اخر الاخبار

رغم فوز العراق بعضوية مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، يظلّ واقع الحريات والعدالة الاجتماعية في البلاد موضع تساؤل وانتقاد واسعين، في ظل تصاعد الانتهاكات وتراجع المؤشرات الحقوقية على أكثر من صعيد.

فبينما تُروّج الخطابات الرسمية والقوى السياسية الحاكمة لهذا الفوز باعتباره إنجازاً، يرى مراقبون أن العراق يواجه اختباراً حقيقياً في قدرته على ترجمة التزاماته الدولية إلى إصلاحات ملموسة تضمن كرامة الإنسان وحرية التعبير وسيادة العدالة.

ويأتي هذا الجدل في وقت تتزايد فيه الدعوات الأممية والحقوقية بما فيها دعوة ممثل الامين العام للامم المتحدة في العراق خلال تهنئته، لإعادة فتح ملف حقوق الانسان وتقييم السياسات الحكومية وبناء منظومة وطنية قادرة على صون الحقوق والحريات بعيداً عن هيمنة المحاصصة والفساد 

النفاق في ملف حقوق الانسان

في هذا الصدد، قال رئيس منظمة مدافعون لحقوق الإنسان الدولية، الدكتور علي البياتي، أن حصول العراق على مقعد في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لا يعني بالضرورة وجود تقدم في ملف الحريات أو الالتزام الفعلي بمعايير حقوق الإنسان، مبينًا أن المقعد جاء ضمن الحصة الجغرافية المخصصة للإقليم.

وقال البياتي في حديث لـ"طريق الشعب"، إن “مقاعد مجلس حقوق الإنسان تُمنح وفق التوزيع الجغرافي بين القارات، ولكل إقليم عدد محدد من المقاعد، والعراق ضمن إقليمه يمتلك مقعداً مخصصاً له”، مضيفاً أن “الاختيار في هذه الدورة لم يكن تنافسياً، فالمقعد كان مضموناً للعراق باعتباره شاغراً ويجب أن تشغله إحدى دول الإقليم، وبالتالي لم تكن هناك عملية تصويت حقيقية على أساس التنافس”.

وأضاف أن التصويت في المجلس يعتمد على موقف الدول الأعضاء ورؤيتها السياسية، مشيراً إلى أن الجهد الدبلوماسي قد يسهم في دعم أي دولة، إلا أن عضوية العراق هذه المرة لم تكن نتاج منافسة أو إنجاز دبلوماسي استثنائي.

وبيّن البياتي أن “الممثل عن كل دولة داخل المجلس يتلقى توصيات تتعلق بوضع حقوق الإنسان في بلده، ويقدّم التزامات لتحسينها”، مستدركاً بالقول: “لكن في حالة العراق، هناك التزام نظري فقط، إذ تُقدَّم تقارير حكومية دورية تتضمن وعوداً واستجابات شكلية، فيما يظل التنفيذ العملي غائباً”.

وتابع أن “التقارير الدولية، سواء الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان نفسه أو عن وزارة الخارجية الأمريكية والمنظمات الدولية الأخرى، تُظهر بوضوح تراجع العراق في ملف الحريات، إذ تُصنَّف البلاد حالياً ضمن الدول غير الحرة”، مشيراً إلى “وجود أكثر من مئتي قضية مرفوعة ضد ناشطين وصحفيين على خلفية آرائهم، وهو ما يعكس تدهور واقع حرية التعبير”.

كما أكد أن “الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في العراق لم تشهد تحسناً ملموساً، بل هناك مؤشرات على تراجعها، بسبب استمرار المحاصصة السياسية والفساد وضعف المؤسسات”.

ضعف الرقابة الدولية

وتابع البياتي أن “المؤسسة الوطنية المعنية بحقوق الإنسان – المفوضية العليا لحقوق الإنسان – معطّلة عملياً، وأن الحكومة تتجاوز على صلاحياتها وتديرها من خلال وزارات تنفيذية، مما أفقدها استقلاليتها ودورها الرقابي”.

ووصف البياتي المفارقة بين الخطاب الرسمي والممارسات الداخلية بـ”النفاق في ملف حقوق الإنسان”، قائلاً: “في الخارج تتباهى الحكومة بعضوية المجلس، بينما في الداخل تُهمَّش المفوضية وتُقمع الحريات وتُقيَّد المنظمات المستقلة”.

وأشار إلى أن “المنظمات الدولية العاملة في العراق، بما في ذلك ممثلية الأمم المتحدة، تراجع تأثيرها بشكل كبير مقارنة بما كانت عليه بعد عام 2003”، موضحاً أن “ضعف الرقابة الدولية انعكس سلباً على متابعة أوضاع حقوق الإنسان والعدالة والإصلاح المؤسسي داخل البلاد”.

وختم حديثه تصريحه بالقول: “رغم أن العراق كدولة يُفترض أن يتحمل مسؤولية إدارة هذا الملف بمؤسساته الوطنية، إلا أن الواقع يؤكد فشل تلك المؤسسات واستمرار هيمنة الأحزاب المتنفذة عليها، مما يجعل الحديث عن تحسين أوضاع حقوق الإنسان كلاماً نظرياً بلا أدوات تنفيذية أو إرادة سياسية حقيقية”. 

المنظومة الحقوقية بحاجة إلى مراجعة جذرية

من جهته، أكد رئيس مؤسسة الحق لحقوق الإنسان، عمر العلواني، أن حصول العراق على عضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مسؤولية كبيرة تُحتّم على الدولة مراجعة جادة وشاملة لملفات حقوق الإنسان وتحسين صورتها في هذا المجال، خصوصاً في ظل الملاحظات الدولية المتزايدة بشأن واقع الحريات في البلاد.

وقال العلواني في حديث لـ"طريق الشعب"، إن “مقاعد مجلس حقوق الانسان لا تُمنح دائماً استناداً إلى السجلات الوطنية في هذا الملف، بل تُوزّع أولاً على أساس التمثيل القاري، ثم تُحسم غالباً عبر تفاهمات ومجاملات واتفاقات سياسية بين الدول”، موضحاً أن “العراق حصل على مقعده في مرحلة تشهد العديد من المؤشرات السلبية والتراجع في أوضاع حقوق الانسان، ما يفرض عليه التزاماً مضاعفاً بالعمل الجاد لتحسين هذا الواقع”.

وأضاف أن “رغم وجود ملاحظات عديدة على أداء العراق الحقوقي، إلا أن عضويته في المجلس يمكن أن تمثل فرصة حقيقية لإحداث ضغط و تحرك داخلي فعّال نحو الإصلاح، ودافعاً لتبني خطوات عملية لتحسين الأداء الحكومي في هذا الملف الحساس”.

واشار الى أن “الدعوة الأخيرة الصادرة من ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بضرورة إعادة تقييم ملفات حقوق الإنسان وإعطائها الأهمية المستحقة، يجب ان يجري التعاطي معها لتصحيح المسار”.

وبيّن العلواني أن “واقع حقوق الإنسان في العراق خلال السنوات الأخيرة يشهد تراجعاً واضحاً في المنظومة العامة للحريات والحقوق، نتيجة الأزمات السياسية والأمنية التي تمر بها المنطقة”، مضيفاً أن “المنطقة ككل، وبسبب الحروب والنزاعات، شهدت ضعفاً في بنية منظومات حقوق الإنسان، وهو ما انعكس على العراق أيضاً”.

وأكد أن “المسؤولية اليوم تقع على عاتق الجميع، سواء الحكومة أو المنظمات الحقوقية والمدافعين عن الحريات، لإعادة تقييم المرحلة الراهنة، والنهوض مجدداً بملف حقوق الإنسان بروح التعاون وليس الخصومة”، مشدداً على أن “العلاقة بين المنظمات المدنية والجهات الحكومية يجب أن تُبنى على الحوار والتنسيق المشترك، لا على التصادم أو التنافس”.

وختم العلواني تصريحه بالقول: “نحن بحاجة إلى نقاش وطني صريح يهدف إلى معالجة الانتهاكات ووقف الظلم ومواجهة الإفلات من العقاب، من خلال وضع خطوات عملية ملموسة تفضي إلى إصلاح شامل في هذا الملف. تحسين واقع حقوق الإنسان في العراق ليس ترفاً سياسياً، بل هو ركيزة أساسية لاستقرار الدولة وصورتها أمام العالم”.

فشل الدولة في حماية الإنسان

الى ذلك، تساءل الناشط السياسي زين العابدين البصري عن جدوى فوز العراق بعضوية مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، في وقت تتصاعد فيه الانتهاكات على مختلف المستويات، والصورة السياسية متهالكة أمام المجتمع الدولي.

وتساءل البصري في حديث لـ "طريق الشعب": “ما قيمة أن يفوز العراق بعضوية مجلس يُفترض أن يمثل صوت العدالة والكرامة الانسانية، بينما ملفات التعذيب والتغييب القسري والانتهاكات ضد الصحفيين والنشطاء بلا مساءلة؟” مشدداً على أن “منح العراق هذا المقعد لا يعدّ إنجازاً وطنياً ولا يحق لاحد الحديث عن تحسن واقع حقوق الانسان في البلاد ".

وأضاف أن “الدعوات التي أطلقها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة لإعادة فتح ملف حقوق الانسان في العراق، ليست سوى تذكير محبط بمدى فشل الدولة في حماية الانسان”، مؤكداً أن “الملف لم يُغلق أساساً كي يُعاد فتحه، بل طُمِس تحت أكوام من الفساد والبيروقراطية والمحاصصة السياسية التي أفرغت كل المؤسسات الرقابية من مضمونها”.

وتابع البصري أن “واقع حقوق الانسان في العراق اليوم يُختصر بمشهد يومي من الخوف والصمت والقمع المنهجي”، لافتاً إلى أن “حرية التعبير تحولت الى تهمة واحياناً محتوى هابط، والمطالبة بالإصلاح أصبحت مغامرة قد تنتهي في أقبية السجون أو بدعاوي كيدية ملفقة، فيما يعيش صناع الرأي الوطنيين بدون أي حماية حقيقية”.

وأشار إلى أن “الحكومة تتباهى بخطابات رنانة عن الإصلاح والانفتاح، بينما تمارس في الداخل سياسات تكميم الأفواه وتهميش المؤسسات المستقلة”، مبيناً أن “المفوضية العليا لحقوق الإنسان – التي يُفترض أن تكون الضامن الوطني للعدالة – أصبحت رهينة الإرادة السياسية ومشلولة تماماً عن أداء دورها”.

وختم البصري تصريحه بالقول: “الحديث عن حقوق الإنسان في العراق بات أقرب إلى السخرية منه إلى الواقع؛ فالمجتمع يعيش بين نظام يكمّم الأفواه، ومجتمع دولي يغضّ الطرف، ومؤسسات وطنية فقدت شجاعتها. لا يمكن إصلاح هذا الواقع ما لم تُستعاد هيبة القانون ويُحاسب كل من تلطخت أيديهم بانتهاك كرامة الإنسان العراقي”.