اخر الاخبار

تمارس عملية توطين الصناعة الدوائية بمعناها العام تأثيرا أساسيا وملموسا في تأمين الصحة العامة للعراقيين، وتحافظ على  الاحتياطي النقدي من التسرب والهروب إلى  الخارج من خلال سياسة الاستيراد، والتخفيف من تكاليفها الباهظة التي كان من المفروض إنفاقها على إحياء الصناعة الدوائية الوطنية التي سبق وان شهدت انتعاشا خلال فترة الستينيات  والسبعينيات من القرن الماضي ووفرة في الإنتاج الوطني قبل نشوب الحروب، والتركيز على تكاليفها وإدارتها ومن ثم إهمال قطاعات الاقتصاد ومتطلباته الإدارية والتخطيطية ما ساهمت في تغطية حاجة المرضى وخصوصا المصابين بالأمراض المزمنة.

ومن الملاحظ بعد إهمال وتجديد الصناعات الدوائية في سامراء، لجات الحكومة إلى رفع وتيرة استيراد الجزء الأكبر من احتياجات البلد من الأدوية والمستلزمات الطبية كجزء من سياسة اقتصادية عامة التي رسمت أسسها إدارة الاحتلال الامريكي بعد عام 2003 على قاعدة انفتاح السوق على مصراعيه على استيراد البضاعة الأجنبية بما فيها الأدوية ودفع العراق إلى الحصول على عضوية منظمة الصحة الدولية حيث كانت أمريكا عضوا فيها قبل ان تنسحب منها في عهد حكومة ترامب، وبالفعل حصل على عضوية مراقب كخطوة أولى على طريق العضوية الكاملة مع أن العراق ليس مضطرا لهذا الإجراء بحكم افتقاره إلى إمكانيات التصدير باستثناء البترول. وهذه السياسة كلفت العراق أكثر من عشرين مليار دولار بالرغم من إمكانية توفير 60 بالمائة من حاجة العراق إذا ما وفر القاعدة التحتية لصناعات دوائية واعدة.

  يعتمد العراق حاليا بشكل رئيسي على استيراد الأدوية حيث يقدر الإنتاج المحلي بحوالي 20 في المائة فقط من الاحتياجات الكلية مما يجعله عرضة لتقلبات الأسعار العالمية، كما يعاني القطاع الدوائي من غياب التشريعات المرنة والمتطورة وضعف الرقابة النوعية على المنتج المحلي. وتعاني المنشات المحلية من قلة التحديث التكنولوجي وندرة الخبرات التقنية المؤهلة فضلا عن نقص المواد الخام مما يزيد من تكاليف الإنتاج ويعرض الصناعات الدوائية للتقلبات العالمية، كما أن زيادة السكان تؤدي إلى نمو الطلب على الأدوية بنسبة 10 في المائة مع ارتفاع معدل الأمراض المزمنة. إن امتلاك البلاد لمقومات حقيقية لتطوير صناعات دوائية  وطنية  مع وجود معامل قريبة من التكامل كلها تسهم  في حل جزء كبير من حاجة البلاد إلى الأدوية مع انتشار الكثير من الأمراض الخطيرة كالأمراض السرطانية والفشل الكلوي  والأمراض الصدرية وأمراض الأطفال، لكن مما يحول دون ذلك وإلى حد كبير غياب التنسيق بين وزارة الصحة ووزارة الصناعة  وظهور ما فيات مهيمنة على عملية استيراد الأدوية من خلال العمولات  والمناقصات دون مراعاة الجدوى الاقتصادية والمصلحة الوطنية التي بإمكانها لو حصلت لتحقق التقليل من التكاليف الباهظة وخلق مصادر جديدة للدخل وتوفير فرص عمل وخاصة بالنسبة لخريجي الكليات والمعاهد ذات الاختصاص بالطب والخدمات الطبية ومواجهة الحالات الطارئة التي يتعرض لها الوطن.

ومن جهة ثانية فعلى صعيد الخدمات الطبية فإنها أخذت تتضاءل بشكل حاد في المستشفيات الحكومية التي اعتاد المواطن العراقي ولعقود من الزمن وفي مختلف المراحل على نيل هذه الخدمات بالمجان لكنه صدم منذ سنوات بضآلة هذه الخدمات وتحولها من خدمة إلى سلعة مما اضطر وهو يكابد أوجاعه لمراجعة المستشفيات الخاصة التي على الرغم من توفر الأجهزة فيها إلا أن أجور خدماتها تضطره إلى بيع ممتلكاته رضوخا لسلطانها.

ولمنع المزيد من التداعيات الاجتماعية الخطيرة فان الحكومة مطالبة بمراجعة السياسات السعرية المتبعة، من منطلق تحقيق العدالة الاجتماعية، واتخاذ التدابر الضرورية للحد من مخاطرها. ونرى في هذه المجال اتباع إجراءات عاجلة ونذكر منها:

• العمل الجاد على تحديث المصانع الدوائية الحكومية وإنشاء خطوط إنتاجية جديدة تسهم في رفع نسبة مساهمتها في تلبية الطلب المحلي وتمكينها من التصدير إلى الأسواق الخارجية.

• عقد اتفاقات مع الجامعات الأجنبية لتدريب طلبة الصيدلة والكيمياء في المصانع الدوائية مع تحسين الأبنية التحتية من خلال المناطق الصناعية مع تخصيص مناطق مجهزة للبنية التحتية اللازمة لصناعة الأدوية والاعتماد على الطاقة المتجددة.