خلال السنوات الأخيرة، سجلت الفرق الطبية الأجنبية العاملة في العراق نجاحات ملموسة في إجراء العمليات الجراحية، مدعومة بالترويج الحكومي، وباعتبارها إنجازاً ضمن برامج الإخلاء والاستقدام الطبي. وقد ساهم هذا النجاح في جذب المرضى العراقيين إلى الأطباء الأجانب، بينما أثر سلبا على جاذبية الأطباء المحليين، وأخضعهم لمنافسة شديدة من قبل أقرانهم المُستَقدمين – وفق ما يؤكده اختصاصيون، مشيرين إلى أن المريض بات يثق في الطبيب الأجنبي أكثر من المحلي.
غالبا تتوفر الكوادر الطبية الأجنبية في المستشفيات الأهلية، التي باتت أشد جاذبية للمرضى، ممن يستطيعون تأمين تكاليف العلاج المرتفعة فيها، في حين تواجه المؤسسات الصحية الحكومية تراجعا واضحا في الخدمات، ونقصا في الكوادر والعلاجات والأجهزة والمستلزمات الطبية.
ومنذ ثلاث سنوات يتواجد في العراق 275 فريقاً طبياً أجنبياً موزعا على مستشفيات عديدة، بهدف تعزيز النظام الصحي للبلاد – وفق ما كشفت عنه وزارة الصحة العام الماضي، مؤكدة أن الفرق الأجنبية عالجت آلاف الحالات المرضية.
وفي مقابل ذلك، يرى أطباء محليون أن تلك الفرق تُحظى بالدعم الحكومي، وتعمل في أوساط صحية متكاملة من حيث الأجهزة والمستلزمات، لا سيما في المستشفيات الأهلية، ما يساعدها على إجراء عمليات جراحية معقدة وتحقيق نجاحات ملموسة في ذلك، بينما لا يُحظى الأطباء العراقيون بمثل هذا الدعم.
عمليات ناجحة
في "مستشفى السياب" التعليمي الحكومي في مدينة البصرة، يعمل فريق طبي هندي ضمن وفد أجرى عمليات ناجحة واستقطب مرضى من محافظات عدّة، لا سيّما بعد ما نجح أخيراً في إجراء عمليات زرع القرنية لمجموعة من المرضى.
وفي حديث صحفي يقول مدير المستشفى عبد الله عبد الحسين، أن "برنامج الفريق الطبي شمل 70 مريضاً جرى فحصهم مسبقاً. وهم من محافظات البصرة وميسان وذي قار والديوانية"، موضحاً أنّ "الفريق أجرى في اليوم الأول 30 عملية بشكل متواصل حتى منتصف الليل، ليتم إكمال 70 عملية".
وأضاف قوله أن "المستشفى استقبل أكثر من 500 مريض آخرين، جرى فحصهم وبرمجتهم لإجراء عمليات لاحقة".
من جهته، يذكر مدير قسم الأمور الفنية في دائرة صحة البصرة، عبد الله كامل، أنّ "برنامج الاستقدام والإخلاء الطبي يتضمن شقين: الأول يتعلق بوصول الفرق الطبية الأجنبية إلى العراق لإجراء العمليات المتقدمة، وهو ما يساهم في تحسين جودة الخدمة وتوفير علاجات كانت تجرى سابقا خارج البلاد. أما الشق الآخر فيتعلق بتدريب الكوادر المحلية على هذه الجراحات".
دعم محدود للطبيب المحلي
ويؤكد أطباء عراقيون أنّ الفرق الطبية الأجنبية تحظى بدعم حكومي أعلى من دعم الأطباء العراقيين، وأن المستشفيات التي يعملون فيها، لديها أجهزة حديثة وكوادر طبية مساعدة عالية المستوى.
ويقول الطبيب مهند الربيعي، وهو مختصّ في جراحة العيون، أن "الكوادر الطبية العراقية متميزة، لكنها تعمل ضمن نطاق محدود وبإمكانات طبية محدودة في المستشفيات"، مضيفا في حديث صحفي أن "نظام الاستقدام الطبي جيّد، لكن من الأفضل أن يتم توفير ظروف مناسبة لعمل الأطباء العراقيين، مع توفير أجهزة حديثة. ولا شكّ أننا سنحقق نجاحات كبيرة".
ويشير إلى أن "الكثير من المرضى باتوا يفضلون الأطباء الأجانب على العراقيين، بسبب ما ترسخه وزارة الصحة والحكومات المحلية من صور نجاحهم، في وقت لا يحظى فيه الطبيب العراقي بأي شكل من الدعم، سواء بالترويج الحكومي أو توفير الأجهزة والخدمات المناسبة".
ويؤكد الربيعي أن "هناك حاجة لاعتماد استراتيجيات أفضل من حيث توفير الظروف المناسبة للأطباء العراقيين، وبعد ذلك فإنّ النجاح الذي سيتحقق لا يقل عن نجاحات الفرق الطبية المستقدمة".
وأجبر تراجع النظام الصحي في العراق منذ سنوات، الكثير من المرضى على التوجه نحو الخارج لتلقي العلاج وإجراء العمليات الجراحية، بسبب فقدان الثقة في مستشفيات البلاد والأجهزة الطبية المتوفرة فيها، الأمر الذي يحمّلهم الكثير من الكلف المالية. وفي عام 2022 أعلنت وزارة الصحة وضع خطة لاستقدام كوادر طبية أجنبية إلى البلاد.
وقد استقدمت عشرات الفرق، وأكدت حينها أن هذه الخطة ستُغني المرضى عن التوجه إلى مستشفيات البلدان الأخرى.
يشار إلى أنّ الأوضاع الأمنية غير المستقرة التي شهدتها البلاد بعد 2003، وما جرى من اعتداءات على أطباء وكوادر صحية، كل ذلك الكثير من الكفاءات الطبية إلى الهجرة نحو الخارج، ما أثر سلبا على القطاع الطبي، الذي يُعاني أساسا تهالك البنى التحتية ونقص الخدمات والعلاجات والأجهزة الطبية المتطورة.