اخر الاخبار

أظهرت الممارسات الإسرائيلية بحق جثامين الأسرى الفلسطينيين تحديا غير مسبوق لمبدأ أن كرامة الإنسان لا تسقط بالموت، بل تمتد لتشمل احترام الجسد المسجى، وهو ما كرّسته كافة الشرائع والقوانين الدولية كحق أصيل غير قابل للانتهاك.

 

إعدامات ميدانية

ولم تتوقف الانتهاكات التي مارستها سلطات الاحتلال على الأسرى الأحياء، بل تجاوزتها إلى جثامين الشهداء المحتجزة لديه، فقد ظهرت عليها آثار التعذيب والتنكيل.

وأكدت وزارة الصحة في قطاع غزة على هذه الانتهاكات بشكل واضح، وقالت إنها استلمت رفات 45 فلسطينيا كانوا محتجزين لدى إسرائيل عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، موضحة أن الفحوصات الرسمية والوقائع الميدانية تظهر أن الاحتلال ارتكب جرائم قتل وإعدامات ميدانية وتعذيبا ممنهجا بحق عدد كبير من الشهداء الذين تمت استعادة جثامينهم.

وكشف المدير العام لوزارة الصحة بقطاع غزة منير البرش عن وجود آثار تعذيب وحروق على جثامين الأسرى الفلسطينيين الذين أفرجت عنهم إسرائيل، مضيفا أنهم "أعيدوا إلينا، وهم مقيدون كالحيوانات معصوبو الأعين وعليهم آثار تعذيب وحروق بشعة تكشف حجم الإجرام الذي ارتُكب في الخفاء".

وترى مؤسسات حقوقية أن تحويل الجثمان إلى أداة إذلال يشكل صدمة لذوي الضحية والمجتمع ككل، وهو تصعيد خطير في استخدام المعاناة كأداة رمزية للإهانة الآدمية.

دلائل دامغة

وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أن الفحوصات الطبية وتقارير الطبّ الشرعي، إلى جانب مشاهدات فريقه الميداني، أظهرت دلائل دامغة على أن العديد من الضحايا قُتلوا بعد احتجازهم.

وأوضح أنه وُجدت على أجساد الأسرى آثار شنق وحبال واضحة حول الأعناق، وإصابات ناجمة عن إطلاق نار مباشر من مسافة قريبة جدا، وأيدٍ وأقدام مربوطة بمرابط بلاستيكية، وعيون معصوبة، فضلا عن جثامين سُحقت تحت جنازير دبابات، وأخرى تحمل آثار تعذيب جسدي شديد، وكسور، وحروق، وجروح غائرة.

سرقة الأعضاء

وفي إضافة مزلزلة لهذا المشهد، اتهمت السلطات الفلسطينية في غزة إسرائيل بسرقة أعضاء من جثامين الفلسطينيين المُفرج عنها، وجاء في تقرير إخباري عن حقوق الإنسان نشرته وكالة الأناضول أن "أجزاء من العديد من الجثث مفقودة، بما في ذلك العيون والقرنيات وأعضاء أخرى".

ويقول تقرير حقوقي نشره موقع جامعة كامبردج بعنوان "الكرامة في الموت: القانون الدولي الإنساني وحماية المتوفين في الحرب" إن إزالة أجزاء من الجسد كالعينين أو الأعضاء الداخلية لا يمثّل انتهاكا لحرمة الجسد فحسب، بل يفكك إنسانية الضحية ويحوّلها إلى بقايا قابلة للتشويه، مما يزيل الطابع الإنساني عنها ويحوّلها إلى كائن مكمم مضروب بقسوة، وهو ما يؤكد على تفكيك إنسانية الضحية، ويشير إلى القدر الذي تفككت فيه إنسانية الجاني.

خطاب الرعب والقهر

وتزداد فداحة الانتهاكات مع ما كشفه تقرير إخباري نشره موقع ميدل إيست آي البريطاني أن "بعض الجثث تُظهر دلالات خنق وبتر، ودهسها بدبابات".

يشير تقرير إخباري نشر على موقع صحيفة غارديان إلى أن "العديد من جثث الفلسطينيين التسعين التي أعيدت أظهرت علامات تعذيب وإعدام، بما في ذلك عصب العينين وتقييد اليدين وجروح من طلقات نارية في الرأس"، هذه الانتهاكات تبرز مبدأ الانتقائية في التسليم، فالاختيار فيما يُسلَّم وما يُخفي، وما يُظهر وما يُخفى، هو مؤشر على استخدام الجثة كرمز انتقائي يخدم خطاب الرعب والقهر.

يمثل البعد القانوني لهذا الملف أحد أخطر أوجه القضية، إذ يتصل مباشرة بمسؤولية إسرائيل كقوة احتلال تجاه الأسرى والمتوفين في سجونها، وبمدى احترامها للاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وفي مقدمتها اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي تنص بوضوح على احترام الموتى في النزاعات المسلحة وحظر الاعتداء على جثثهم.

فتح تحقيق فوري وشامل

فبحسب تقرير إخباري حقوقي نشر على موقع الأمم المتحدة للأخبار، فإن "خبراء الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان دعوا إسرائيل إلى فتح تحقيق فوري وشامل في مزاعم تعذيب الأسرى الفلسطينيين والإساءة إلى جثثهم بعد وفاتهم".

ويعبر هذا البيان الأممي عن إدراك متزايد بأن ما يحدث لا يندرج ضمن "تجاوزات فردية"، بل في إطار نمط ممنهج من الإهمال والإذلال، يتطلب مساءلة قانونية ومتابعة قضائية.

كما أشار تقرير قانوني صادر عن موقع هيومن رايتس ووتش قبل أيام إلى أن "الأدلة الأولية من الصور وتقارير الأطباء تشير إلى ارتكاب أعمال تعذيب واضحة وانتهاك لكرامة الموتى، بما يخالف المادة 130 من اتفاقية جنيف الرابعة".

تحقيق في سلوك إسرائيل

وفي السياق ذاته، نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرا بعنوان "إسرائيل تواجه دعوات دولية للتحقيق في الانتهاكات بحق الأسرى الفلسطينيين"، جاء فيه أن: "عددا من المنظمات الحقوقية قدّمت مذكرات إلى مجلس حقوق الإنسان تطالب بإنشاء لجنة تحقيق خاصة في سلوك إسرائيل تجاه الأسرى والمحتجزين، بما في ذلك التعذيب والتنكيل بالجثث".

ويشير تزايد الأصوات الدولية المطالبة بالمحاسبة إلى تحوّل هذه الجريمة من شأن "حقوقي فلسطيني داخلي" إلى قضية دولية تمس منظومة العدالة العالمية.

صدمة جماعية

ويؤكد تقرير إخباري نُشر على موقع منظمة العفو الدولية "أمنستي" على أن "احتجاز الجثث والتنكيل بها انتهاك لحقوق الإنسان ويُعد شكلا من أشكال العقوبة الجماعية التي يحظرها القانون الدولي الإنساني".

ويظهر مفهوم العقوبة الجماعية أن التنكيل بالجثث لا يستهدف الأموات فحسب، بل يرمي إلى معاقبة المجتمع بأكمله، عبر صدمة جماعية تولّد الخوف واليأس.