اخر الاخبار

رغم انتشار آلاف المواقع الأثرية في مختلف أرجاء العراق، إلا أنها لا تمثل سوى جزء صغير من الكنوز الحضارية التي تحتضنها أرض بلاد الرافدين، والتي ما زالت تنتظر اكتشافها لتروي فصولاً جديدة من تاريخ هذه الأرض العريقة.

ومواقع التراث العالمي هي معالم طبيعية أو ثقافية تُرشّحها لجنة التراث العالمي في اليونسكو لإدراجها ضمن برنامج مواقع التراث العالمي. قد تشمل هذه المواقع غابات، جبالا، بنايات تاريخية، أو مدنا. ويعتمد الاختيار على عشرة معايير، ستة منها ثقافية وأربعة طبيعية. في بعض الأحيان، يمكن أن يجمع الموقع بين المعايير الثقافية والطبيعية معاً.

وبموجب معاهدة مواقع التراث العالمي، يحق لأي دولة عضو في اليونسكو ترشيح مواقعها الطبيعية والثقافية لإدراجها في القائمة. ويتم التصويت على ذلك من قبل لجنة التراث العالمي، بشرط استيفاء الموقع لواحد على الأقل من المعايير المحددة.

40 بعثة تنقيبية في العراق

وتسعى وزارة الثقافة إلى إدراج مواقع جديدة ضمن لائحة التراث العالمي لليونسكو.

وأعلن وزير الثقافة والسياحة والآثار، أحمد فكاك البدراني، عن ترشيح عدد من المناطق الجديدة لإدراجها على قائمة التراث العالمي.

وقال البدراني في تصريح صحفي، تابعته "طريق الشعب"، أن "عدد المواقع الأثرية التي تم اكتشافها هذا العام كبير جداً"، مشيراً إلى وجود نحو 40 بعثة تنقيبية تعمل حالياً.

وأضاف الوزير، أن "نينوى الآشورية ومناطق أخرى تم ترشيحها للإضافة إلى قائمة التراث العالمي"، مؤكداً استمرار العمل في ترميم الآثار المدمرة في مدينة الموصل.

15 الف موقع

وعن خطط الوزارة، أكد انه تم تحديد 15 ألف موقع أثري في عموم مناطق العراق، مع تأكيد مواصلة العمل على تأهيل القصور الثقافية والمواقع التراثية في البلاد.

وحدد حسن الشكرجي، الباحث في الآثار والتراث، التحديات التي تواجه هذا مسألة تسجيل المواقع الأثرية العراقية ضمن لائحة التراث العالمي لليونسكو، موضحًا أن "منظمة اليونسكو، التي تتخذ من باريس مقرًا لها، تعتبر عملية تسجيل المواقع الأثرية في العراق مهمة معقدة وصعبة، نتيجة الوضع العام غير المستقر في العراق والمنطقة".

وقال الشكرجي في حديثه لـ "طريق الشعب"، أن "العراق، من خلال وزارة الثقافة والسياحة والآثار، قدم عدة طلبات لضم مواقع أثرية وتراثية مهمة مثل بابل، مدينة أور الأثرية، ومدينة سامراء إلى لائحة التراث العالمي، لكن هذه الجهود واجهت صعوبات كبيرة".

وأضاف، أن "الحكومة العراقية تسعى دائمًا لتسجيل مواقعها الأثرية كونها تمثل أدوارًا حضارية متعددة تعكس تنوع المجتمع العراقي وتاريخه العريق الذي يجمع بين مختلف الطوائف والقوميات، إلا أن التحديات الرئيسة تكمن في عدم السيطرة الكاملة على العديد من المواقع الأثرية، بسبب الأزمات السياسية التي تعصف بالبلاد والمنطقة بشكل عام".

 وذكر، أن العراق يتأثر بشكل مباشر بالأزمات الإقليمية، ما يعقّد مسألة حماية هذه المواقع وتأمينها، مشيرا إلى أن هناك تقصيرًا واضحًا من وزارة الثقافة في رفد المواقع الأثرية بالموارد اللازمة لحمايتها، سواء من حيث الموارد البشرية أو المالية، ما يعرضها للنهب أو التلف.

حماية الاثار

واقترح الشكرجي أن تقوم الوزارة بتشكيل لجان متخصصة تدرك أهمية حماية المواقع الأثرية، بالإضافة إلى وضع برنامج علمي وفني شامل لحماية هذه المواقع، مشددا على أهمية إنشاء فرق ميدانية لمسح وتحديد المواقع الأثرية، وتوفير حراسات مدنية لحمايتها بجانب شرطة الآثار، التي لا تستطيع تلبية كل احتياجات الحماية المطلوبة.

واختتم الشكرجي حديثه بالإشارة إلى أن اليونسكو، منذ تأسيسها في عام 1977 في مؤتمر البندقية بإيطاليا، وضعت قوانين وشروطًا خاصة لحماية الآثار في مختلف الدول، وخصوصًا الدول العربية التي تحتوي على حضارات وآثار ذات أهمية كبيرة.

وأكد، أهمية التعاون بين العراق والمنظمات العالمية، وعلى رأسها اليونسكو، لضمان حماية التراث الأثري العراقي، وتعزيز الجهود الدولية للحفاظ على هذا الإرث الحضاري الكبير.

وتعد مملكة الحضر أول موقع أدرج على لائحة التراث العالمي، في الدورة التاسعة للجنة التراث العالمي، التي عُقدت في باريس، فرنسا في عام 1985، وأدرج آشور (القلعة الشرقية) في عام 2003 كموقع ثاني، تلتها مدينة سامراء الأثرية في عام 2007، وأضيفت قلعة أربيل وأهوار جنوب العراق إلى القائمة في عام 2014 و2016، والأخير هو مُختلط (طبيعي وثقافي).

وانضم العراق إلى معاهدة مواقع التراث العالمي في يوم 5 آذار عام 1974، ما جعله مؤهلاً لإدراج مواقعه التاريخية على القائمة، اعتباراً من عام 2019، لدى العراق ستة مواقع مصنفة كتراث عالمي.

الأنبار تنتظر أعمال التنقيب

بدوره، يقول عمار علي، مدير مفتشية الآثار والتراث في محافظة الأنبار، أن "المحافظة تتميز بانتشار العديد من المواقع الأثرية التي تعود إلى أدوار حضارية متنوعة تمتد الى مرحلة عصور ما قبل التاريخ، وحتى العصور الإسلامية المتأخرة".

ويضيف علي، لـ "طريق الشعب، أن "محافظة الأنبار، كغيرها من المحافظات العراقية، تضم مواقع أثرية متعددة، إلا أن ما يميزها هو اتساع رقعتها الجغرافية التي تحتضن مئات المواقع الأثرية المكتشفة والمسجلة رسميًا لدى الهيئات المختصة بالآثار والتراث".

ويشير علي إلى أن أعمال المسح الأثري لم تكتمل بشكل شامل حتى الآن، مشددًا على أن "العدد الحالي من المواقع المكتشفة قد يتضاعف إذا ما أجريت عمليات استكشاف شاملة لكافة مناطق الأنبار".

وينبه الى أن "أغلب هذه المواقع الأثرية تقع على ضفاف نهر الفرات، حيث كانت هذه المناطق ملائمة لتجمعات سكانية قديمة بعد أن ترك السكان حياة الصحراء وانتقلوا إلى الأنهار لممارسة الحرف والمهن المختلفة"، مبيّنا أن الأنشطة الزراعية والتجمعات السكانية القديمة على ضفاف الفرات أدت إلى اختراع النواعير، وهي الآلة التي شكلت نقلة نوعية في حياة سكان الأنبار، حيث استخدمت في الري وتوفير المياه، مما ساهم في استقرار الإنسان في تلك المناطق.

ويتطرق علي إلى أهم الحضارات التي تركت بصمتها في الأنبار، قائلا ان "المحافظة تحتضن مواقع أثرية تعود لأدوار تاريخية مهمة، أبرزها الحضارات السومرية، البابلية، والأشورية".

مواقع بارزة

ومن بين المواقع الأثرية البارزة، يذكر مدينة الهاشمية، التي كانت عاصمة العباسيين وبناها الخليفة أبو العباس السفاح، وتعد من أهم المواقع في قضاء الفلوجة ناحية الصقلاوية.

ويقول علي، ان مدينة خدام الأثرية في القائم، تعود للعصر الأشوري الحديث.

وعن وضع المواقع الأثرية الحالي، يوضح مدير المفتشية، أن "بعض المواقع الأثرية في الأنبار لا تزال بحالة جيدة، وقد خضعت لأعمال صيانة وترميم بهدف الحفاظ عليها من تأثيرات الظروف الجوية، في حين أن بعض المواقع الأخرى لم تتم صيانتها بعد، نتيجة لنقص التخصيصات المالية".

ورغم هذه التحديات، يعبّر علي عن تفاؤله قائلاً: "نأمل أن تستكمل أعمال الصيانة في المستقبل".

ويؤكد علي، أن "الهيئة العامة للآثار لم تدخر جهدًا في دعم قطاع الآثار والتراث في الأنبار"، مشيرًا إلى "دور الحكومة المحلية الكبير في دعم هذا القطاع وإبرازه كعنصر مهم لتنمية المحافظة"، مشيرا الى أن "الأنبار تمتلك إمكانات كبيرة لتكون وجهة سياحية مستقبلية، مع إمكانية استقطاب مشاريع استثمارية تسهم في تشغيل أعداد كبيرة من الأيدي العاملة، وتجذب السياح من مختلف أنحاء العراق والعالم".

ويختتم علي بالتأكيد على أن "العمل مستمر لتعزيز دور الآثار والتراث في التنمية السياحية، وتحويل الأنبار إلى قبلة سياحية بارزة في المستقبل".

عرض مقالات: