وكالات
أثار الاتفاق الأخير المبرم بين العراق وتركيا بشأن التعاون المائي غضبًا واسعًا في الأوساط السياسية والشعبية، بسبب دخول الشركات التركية إلى عمق المنشآت العراقية، وإنشائها مشاريع كبيرة تتعلق بالري وخزن المياه.
وأثار الاتفاق الذي وُقع يوم أمس الأحد، تزامنا مع وصول وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى بغداد مخاوف بشأن السيادة المائية العراقية، وبسط تركيا سيطرتها على حصص العراق من المياه، خاصة في ظل غياب أي ضمانات واضحة للعراق بشأن حصص ثابتة من تدفق المياه.
وينص الاتفاق بين العراق وتركيا على تنفيذ مجموعة من المشاريع الاستراتيجية في قطاع المياه، تشمل بناء سدود صغيرة ومتوسطة لتخزين المياه، وتطوير تقنيات حصاد المياه، بالإضافة إلى تحسين شبكات الري في العراق.
كما يتضمن الاتفاق توفير مياه إضافية للعراق من خلال تدفقات مائية تصل إلى نحو مليار متر مكعب في المرحلة الأولى، بهدف دعم الخزين المائي في نهري دجلة والفرات.
وفي هذا السياق، أكد النائب في البرلمان العراقي ثائر مخيف، أن "الاتفاق لا يعد حلاً كافيًا للتعامل مع أزمة المياه التي يعاني منها العراق، باعتبار أن الكمية المتفق على إطلاقها لن تحل المشكلة الحقيقية".
وحذر مخيف في حديث لـ"إرم نيوز" من "تحول الاتفاقية إلى مسار دائم ما سيشكل ضررًا بالغًا على العراق، وعلى الأجيال القادمة إذا لم يتم وضع ضوابط صارمة وواضحة لتفعيلها ومراقبتها بشكل دقيق".
وأضاف مخيف أن "الاتفاقية أُعدت دون إشراك البرلمان العراقي أو وزارة الموارد المائية في المناقشات المتعلقة بها" لافتاً إلى أن "الشعب لم يطلع على تفاصيل بنود الاتفاقية بشكل كامل، وهو ما يثير القلق على مصير حقوق العراق المائية في ظل هذا الغموض".
الماء مقابل النفط
وأثيرت مخاوف بشأن آلية الدفع المرتبطة بالاتفاق، حيث اعتمد على مبدأ تمويل المشاريع المائية من خلال مبيعات النفط العراقي لشركات تركية، وهو ما أثار تساؤلات في الأوساط السياسية والاقتصادية، عبر إنشاء صندوق خاص تودع فيه الأموال.
كما أثيرت مخاوف بشأن إطلاع الشركات التركية على المعلومات الديموغرافية في العراق، ضمن نطاق المشاريع التي ستنفذها بموجب الاتفاقية، إذ يعتبر البعض أن إدخال الشركات التركية في تنفيذ مشاريع مائية كبيرة داخل العراق قد يتيح لها الوصول إلى بيانات حساسة تتعلق بالبنية التحتية والمناطق الجغرافية في البلد.
بدوره، أوضح الباحث في مجال الموارد المائية تحسين الموسوي أن "الاتفاق ركز بشكل أساس على الجوانب الفنية، مثل إدارة المياه، وبناء السدود، دون أن يتطرق إلى النقاط الأكثر أهمية، مثل تحديد حصص العراق المائية أو كيفية معالجة الأزمة التي يعاني منها الشعب العراقي".
وأوضح الموسوي في حديث لـ"إرم نيوز" أن "المفاوضات لم تتناول بشكل واضح حقوق العراق في المياه، ولا نعرف إذا كانت هذه الاتفاقية مكملة لاتفاقيات سابقة أو مجرد خطوة أخرى في مسار غير مُحدد".
وتابع الخبير العراقي أن "الاتفاقية جاءت نتيجة ضغط شعبي ونتيجة تدهور الوضع في حوضي دجلة والفرات، لكنها تطرح تساؤلات كبيرة حول مدى كفاية المليار متر مكعب من المياه المعلن عن إطلاقها، وما إذا كانت تلبي احتياجات العراق الفعلية في ظل الأزمة المستمرة".
وتزايدت مستويات الشح المائي في العراق بشكل ملحوظ خلال العام الحالي، مع انخفاض كبير في الخزين المائي في السدود الرئيسة، وخاصة في مناطق شمال ووسط العراق.
وأظهرت التقارير الرسمية أن مستويات المياه في نهري دجلة والفرات انخفضت إلى أدنى معدلاتها منذ عقود، وهو ما أدى إلى تأثر كبير في المناطق الزراعية التي تعتمد بشكل أساسي على الري من هذين النهرين.
انتقادات لوزارة الموارد المائية
وواجهت وزارة الموارد المائية العراقية انتقادات واسعة، بسبب عدم قدرتها على معالجة الشح المائي، وإيجاد مخارج للأزمة الراهنة، ما فسح المجال أمام تدخل الشركات التركية.
من جهته، أكد المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوّادي أن "تركيا لديها أسلوب ناجح في عملية إدارة المياه داخل حدودها وتجربتها لا يمكن الاستهانة بها أو الاستغناء عنها، واليوم تباحثنا مع الوفد التركي حول كيفية تنفيذ مذكرتي التفاهم لعامي 2014 و2024".
وأضاف العوادي في تصريح صحفي، أنه "سيتم تشكيل اثنتين من اللجان الاستشارية الكبيرة عراقية وتركية لتقديم المقترحات الخاصة بالمشاريع، وهناك مسح لكل واقع المياه في العراق قامت به الحكومات العراقية السابقة ومسح لدى الحكومة التركية سابقاً حين منحت الحكومات العراقية السابقة الإذن للمسح على واقع المياه في العراق".