فرانشيسكا ألبانيز باحثة قانونية إيطالية متخصصة في القانون الدولي وحقوق الإنسان. وهي المقررة الخاصة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 2022. في نهاية شهر آذار، نشرت تقريراً بعنوان «تشريح الإبادة الجماعية»، اتهمت فيه إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة. ورفض الوفد الإسرائيلي في مقر الأمم المتحدة بجنيف هذه الاتهامات، وقال إن الوثيقة محاولة لنزع الشرعية عن دولة إسرائيل. لقد تعرضت، المقررة الأممية، حتى قبل استلام مهام منصبها الى تهم التضامن مع الفلسطينيين وبأنها معادية للسامية!

في 21 نيسان نشرت جريدة «نويز دويجلاند» اليسارية الألمانية حوارا معها تناولت فيه، ضمن أمور أخرى، جرائم دولة الاحتلال والتهم الجاهزة بمعاداة السامية. فيما يلي أهم ما ورد في هذا الحوار.

 الإبادة الجماعية

طبيعة وحجم الحرب الإسرائيلية والظروف المدمرة التي خلقتها، تؤكد النية الواضحة في تدمير الفلسطينيين جسدياً.  هناك على الأقل ثلاث نقاط في اتفاقية الإبادة الجماعية، تشير الى الوصول الى عتبة الإبادة الجماعية: قتل أعضاء جماعة (الشعب الفلسطيني)، إلحاق أذى جسدي أو نفسي خطير، وتهيئة الظروف لتدمير هذه الجماعة. ومن المهم التأكيد على أن هذه الإجراءات قد تم التصريح بها وتنفيذها من قبل كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين. هذا ما أكدته التحقيقات بالاعتماد على تقارير الضحايا وجيش الاحتلال ومقارنتها بتقارير الأمم المتحدة. وتم التأكد من صحتها من مصادر أممية وإسرائيلية وفلسطينية.

 مسؤولية دولية

ان الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ملزمة بمنع الابادة. وهناك سوابق قضائية تنص على أنه يجب على الدول الأعضاء أن تبدأ الإجراءات في اللحظة التي يصبح فيها معروفًا أن هناك خطرًا جديًا من احتمال ارتكاب الإبادة الجماعية.

لقد حدثت نقطة التحول الرئيسية في السادس والعشرين من كانون الثاني، عندما أقرت محكمة العدل الدولية، باحتمال وقوع إبادة جماعية وأمرت باتخاذ تدابير سريعة لمنع إسرائيل من انتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية. إلا أن هذه الإجراءات لم تنفذها إسرائيل وعدد من الدول الداعمة لها.

يجب أن يكون هدف المجتمع الدولي على المدى الطويل هو السلام لكل من يعيش هناك. لكن السلام يعني أن يتمتع كل من يعيش هناك بنفس الحقوق والحريات المتساوية، دون أن يهيمن أحد على الآخر. لقد كانت هناك فرص لحل الدولتين في الماضي لكنها ضاعت. وفي نهاية المطاف، يتعين على الفلسطينيين أن يقرروا بأنفسهم، وليس المجتمع الدولي نيابة عنهم، وفق مقاسات العقلية الغربية الاستعمارية الاستيطانية.

 المانيا ومعاداة السامية

ألمانيا من الدول التي قدمت لإسرائيل أقوى دعم سياسي ومادي قبل هجوم 7 تشرين الأول وبعده. ومع تفهم المسؤولية الألمانية التاريخية بسبب المحرقة النازية، لكن يبدو ان المجتمعات الأوروبية لم تتصالح بعد بشكل كامل مع المحرقة. لكن الإبادة الجماعية لا تبدأ بالقتل الجماعي. إنها عملية تبدأ بالتجريد من الإنسانية، مما يجعل القتل الجماعي أمرًا طبيعيًا ومقبولًا ومبررًا قانونيًا. ولو استوعبت ألمانيا ما فعلته باليهود، لرفعت شعار: «لن تحدث الإبادة الجماعية مرة أخرى أبدًا».

يبدو أن هناك نوعاً من جنون العظمة في ألمانيا عندما يتعلق الأمر بانتقاد ما تفعله إسرائيل. في حين، هناك العديد من اليهود في جميع أنحاء العالم يتحدثون علنا ضد ما يحدث باسمهم، لكن ألمانيا تقوم بإسكات حتى الإسرائيليين واليهود الذين يعارضون سياسات إسرائيل علناً. وبدلاً من إلزام إسرائيل بنفس المعايير التي تتبعها الدول الأخرى، يُسمح لها الإفلات من العقاب.

لقد صوتت المانيا ضد وقف بيع السلاح لإسرائيل. وبذلك تنتهك ألمانيا الالتزامات الدولية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، بل إنها علقت تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) أثناء قصف غزة. لقد انتهكت إسرائيل بشكل كامل التدابير المؤقتة التي أمرت بها محكمة العدل الدولية. وكل هذا تشويه صارخ للقانون الدولي.

تمارس إسرائيل أيضا «التمويه الإنساني» عبر اخفاء عملياتها في غزة وكأنها تلتزم بالقانون الإنساني الدولي. لنتناول فكرة القضاء على حماس، كيف سيتم التفريق بين السكان، وكيف سيتم تحديد التابعين لحماس. سكان القطاع موجودون في الإدارات، في المستشفيات، في المدارس، أي ان الجميع يصبح هدفا. لقد خلقت إسرائيل الظروف التي تجعل الحياة في غزة مستحيلة. في اللحظة التي تدمر فيها المستشفيات وتفشل في توفير الماء والغذاء والدواء، فإنها ستسبب حتماً ضرراً جسدياً وعقلياً للناس. إنها حالة واضحة من الإبادة الجماعية.

أهمية التقرير تكمن في ان الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بحاجة إلى اتخاذ إجراءات. ومن المفيد تقديم التقرير إلى المحكمة الجنائية الدولية، فمن غير المعقول بعد مرور ستة أشهر على بدء هذه الحرب الدموية، لم نشهد بعد أي أوامر اعتقال قادة دولة الاحتلال. وفي الوقت نفسه هناك 300 مستعمرة في الضفة الغربية المحتلة، بالإضافة الى اعتقال الأطفال، ومن السخف ما زال النقاش مستمرا حول وشرعية الاحتلال.

عرض مقالات: