اخر الاخبار

تعاني محافظات البلاد من تشوه واضح المعالم في قضيتين أساسيتين؛ الأولى، هي انتشار المجمعات السكنية الأهلية داخل المدن بشكل غير مدروس، وبالخصوص في العاصمة التي تكتظ بمجمعات لا يستطيع المواطن العادي الشراء فيها. أما الامر الثاني فهو التوسع السكاني والعمراني غير المدروس.

ويقول مختصون أن الدولة لم تقم ببناء مجمعات مدعومة لحل جزء من أزمة السكن، بل تركتها للمتنفذين الذين حولوها إلى بوابات للفساد وغسيل الاموال، بينما دفع سوء التخطيط بالعشوائيات والتوسع العمراني إلى التزايد داخل المدن، دون التمدد إلى أطرافها وفق خطط منهجية سليمة.

مجمعات سكنية بأسعار خيالية

على مدار السنوات الماضية بُنيت مجمعات سكنية كثيرة في عدة أماكن، لكن أغلبها وسط بغداد وبأسعار خيالية لا يمكن لأي مواطن عادي أو موظف في الدولة أن يشتري منها شقة. وتوجه أصابع الاتهام من قبل جهات كثيرة إلى أصحاب رؤوس أموال هذه المشاريع السكنية، حيث يُقال أنها نوافذ للفساد وتبييض الأموال.

يقول الأكاديمي علي مراد، أن الاسعار الهائلة للعقارات في عموم مدن العراق رغم بؤس الخدمات ورداءة مستلزمات العيش الكريم، مرتبطة بعملية “ايقاف وتقويض تهريب الأموال إلى الخارج أو تبييضها”. كما أن هناك رؤية اجتماعية في العراق لا تحبذ السكن العمودي رغم أنها ليست دقيقة، لكن مع هذا نرى اقبالا واسعا على المجمعات السكنية العمودية وبأسعار مبالغ فيها، وهذا يفسر لنا كيفية ادارة كبار الفاسدين هذا الملف، باستثناء تجربة مجمع بسماية السكني رغم المآخذ الموجودة عليه”.

ويرى مراد خلال حديثه مع “طريق الشعب”، أن التخطيط السليم يجب أن يجعل “المجمعات السكنية خارج مراكز المدن المكتظة، لا في مراكزها. لم تبق مساحة إلا وتحولت إلى مركز تجاري أو سكني وقضي على الكثير من المساحات الخضراء وغيرها من الرقع الهامة”.

ويقول ان من يفهم في علم تخطيط المدن سيفهم سريعا ان هذه المجمعات ليست لحل مشكلة السكن، بل للربح والفساد.

مشاريع ناجحة.. ولكن؟

ويستعرض مراد عدة مشاريع سكنية داخل بغداد على سبيل المثال، منها “مشروع بسماية الذي نفذته إحدى الشركات الكورية، فيمكن اعتبار هذه التجربة ناجحة كونها خارج مركز المدينة وبسعر أقل من المتاح حاليا في مراكز أخرى، رغم وجود مشاكل في الطرق المؤدية من وإلى المجمع وبعض النواقص. لكن بقية المجمعات السكنية خلافا لهذه التجربة، وأغلب أراضيها هي تابعة للدولة وتعطى للمستثمرين بأسعار رمزية بينما تبيع وحداتها بمبالغ باهظة!”.

ويشير مراد إلى أن مشاريع مثل “دار السلام” السكني قرب مطار المثنى، يتكون 1500 شقة سكنة وهو تابع لدائرة الضمان الاجتماعي للعمال والمتقاعدين، بينما تبلغ وحداته السكنية 200 مليون دينار وأكثر. كذلك توجد مشاريع أخرى مثل (بوابة بغداد، المنصور سيتي، العطيفية، وغيرها الكثير) جميعها تقام على مواقع مهمة وبأسعار خيالية. ووفقا للمعلومات التي حصلت عليها “طريق الشعب”، هنالك أسعار جنونية للوحدات السكنية في المجمعات. ففي مجمع “بوابة العراق” ببغداد، يصل سعر الشقة 160م، إلى أكثر من 300 ألف دولار، بينما تصل في مجمع “الأيادي” إلى قرابة ربع مليون دولار، وكذلك الحال مع مجمع “اليمامة”. أما “النسيم ستي” و”الروان” في منطقة حي الجهاد، فينفذان على أرض حكومية، ويؤكد متابعون لهذا الشأن أن الشركة المنفذة تعود لجهات سياسية سهّلت لها عملية السيطرة على الأرض والبناء عليها.

تخطيط عمراني فاشل

من جانبه، يقول المهندس سلوان الاغا وهو مختص في تخطيط المدن، أن التركيز على التوسع داخل المدينة نفسها دون الأطراف يدلل على “عجز الدولة عن توفير الخدمات وديمومتها”.

ويوضح الاغا لـ”طريق الشعب”، أن “الدولة عاجزة فعلا عن تقديم الخدمات في المراكز، لذلك لا تفضل القيام بجهد اضافي في الأطراف، فهي تتطلب طرقا وجسورا وماء ومجاري واتصالات وغيرها. أنها نظرة وقتية لا تحسب للفترات المستقبلية”.

أما عن اكتظاظ المدن بالسكان والتوجه إلى المشاريع السكنية، فيرى الاغا أنها نتيجة قضيتين، الأولى هي “عجز الدولة عن تقدير الخدمات”، والثانية هي “تداعيات نظام المحاصصة وما ينتجه من فساد”.

ويمضي بالقول: “في علم تطور المدن وتنظيمها والتخطيط الحضري، يفترض ايجاد ما يسمى (بمراكز القوى) وتكون خارج مراكز المدن. تتمثل بالأبنية الحكومية الهامة مثل الطابو والضريبة أو تكون مراكز اقتصادية وتجارية أو حتى ترفيهية. هذا يدعى بالدوائر متعددة المركز”، مضيفا ان “كل مدينة يوجد فيها ما يسمى بالتصميم الاساس، وهو دستور المدينة وقانونها الذي يفترض تحديثه كل ثلاثين أو اربعين عاما، وهذا يحدث في العراق لكنه يبقى على الورق فقط”.

التنفيذ لم يبدأ!

ويؤكد المهندس المختص أن “بغداد والحلة كنموذجين، لديهما تصاميم مصادق عليها في عام 2019 وتنص على أن تفي بأغراض التوسع في عام 2030 لكن أي تنفيذ من الخطة لم يبدأ. ففي التصاميم هذه هناك طرق جديدة مقترحة، وأماكن ادارية مقترحة ايضا لكنها بالحقيقة ما زالت عبارة عن اراض متجاوز عليها او باسم مواطنين، وهذا يفترض ان يكون من مهام الدولة. أن هذه التصاميم من مهام البلديات على وجه الخصوص، فهي يفترض ان تدير عملية تنظيم المدن لكنها تقصر بهذا الواجب المهم والأساسي، بينما نرى تجارب ناجحة إلى حد ما مثل أربيل وكربلاء والرمادي يفترض أن تدرس فعليا، وتوسع تجربها لمناطق اخرى”.

ويلفت المتحدث إلى أن “العراق يحتاج الى ما لا يقل عن 3 مليون وحدة سكنية بحسب التقارير والمختصين، لكن الدولة لا تملك حلولا جدية حقيقية. أن هذا الملف لا ينجز بقطاع واحد، فهنالك حاجة للقطاع الوطني أيضا، لكنه يغيب بفعل السياسات الحالية وتحل محله شركات مشبوهة”.

عرض مقالات: