"مظفر النواب.. الظاهرة الاستثنائية"، عنوان موح يُحيل إلى بريق السطح وصفاء العمق على السواء. عنوان لم يكن من اشتقاقات القراءة هذه، وإنما هو عنوان كتاب الشاعر المبدع / كاظم غيلان/ الصادر عن دار ومكتبة عدنان، وقد ضم الكتاب:
دراسات ومقالات للمؤلف وأدباء آخرين، مقابلات ، قصائد، وكتابات بخط النواب..
إن / النواب / ظاهرة استثنائية متحققة، نضالياً وشعرياً وفنياً وإنسانياً، وحضوراً ذاكراتياً يتجدد باستمرار في الذاكرة العراقية والعربية وجهاً وقفا رغم :
سنوات النفي الاضطراري والترحال بين العواصم والمدن، ومحاولات التغييب القصدية التي مارسها النظام السابق، إلّا أنه لم يكن غائباً لا (هنا) ولا (هناك)..، إنه الحضور المتجدد شعريّا في دورة الزمن، ومثل هذا الحضور العالي من علامات الذينليسوا كسواهم ..
حرص الشاعر / كاظم غيلان / على تفرّد طبيعة كتابه - رغم العُجالة الواضحة في طبيعة الكتابة وما رافقها من أخطاء طباعية املائية – كي يكون مغايرا لما صدر من دراسات وكُتب عن النواب، مما يُضقي على الكتاب صفته الكتابية/ الدراسية/ التصويرية/ التوثيقية.
وهكذا تنوّعت فصوله بين الدراسات – رغم تناسيه دراسات معروفة! –
و الحوارات والقصائد و الوثائق والصّور.
إن الكتاب هدية وفاء من غيلان إلى النواب، حيث شُغل غيلان بظاهرة النواب مبكّراً، وكتب عنه مبكراً، وتابعه مبكراً. التقاهُ وصَحبهُ بعد عام 2003 صحبة إنسانية وإبداعية .
يقول غيلان في مقدمته :
لا أدري، لربما قد أوفيت بعض الشيء لأخي وصديقي ورفيقي وقدوتي قبل كل شيء – مظفر النواب – عبر هذه المحاولة، ولربما المغامرة ، فالكتابة عن مظفر ليست بالأمر الممكن حد السهولة .
إن الكتابة عن هذا الكتاب لا تسعها الإشارة المختزلة هذه والتي أردت منها التحيّة للإثنين، النواب وهو في سجّل الحضور ، وغيلان في بحثه عن مسرّاتالوفاء..
من عيّنات الاستشهاد، يقول النواب :
رحلت إلى أهوار العمارة – في عام 1956 – جنوب العراق والتقيت بمغنين في المنطقة هم (غريري وجويسم وسيد فالح)..، وقد ذُهلت فعلاً للغنى الموجود في غنائهم، وتكشّف لي منهم عالماً مهملاً، ولكنه عالم مملوء بالجمال، من الصعب أن تجد عالماً بديلاً عنه. كنت أمام عجينة حيّة تماماً تنتظر أحداً ممن لديه فهم للعناصر الشعرية الحديثة لينتبه إليها ويشتغل على هذه المادة الخام الهائلة التي لا تنضب منابعها .
وهكذا أشعلت اللهجة الجنوبية والغناء الجنوبي في العمارة حرائق شعرية تجديدية في الشعر الشعبي العراقي ، كان النواب موقِدَ نارها الأوّل .
ومن التوافقات المكانية الجمالية أن يأتي هذا الكتاب من مكان ومناخ شُغف بهما النواب، حيث أنَّ غيلان هو الآخر أقام ويُقيم على الضفة اليسرى من دجلة في العمارة.
إنها توافقات الإبداع القادمةمن جماليات: المكان، واللهجةذات الطاقة الحيّة الكامنة في مفرداتها، ولا يسعني هنا غير أن أُكرر قول النواب عن العمارة:
ابن ديرتنه حمد
يمشي ابحلم كل عين
بالخطوه الخفيفه
على جفن الترفه الخناجر
والمسچ وبطانته الحمره قديفه
حمد كَلب ابنيّه
لو حنّ السلف وأْهلَه
إو ذچر هور الدبن والليل واسوالف وليفه
ايحن (للمعيّل) حمد
و (المجر) و(الهدّام)
وأْهله الشيّلوا بالليل كل بيت الخليفه .
كتاب (مظفر النواب الظاهرة الاستثنائية) مراودة عن قرب وعن بُعد لعالم مظفر النواب المسحور ...