارتفاعا في درجات الحرارة، وموجات جفاف متكررة، وتدهور التنوع البيولوجي، ما يؤثر بشكل مباشر على قطاعات: الزراعة، الثروة الحيوانية، والموارد المائية.

ويأتي مشروع تبطين نهر الفرات كخطوة لمواجهة التحديات المائية المتزايدة، إلا أنه يثير جدلاً واسعاً بين الخبراء والمسؤولين، حيث تتباين الآراء بين من يعتبره وسيلة لتقليل كميات المياه المفقودة وتعزيز الأمن المائي، ومن يحذّر من تأثيراته السلبية المحتملة على النظام البيئي والتنوع الحيوي.

مشروع التبطين

يقول الخبير في مجال البيئة والمياه والتغيرات المناخية، صميم سلام، الذي يعد واحدا من أبرز المطالبين بتنفيذ مشروع تبطين نهر الفرات: أن هناك تحديات كبيرة تواجه نهر الفرات بسبب التجاوزات المتكررة عليه، والتي تشمل رمي الأنقاض في مجرى النهر وتوسيع الأراضي الزراعية على حساب حوضه وضفتيه.

ويضيف سلام أن "هذه الممارسات تؤدي إلى تلوث المياه وتدني جودتها، بالإضافة إلى عرقلة جريان المياه، ما يؤثر سلبًا على وصولها إلى المدن الأخرى ويؤدي إلى تراكم الرواسب في مجرى النهر".

وللتعامل مع هذه التحديات، يوضح لـ "طريق الشعب"، أنه "تم التنسيق مع مديرية الموارد المائية في المحافظة لمناقشة سبل الحد من التجاوزات، كما تم طرح مقترحات لتوصية الجهات المعنية بأهمية تبطين ضفتي نهر الفرات، كإجراء للحد من تجاوزات رمي الأنقاض وحماية جودة المياه".

 ويشير إلى أن "عمليات التبطين ليس لها آثار سلبية على جودة التربة أو المياه، بل تعتبر من التدابير الضرورية لتحديد مسار النهر وحمايته من التعديات".

ويلفت النظر إلى أن "بعض المزارعين يطمحون لتوسيع مساحاتهم الزراعية على حساب النهر، مستغلين غياب الرقابة. لذلك، من الضرورة بمكان تفعيل القوانين البيئية وقوانين الري بشكل حازم، للحد من التجاوزات وحماية النهر والمحافظة، لا سيما في المناطق الحضرية التي تتأثر بمظهر النهر ونظافته".

ويخلص سلام الى أن "مديريات الصيانة والموارد المائية تتولى مهمة سحب المياه الفائضة عن حاجة الأراضي الزراعية وضخها مجددًا في مجرى النهر، ما يساهم في الحفاظ على تدفق المياه وتنظيم استخدامها"، مشيرًا إلى أن "تبطين النهر يمثل إجراءً بنيويًا مهمًا للحفاظ على استمرارية جريانه وحمايته".

ترشيد المياه وحماية التوازن البيئي

وحذّر الخبير البيئي سجاد الهيتي من المخاطر البيئية لمشروع تبطين النهر، مشيراً إلى أن التبطين قد يؤدي إلى تدمير المناطق الرطبة التي تدعم تنوعاً بيئياً واسعاً، ما قد يهدد توازن النظام البيئي بسبب هجرة الكائنات.

وقال الهيتي لـ "طريق الشعب"، إن "التبطين يعيق تغذية المياه الجوفية، مما يضر بالمزارعين ويهدد الإنتاج الزراعي مستقبلاً".  ونبه إلى أن المواد الإسمنتية ترفع حرارة المياه، ما يهدد حياة بعض الأسماك والنباتات، وبالتالي فإن التبطين يسرّع تدفق المياه ويقلل من الرواسب الطبيعية".

ودعا الهيتي إلى إعادة النظر في المشروع وإجراء دراسات بيئية معمّقة، مع تبني تقنيات حديثة لترشيد المياه وحماية التوازن البيئي.

التحديات البيئية

ووفقًا لتصنيف الأمم المتحدة، يعد العراق من بين الدول الأكثر هشاشة تجاه التغيرات المناخية، وقد شهدت الانبار موجات جفاف، وتراجعا في مناسيب الأنهار، وارتفاعاً غير مسبوق في درجات الحرارة، وزيادة في العواصف الترابية والتصحر، طبقا لمسؤول شعبة البيئة في مديرية بيئة الأنبار.

ويقول علي هاشم في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "التنوع البيولوجي يتأثر بشكل كبير بسبب التغيرات المناخية، حيث يهدد فقدان الموائل الطبيعية للعديد من الأنواع النباتية والحيوانية، كما يؤدي لتغيرات في الأنظمة البيئية البحرية والبرية والمياه العذبة. ويعتبر التنوع البيولوجي من أهم الدفاعات الطبيعية ضد تغير المناخ، غير أن استمراره أصبح مهدداً بشكل متزايد".

ويشير إلى أن "موجات الجفاف وانخفاض الأمطار أثرت سلباً على الإنتاج الزراعي، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والشعير. كما ارتفعت أسعار الأعلاف، الامر الذي أثر على قطاع الثروة الحيوانية بشكل مباشر وأدى لخسائر فادحة لدى مربّي المواشي والماشية، خصوصًا في ظل تراجع أعداد المواشي والدواجن والأسماك. ويعاني مربّو الأسماك من تراجع أعداد الأسماك المحلية، وظهور أنواع دخيلة مثل سمك البلطي، الذي يهدد الثروة السمكية المحلية".

ونتيجة لانخفاض مناسيب الأنهار وتزايد الملوثات، واجهت الثروة السمكية انخفاضًا كبيرًا، حيث لجأ البعض إلى استخدام طرق صيد غير قانونية، مثل الصيد بالصعق الكهربائي واستخدام السموم والمبيدات. وهذا الأمر تسبب في تراجع الإنتاج السمكي وانتشار الأوبئة في مشاريع الاستزراع السمكي، وفقا لهاشم.

ويوضح هاشم، أن التوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية أثر سلباً على التنوع الأحيائي في الأنبار. حيث أدى هذا التوسع إلى فقدان الموائل الطبيعية للعديد من الكائنات الحية، ما أسهم في اختفاء بعض الأنواع المحلية، مثل طيور البلبل التي كانت تعيش وتغني في المدينة.

ويضيف هاشم، أن "قلة الغابات الصناعية والمحميات الطبيعية في الأنبار تزيد من التحديات البيئية التي تواجه المحافظة، حيث إن المحميات غالباً ما تقع على ضفاف الأنهار وقرب البحيرات، ما يجعلها تعتمد على استقرار مناسيب المياه. ومع انخفاض هذه المناسيب، تأثرت هذه المحميات بشكل كبير، مما أدى إلى تدهور التنوع الأحيائي وفقدان البيئات الطبيعية التي تعتمد عليها العديد من الكائنات الحية".

ويجد هاشم، أن هذه التداعيات تبدو واضحة على الكائنات المتكيفة مع البيئة المحلية، فقد بدأت تتأثر سلبًا بسبب تدهور هذه البيئات الطبيعية. ولهذا، هناك حاجة ملحة لاتخاذ تدابير بيئية ومعالجات جادة لمواجهة تحديات التغير المناخي المحتملة في المستقبل، وحماية التنوع البيولوجي والأنظمة البيئية المحلية للمحافظة.

عرض مقالات: