تمر هذه الأيام الذكرى الخامسة والستون لانعقاد المؤتمر الاول لاتحاد الجمعيات الفلاحية في العراق يوم ١٥-٤-١٩٥٩، غداة ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة.
لقد عانى الفلاح والريف والقطاع الزراعي في العراق الامرّين بسبب من سيطرة الاقطاع والملاكين على مجمل الاراضي الزراعية الخصبة، فيما الفلاح لا يحصل من الناتج الا النزر اليسر الذي لايسد رمقه وعائلته، وهو مثقل بالديون بسبب نظام المحاصصة البغيض.
تضاف الى ذلك الاتاوات التي كان يفرضها عليه الاقطاعيون وسراكيلهم. كذلك كان مفروضاً عليه العمل في السخرة لدى الاقطاعين والمستعمر الانكليزي خارج عملهم كفلاحين في الارض.
كل هذا وغيره كان دافعا لاندلاع العديد من الانتفاضات الفلاحية، مثل انتفاضة ال ازيرج وانتفاضة فلاحي قلعة دزة وانتفاضة الشامية وغيرها، وكان أعضاء الحزب الشيوعي العراقي في الطليعة بين المنتفضين.
وبسبب هذه الحراك الاجتماعي وارتفاع مستوى الوعي، كان الفلاحون مهيأين تماماً بعد ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة لخوض الصراع دفاعا عن مصالحهم الطبقية، وبالاخص بعد صدور قانون الاصلاح الزراعي رقم ٣٠ لسنة ١٩٥٨ حيث كانت الحاجة ماسة للادوات المساعدة لتنفيذ القانون. لذا كان ضروريا انطلاق العمل على تأسيس الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية في العراق. ولم يكن ذلك بمعزل عن دعم واسناد الفرق الشيوعية الارشادية، وزياراتها لكل الريف العراقي من شماله الى جنوبه.
انطلقت عملية تأسيس الجمعيات الفلاحية في كل القرى والارياف، وتوج ذلك بأنعقاد المؤتمر التأسيسي الاول للاتحاد يوم ١٥-٤- ١٩٥٩.
لقد لعب الاتحاد دوراً مجيداً في الدفاع عن مصالح الفلاحين بدءا من عضويته في لجان الاستيلاء والتوزيع ولجان حل المنازعات في الريف ، واسهامه في نشر التعاون بين الفلاحين وتأسيس مئات الجمعيات التعاونية، وفي المطالبة بتشييد البنى التحتية في القرى والارياف من طرق وجسور وقناطر ومدارس ومستوصفات. وكان ممثلوه يواصلون العمل مع الفرق الصحية الجوالة لمعالجة ضحايا الامراض المستوطنة، أضافة لدوره الفاعل في حل المشاكل الاجتماعية والعشائرية.
لكن كل هذا لم يدم طويلاً، حيث حصلت الردة الرجعية وتكاثرت محاولات الاستيلاء على الاتحاد من قبل اغنياء الريف وكبار الملاكين، الذين تحالفوا مع انقلابيي شباط الاسود عام ١٩٦٣ ، فيما قام البعث الصدامي بعد انقلابه الثاني بتحويل الاتحاد الى منظمة حزبية تابعة له. ورغم هذا بقيت العشرات من الجمعيات غير خاضعة له، تمارس عملها في الدفاع عن مصالح الفلاحين على الرغم من اقدام النظام المقبور على حل المزارع الجماعية والجمعيات التعاونية.
وبعد الخلاص من الدكتاتورية المقيتة عاد الاتحاد للعمل، وجراء صراع وتأثيرات القوى المتنفذة على قيادته شُلّ عمل الاتحاد المركزي. في حين تفرض التطورات الجارية وحالة التمايز الحاصلة في الريف ، وما حصل من الغاء الدعم المقدم للفلاح وللزراعة من الاسمدة والبذور وبعض المبيدات والعلاجات الحيوانية، وعدم تسديد أثمان محاصيل الفلاحين في وقتها المحدد عند تسليمها، إضافة لشح المياه … إن كل هذا وغيره يفترض وجود اتحاد قوي ومتماسك للدفاع عن مصالح وأراضي الفلاحين والمزارعين ومربي الحيوان، وعن البوادي العراقية التي استبيحت من قبل المتنفذين. كذلك اسهامه في تفعيل دور الفلاحين ونشر التعاونيات وإدخال التقنيات الحديثة في الزراعة والري ، وكل ما يسهم في تطوير القطاع الزراعي الوطني وزيادة إسهامه في تأمين السلة الغذائية للمواطنين.
ان الحاجة ماسة اليوم لوقف التدخلات في شؤون الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية من قبل المتنفذين والمؤسسات الحكومية والتشريعية، وللسماح له بأجراء انتخابات حرة ديمقراطية لاختيار قياداته من الجمعيات التعاونية الفلاحية وصولا الى المجلس المركزي. وان كوادر الاتحاد بما يمتلكون من التجربة الثرة الكبيرة مؤهلون لادارة شؤونه دون تدخلات وبعيدا عن صراع المصالح الضيقة.
ان الفلاح العراقي في عيده السنوي يستحق كل دعم واسناد ، فيما يبقى الريف بحاجة ماسة الى إعادة اعماره وتطوير قواه المنتجة المادية والبشرية.