اخر الاخبار

في ظل أزمة المياه المتفاقمة التي يعاني منها العراق، يُعد نهر الفرات رمزاً لأحد أهم التحديات البيئية التي تواجه البلاد. مع مرور السنوات، أصبح النهر الذي كان يُعد شريان الحياة للأراضي العراقية يعاني من جفاف شديد، ما يهدد الأمن المائي والاقتصادي للبلاد.

ويؤكد مراقبون ان ابرز الأسباب يعود لسوء الإدارة الحكومية وصولاً إلى التأثيرات الخارجية لدول المنبع على صانع القرار الحكومي.

سوء الإدارة

وتحدث الخبير المائي عادل المختار عن التحديات الكبرى التي تواجه نهر الفرات، مشيراً إلى أن المشكلة الأساسية هي نقص المياه في النهر، حيث أكد أن “الفرات يعاني من جفاف شديد منذ سنوات، لدرجة أن مياهه لم تعد تصل إلى شط العرب”.

وأضاف المختار لـ “طريق الشعب”، أن “هذه المشكلة تعود بشكل أساسي إلى إهمال الحكومات المتعاقبة ووزارات الموارد المائية في العراق”، موضحاً أن “سوريا، على سبيل المثال، تأخذ حصتها من مياه الفرات وتخزنها في سد الطبقة الذي لا يخضع لسيطرة الحكومة السورية بشكل كامل، ما يزيد من صعوبة إدارة المياه بشكل منسق بين الدول”.

وأكد أن “العراق يستقبل كميات كبيرة من المياه في بعض المواسم”، مشيراً إلى أن “خزين المياه هذا العام بلغ 21 مليار متر مكعب، في حين أن الاحتياجات اليومية للاستهلاك الزراعي والصناعي والحياتي تصل إلى 15 مليار متر مكعب سنوياً”.

وأضاف، أن العراق “تلقى خلال هذا العام أكثر من 55 مليار متر مكعب من المياه، لكن بسبب سوء الإدارة وسوء التصرف في هذه الموارد، تم فقدان جزء كبير من هذه المياه. ورغم هذه التحديات، نجحت الجهود في الحفاظ على حوالي 20 مليار متر مكعب من المياه لاستخدامها”.

وفي ما يتعلق بالحلول، شدد المختار على ضرورة إعادة النظر في السياسة الزراعية في العراق وتشكيل فريق من الخبراء المتخصصين في إدارة الموارد المائية، من أجل تحسين السيطرة على المياه والتخطيط الأفضل للاستفادة منها في المستقبل.

مفاوضات “خجولة”

الخبير المائي تحسين الموسوي سلط الضوء على تحديات الملف المائي في العراق، قائلا أن هذا الملف يتألف من محورين، داخلي وخارجي.

وفي ما يخص المحور الخارجي، أوضح الموسوي أن العراق “كونه بلد مصب، يعتمد بشكل كبير على المفاوضات مع الدول المشاركة في المياه، مثل تركيا وسوريا وإيران”، لكنه أشار إلى أن هذا الملف يشهد تراجعاً وليس تقدماً، اذ هناك العديد من العوامل التي تلعب دوراً في ذلك، منها زيادة الطلب العالمي على الموارد المائية، في مقابل انخفاض العرض.

وأضاف الموسوي في حديث لـ “طريق الشعب”، أن “هذه الدول خالفت القوانين والأعراف الدولية، حيث تمارس سيطرة تامة على الموارد المائية المشتركة دون التوصل إلى اتفاقيات ملزمة تضمن توزيعاً عادلاً للمياه”. وانتقد الموسوي ضعف المفاوض العراقي، الذي لم يستخدم بشكل فعال وسائل الضغط المتاحة أو يلجأ إلى المجتمع الدولي للدفاع عن مصالح بلاده.

وأشار الموسوي إلى أن وزارة الموارد المائية تلعب دورًا فنيًا في هذا الملف، لكن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الفاعلين السياسيين والدبلوماسيين.

وأوضح أن العراق لم ينجح حتى الآن في التوصل إلى اتفاقيات ملزمة مع دول الجوار لضمان إطلاق حصصه المائية أو وقف المشاريع التي تضر بالموارد المائية العراقية.

وأكد أن ما يجري حاليًا هو مجرد محادثات بين الطرفين دون مفاوضات جادة تؤدي إلى توقيع اتفاقيات حقيقية.

وأكد الموسوي، أن “هذا الملف المعقد يتطلب إرادة وطنية قوية، وتدخلاً من منظمات دولية، واستخدام نقاط القوة في المفاوضات مع الدول المشاركة في الموارد المائية”، معتبرا أن أية مفاوضات أو اتفاقات مع هذه الدول يجب أن يكون ملف المياه فيها جزءاً سيادياً، نظراً للوضع الحرج الذي يواجه العراق، خاصة بعد مرور البلاد بأربع سنوات عجاف.

وشدد على ضرورة “إجراء مفاوضات حقيقية وفعالة مع الدول المشاركة في المياه، لضمان تحقيق شراكة عادلة ومستدامة تحفظ حقوق العراق في الموارد المائية، وتحمي بيئته من مزيد من التدهور”.

وتناول الموسوي موضوع السياسة المائية في العراق، مشيرًا إلى التراجع الكبير في هذا الملف وعدم كفاءة الإدارة الحالية. حيث أكد أن السياسة المائية في العراق متأخرة، إذ لا توجد مشاريع استراتيجية فعّالة مثل بناء السدود أو مشاريع حصاد المياه.

وأضاف، أن هناك فشلًا في تحقيق العدالة في توزيع المياه بين المناطق المختلفة، إلى جانب غياب مشاريع إعادة تدوير المياه ومعالجة الملوثات التي تضر أحواض الأنهار، مشيرًا إلى أن استخدام التقنيات الحديثة في تقنين استهلاك المياه شبه غائب عن الإدارة الحالية.

الثرثار تروي عطش الفرات

 وفي ما يتعلق بموضوع التحلية، أكد الموسوي أن “المقصود ليس تحلية مياه الفرات. بل يُرجح أن الحديث يدور حول وحدات معالجة المياه وإعادة تدويرها، وكذلك محطات معالجة مياه الصرف الصحي ومياه البزل”. وأضاف أن “تحلية مياه البحر قد تكون جزءًا من الحلول المقترحة بالنظر إلى أن العراق يمتلك ساحلًا على الخليج العربي”. وذكر الموسوي أن بعض “المحطات قد تكون مخصصة لتنقية المياه القادمة من مصادر أخرى، مثل بحيرة الثرثار، التي أصبحت تغذي نهر الفرات بعد انقطاع الإيرادات المائية من تركيا”.

وحول جفاف حوض الفرات، أوضح الموسوي أن “بحيرة الثرثار أصبحت حاليًا المصدر الرئيس لتغذية نهر الفرات، بعد أن انقطعت الإيرادات المائية القادمة من الجانب التركي”. وأشار إلى أن وزارة الموارد المائية قامت بتركيب محطات عائمة لسحب المياه من الأجزاء الميتة في البحيرة، حيث تحتوي البحيرة على حوالي 40 مليار متر مكعب من المياه التي تعتبر غير قابلة للاستخدام بسبب الترسبات والطمي.

 وأضاف أن هذه المياه لا يمكن الاستفادة منها إلا من خلال المضخات العائمة التي نصبتها الوزارة، والتي تضخ ما يقرب من 100 متر مكعب في الثانية إلى حوض الفرات من أجل إنعاشه، في ظل قلة الإيرادات القادمة من تركيا.

واختتم الموسوي بالتأكيد على أن العراق يعتمد بشكل كبير على الإيرادات المائية القادمة من تركيا، حيث أن 90 في المائة من مياه نهر الفرات تأتي من تركيا، في حين تأتي 10 في المائة فقط من سوريا وايران. وأضاف أن هذا الاعتماد الكبير على تركيا يجعل العراق في موقف صعب، خاصة في ظل عدم وجود اتفاقيات ملزمة تضمن تدفق المياه بصورة مستدامة.

تقليص مستمر لحصة العراق المائية

وقالت نجوان علي، عضو في إحدى المنظمات البيئية، لـ “طريق الشعب”، إن أزمة شح المياه في العراق قد تفاقمت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة بسبب سوء إدارة استخدام المياه، والتغير المناخي، وتراجع الإمدادات من دول المنبع مثل تركيا، إيران، وسوريا.

وأضافت أن هذه العوامل المتشابكة صنعت مشكلة أساسية لم تتم معالجتها حتى الآن.

وأرجعت علي سبب انحسار مياه نهري دجلة والفرات إلى “سياسات دول المنبع” التي قامت ببناء العديد من السدود والمشاريع الكبرى دون التنسيق مع العراق، وهو ما أثر بشكل مباشر على استحقاقات العراق المائية، حيث تراجعت الإيرادات الواصلة.

كما أشارت إلى أن الجهات الحكومية العراقية المعنية بهذا الملف “لم تعره الأهمية الكافية”، ما أتاح لدول المنبع الاستمرار في تقليص الحصة المائية للعراق دون مراعاة لمبادئ حسن الجوار، مما يمنع التوصل إلى أي اتفاق معها.

وأكدت أن العراق بحاجة ماسة إلى ضمان حقوقه في الأنهار المشتركة مع دول الجوار وفق القوانين الدولية، داعية إلى اتخاذ إجراءات عادلة ومنصفة لضمان توفير كميات كافية من المياه للبلاد، خاصة في ظل المعاناة الشديدة التي تواجهها مناطق واسعة من جنوب ووسط العراق.

وطالب مختصون في مجال المياه تحلية مياه الفرات في بعض المناطق التي تكون ملوثة أو تحتوي على نسبة عالية من الأملاح والمعادن، حيث يرون ان تحليتها يمكن أن تساعد في تحسين جودة المياه، مما يجعلها صالحة للشرب وللاستخدامات الزراعية والصناعية.

عرض مقالات: