إرم نيوز
تسير بغداد على "حبل مشدود" بين طهران وواشنطن قبيل انتخابات برلمانية مصيرية، تأتي بعد أحداث عصفت بمنطقة الشرق الأوسط بعد هجوم السابع من أكتوبر.
وأكد خبراء أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يسعى إلى الحفاظ على توازن دقيق في علاقات العراق مع كل من واشنطن وطهران، في مرحلة تتسم بحساسية شديدة مع اقتراب الانتخابات المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، والتي ينظر إليها الداخل والخارج بوصفها محطة مفصلية ستحدد شكل التحالفات المقبلة ومستقبل الحكومة الحالية.
ومنذ توليه المنصب، تبنّى السوداني سياسة خارجية متوازنة نسبياً بين طهران وواشنطن، لكنه برغم ذلك لم يتمكن من إيقاف العشرات من هجمات الميليشيات المسلحة تجاه المصالح الأمريكية في العراق والمنطقة بعد هجوم أكتوبر.
وفي هذا السياق، قال مستشار رئيس الوزراء العراقي عائد الهلالي، إن "السوداني يدرك تمامًا حجم التعقيد في إدارة العلاقة بين واشنطن وطهران، وهو يعمل على تثبيت رؤية تقوم على استقلالية القرار العراقي بعيدًا عن محاور الصراع"، مؤكدًا أن "الحكومة تنظر إلى المصالح المشتركة مع الطرفين بوصفها وسيلة لتحقيق استقرار داخلي وإقليمي دائم".
وأضاف الهلالي لـ"إرم نيوز" أن "السوداني يسعى إلى ترسيخ مفهوم السيادة المتوازنة من خلال استمرار التعاون مع التحالف الدولي ومواصلة الانفتاح الاقتصادي على دول الجوار في آن واحد".
معادلة معقدة
وتشير مصادر سياسية إلى أن السوداني، وهو يستعد لمرحلة انتخابية جديدة، يواجه معادلة معقدة تتداخل فيها المصالح الدولية مع الحسابات الداخلية، إذ يحاول التوفيق بين دعم القوى الشيعية المرتبطة بإيران وبين الحاجة إلى استمرار العلاقات مع واشنطن لتأمين الاستثمارات الغربية وإبقاء المساعدات الدولية في مسارها الطبيعي، إذ يتوقف نجاحه في نيل ولاية ثانية إلى حد كبير على قدرته في طمأنة الطرفين بأن العراق لن يتحول إلى منصة لصراع النفوذ بينهما.
ومن خلال خطواته الأخيرة، يحرص السوداني على تقديم نفسه كشريك متوازن للولايات المتحدة، خصوصاً في ظل استمرار التعاون في ملف مكافحة الإرهاب وتطوير قطاع الكهرباء والنفط.
ويتزامن ذلك مع تعيين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لرجل الأعمال الكلداني الأمريكي مارك سافايا مبعوثاً خاصاً له إلى العراق، وهو تطور ينظر إليه مراقبون كإشارة إلى اهتمام متزايد من واشنطن بملف النفوذ الإيراني داخل بغداد.
حضور إيراني
بدروه أوضح الباحث في الشأن السياسي علي ناصر، أن "العلاقات بين بغداد وواشنطن في المرحلة المقبلة ستتخذ طابعًا اقتصاديًّا واستثماريًّا أكثر من كونها عسكرية"، مبينًا أن "الحكومة المقبلة، أيًا كان شكلها، مطالبة بالحفاظ على استقرار البلاد وتحييد السلاح عن السياسة لضمان تدفق الاستثمارات الأجنبية".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "إيران ستبقى فاعلًا مؤثرًا في الداخل العراقي بسبب عمق العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، لكن السوداني يحاول أن يوازن هذه العلاقة بحيث لا تتحول إلى تبعية أو مواجهة".
وبينما ينفي قادة "الإطار التنسيقي" وجود أي خطوط حمراء أمام التواصل مع طهران، تشير تقارير سياسية إلى أن بعض التحركات الإيرانية الأخيرة في بغداد، ومنها الحديث عن زيارات متكررة لقائد فيلق القدس إسماعيل قاآني، تستخدم لتأكيد الحضور الإيراني الرمزي في مرحلة ما قبل الانتخابات.
ومع تصاعد الخطاب الانتخابي داخلياً، تتزايد الرهانات على قدرة السوداني في الحفاظ على نهج التوازن الذي اتبعه منذ تسلمه رئاسة الحكومة، وسط إدراكه أن أي ميل واضح نحو أحد الطرفين قد يكلفه خسارة الدعم الدولي أو الانقسام الداخلي.
متغيرات المرحلة
ويرى مختصون أن المرحلة المقبلة ستكون ذات طابع حاسم في رسم خريطة السلطة داخل العراق، إذ من المرجح أن يكون لواشنطن التأثير الأكبر على مسار تشكيل الحكومة المقبلة بفعل تراجع النفوذ الإيراني خلال الأشهر الأخيرة.
وأشار خبراء انعكاس العقوبات المتصاعدة على طهران، إلى أن الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تواجهها، على قدرة حلفائها في بغداد على إدارة الملف الانتخابي بالزخم ذاته الذي كان في الدورات السابقة، في المقابل، توسّعت مساحة الحضور الأمريكي عبر الاستثمارات وملف المصارف والدولار، ما جعل واشنطن تمتلك أوراق ضغط مؤثرة على الأطراف العراقية المختلفة، الأمر الذي قد يمنحها موقعاً متقدماً في ترتيبات ما بعد الانتخابات.
