اخر الاخبار

ما يزال التصنيف الائتماني للعراق ثابتاً عند فئة المخاطر المرتفعة (B-) بحسب وكالتي ستاندرد أند بورز وفيتش، في مؤشر يعكس هشاشة التوازن بين الاحتياطيات المالية المريحة نسبياً، وبين البيئة السياسية والاقتصادية المضطربة.

ووفقًا للتقديرات الدولية، فإن هذا التصنيف يضع العراق على بعد درجة واحدة فقط من منطقة التعثر المالي، ما يبقيه في دائرة القلق لدى المستثمرين والدائنين الدوليين.

ورغم تحسن الايرادات النفطية، إلا أن الاعتماد شبه الكامل عليها وضعف تنويع الاقتصاد وتحديات الحوكمة والشفافية، لا تزال تعيق انتقال العراق إلى الفئة الاستثمارية.

وتقع درجة B- ضمن الشريحة غير الاستثمارية أو ما يُعرف بـ المضاربية (Speculative)، وهي مؤشر على ارتفاع احتمال التعثر أو التأخر في السداد. وتعني أن المستثمرين أو المقرضين الدوليين يطلبون فوائد أعلى لتعويض المخاطر، ما يجعل كلفة الاقتراض الخارجي على العراق أعلى من بقية الدول العربية.

وبحسب التحليل المالي، فإن كل خفض بمقدار درجة واحدة في التصنيف يرفع كلفة الاقتراض بنحو 0.5 إلى 1.2 بالمئة في أسواق السندات الدولية. ومع تصنيف العراق الحالي، فإن أي إصدار جديد للدين العام قد يواجه فوائد تفوق 9 بالمئة، مقارنة بأقل من 4 بالمئة في الدول ذات الجدارة العالية مثل السعودية أو قطر. كما يقلل هذا التصنيف من شهية المستثمرين الأجانب للمشاركة في مشاريع استراتيجية كبرى مثل طريق التنمية ومترو بغداد، التي تتطلب تمويلا دوليا طويل الأجل.

بيئة اقتصادية هشة

وفي هذا السياق، أكد أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي أن استمرار تصنيف العراق الائتماني عند المستوى (B-) يعكس واقعا دقيقا لهشاشة البيئة المالية والاقتصادية في البلاد، على الرغم من تحسن المؤشرات النفطية وتراجع حجم الدين الخارجي خلال السنوات الأخيرة.

ونوه السعدي في حديثه لـ"طريق الشعب"، بأن وكالات التصنيف الدولية تنظر إلى الاقتصاد العراقي "بوصفه اقتصاداً ريعياً يعتمد بصورة مفرطة على العوائد النفطية التي تشكل أكثر من 90% من الإيرادات العامة، وهو ما يجعل الموازنة العراقية شديدة الحساسية تجاه تقلبات أسعار الطاقة العالمية".

وبيّن أن هذا التصنيف يعني أن "المخاطر السيادية المرتبطة بالعراق لا تزال مرتفعة، الأمر الذي يدفع المؤسسات الدولية إلى فرض فوائد مرتفعة على القروض لتعويض تلك المخاطر".

ويشير الى أن هذا الوضع "يحدّ من قدرة العراق على الحصول على تمويل ميسر للمشاريع الاستراتيجية، ويجعل المؤسسات المالية الكبرى أقل استعداداً للمشاركة في سندات الدين الحكومية في ظل بيئة استثمارية تتسم بضعف الشفافية وغياب الاستقرار التشريعي والأمني وتراجع كفاءة الإدارة المالية".

ويجد السعدي أن الآثار الاقتصادية للتصنيف الحالي خطيرة، إذ تؤدي إلى ارتفاع كلفة الاقتراض وتراجع قدرة الحكومة على تمويل المشاريع التنموية دون اللجوء إلى الدين الداخلي، الذي بدوره يضغط على السيولة النقدية ويرفع معدلات التضخم.

كما ينبه الى ان هذا التصنيف "يضعف من جاذبية العراق للاستثمارات الأجنبية المباشرة، لأن المستثمرين الأجانب يربطون قراراتهم بدرجة الثقة التي تبديها الأسواق العالمية تجاه الدولة".

ويحذّر من أن جذور الأزمة تكمن في غياب الإصلاح المالي الحقيقي واستمرار الاعتماد الأحادي على النفط دون تطوير قطاعات إنتاجية بديلة مثل الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات، مشيرًا إلى أن ضعف القطاع المصرفي وعدم قدرته على تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة يسهمان بدورهما في إبطاء النمو وزيادة معدلات البطالة.

وطبقا لحديث السعدي فأن تحسين التصنيف الائتماني للعراق لا يتحقق بالشعارات أو الخطط الورقية، وانما عبر تبني إصلاحات مالية وإدارية شاملة تتضمن مكافحة الفساد، وترشيد الإنفاق العام، وتفعيل الإيرادات غير النفطية، وتطوير النظامين الضريبي والكمركي، إلى جانب تعزيز استقلالية السياسة النقدية وإعادة بناء الثقة بالمصارف الحكومية والخاصة، معتقدا أن العراق يمتلك إمكانات اقتصادية وبشرية كبيرة تؤهله لتجاوز تصنيف (B-) نحو مستويات أكثر استقرارًا خلال ثلاث إلى خمس سنوات، شرط أن تُنفَّذ الإصلاحات بجدية.

وفي خاتم حديثه، قال أن "رفع التصنيف الائتماني لا يعني فقط خفض كلفة الاقتراض، إذ سيعزز الثقة الدولية بالاقتصاد الوطني ويفتح آفاق التمويل الطويل الأمد لمشاريع البنية التحتية والطاقة والإسكان التي تمثل ركيزة التنمية المستدامة في البلاد".

بحاجة لإصلاحات هيكلية صارمة

من جانبه، أكد المحلل الاقتصادي حسنين تحسين أن ضعف القدرة على الوفاء بالالتزامات التنموية والمالية، إلى جانب هشاشة السياسات الاقتصادية، أسهما في إدراج العراق ضمن مناطق عالية المخاطر من حيث النمو الاقتصادي.

وقال تحسين في حديث مع "طريق الشعب"، أن "هذه المؤشرات تعكس بيئة استثمارية غير مستقرة، تتسم بمستويات مرتفعة من المخاطر في تمويل وتنفيذ المشاريع التنموية".

وبيّن تحسين أن "الاستقرار لا يعني بالضرورة الأمان الاقتصادي كما يعتقد البعض"، مشيراً الى ان “الدول التي تكتفي بالاستقرار دون تحقيق معدلات نمو مستدامة، تقع في حالة من الجمود التي تُعدّ أكثر خطورة من التقلبات نفسها”.

وشدد على أن النمو الاقتصادي هو الأساس الحقيقي للتقدم، ولتعزيز قدرة الدولة على مواجهة الأزمات والتحديات المستمرة.

ودعا تحسين إلى إجراء إصلاحات هيكلية عميقة وجذرية في بنية الاقتصاد العراقي، تشمل السياسات المالية والنقدية والإدارية، بهدف إزالة الآثار السلبية المتراكمة التي تعيق تدفق الاستثمارات الكبرى.

وحذر في ختام حديثه من أن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى تراجع ثقة الشركات العالمية، وارتفاع كلفة التمويل والقروض الدولية، ما يدفع نحو الاكتفاء ببرامج مساعدات محدودة لا تسهم فعليًا في تحريك عجلة التنمية.

تعثر مالي وصعوبات في السداد

كذلك كتب الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي، إيضاحا عن التصنيف الائتماني في العراق، قائلا انه "مستمر في البقاء في منطقة (الخطر المرتفع) وبدرجة واحدة عن منطقة التعثر المالي، رغم ما قيل عن تحركات رسمية عراقية لإصلاح النظام المصرفي والاقتصادي".

وقال ان "هذا التصنيف يعبر أيضا عن الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي يواجهها العراق، وأن أي تدهور سياسي أو اقتصادي أو أمني يمكن أن يؤدي إلى تعثر مالي وصعوبات في السداد. بمعنى آخر، إن المستثمرين العالميين ينظرون لتصنيف العراق عالي الخطورة على أنه تحذير من ارتفاع المخاطر السيادية، مما يجعل كلفة الاقتراض الخارجي أعلى للعراق، لأن الفائدة المطلوبة تكون كبيرة لتعويض المخاطرة.

وخمن ان تواجه مشروعي طريق التنمية أو مترو بغداد في حال تنفيذهما صعوبات حقيقية في جذب الاستثمارات الدولية لتمويل مراحل التنفيذ.