اخر الاخبار

بعد 20 عاما من الحرب، التي قيل انها انتهت بانسجام تام، غادرت آخر طائرة عسكرية أمريكية مطار كابول يوم 30 آب. لقد غادر الجيش الأمريكي البلاد، وهو يحمل عار هزيمة جديدة وثقتها اتفاقيات الدوحة مع طالبان الإرهابية. لقد نصت اتفاقية الدوحة الموقعة في شباط 2020، والتي تم التفاوض عليها في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على انسحاب كامل لجميع القوات الأمريكية وحلفائها بحلول نهاية نيسان هذا العام. وفي المقابل أعطت طالبان ضمانات أمنية للمحتلين. بعد تسلمه السلطة، اجل جوزيف بايدن، موعد الانسحاب إلى نهاية آب. وعندما بدأت القوات الأجنبية في أيار المغادرة، أطلقت طالبان حملة عسكرية سريعة لاستعادة السيطرة على البلاد. وفي الصيف، استولت على عواصم المقاطعات واحدة تلو الأخرى بالإضافة إلى أهم المعابر الحدودية. وفي 15 آب، سقطت العاصمة كابول دون قتال، وبهذا عادت أفغانستان، بعد 20 عاما من حرب عبثية، الى المربع الأول.

عام الضحايا الأكبر

كان عام 2021، أكثر سنوات الحرب التي شهدت أكبر عدد من الضحايا منذ أن بدأت الأمم المتحدة توثيق عدد الضحايا في أفغانستان في عام 2009. في النصف الأول من هذا العام وحده، قُتل 1659 مدنياً وأصيب 3524 آخرون، وبزيادة قدرها 50 في المائة تقريبا، مقارنة بالعام السابق. لقد تصاعد العنف منذ بدء انسحاب القوات الأجنبية. ويلقي تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر في منتصف كانون الأول باللوم على كل من طالبان والقوات المسلحة الأمريكية في تصاعد أعمال العنف ضد المدنيين. ووفق لبيانات الصادرة عن القوات الجوية، شن الجيش الأمريكي 153 غارة جوية كانت الأكثر في العشر أشهر الأخيرة. وفي تشرين الثاني الفائت فقط، نُفِّذ 18 هجوماً من هذا النوع.

انهيار اقتصادي

وفقًا لتوقعات صندوق النقد الدولي، قد ينكمش الاقتصاد الأفغاني بنسبة 30 في المائة هذا العام. في حين شهد الاقتصاد السوري، بعد أكثر من خمس سنوات من الحرب، تدهورا مماثلا. وقال كاني ويناراجا، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمنطقة آسيا، لوكالة الأنباء الفرنسية في بداية كانون الأول، إن “الأمر استغرق خمسة أشهر في أفغانستان”. وفي تقرير صدر في أواخر تشرين الأول، حذرت الأمم المتحدة من انهيار النظام المصرفي الأفغاني. وذكرت رويترز أن أزمة السيولة يمكن أن “تؤدي إلى انهيار النظام المالي في غضون بضعة أشهر”.

بالإضافة إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، قام فرع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في نيويورك وحده بتجميد 9 مليارات دولار أمريكي من الأصول الأفغانية. لقد استمر الاقتصاد الأفغاني، طيلة عقود، على قيد الحياة بواسطة المساعدات الخارجية، التي شكلت وفقًا للبنك الدولي 43 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020. وعندما وصلت طالبان إلى السلطة، أوقف المانحون الدوليون معوناتهم، تجنبا لخلق انطباع بشأن تعاونهم مع طالبان أو أن نظامهم كان مدعومًا. وبالتالي لم يتقاض موظفو القطاع العام أي رواتب منذ شهور.

هناك الآن مجاعة مدمرة مستعرة في أفغانستان. يقدر ممثلو برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 42 مليون نسمة يعانون من نقص حاد في الغذاء. ويعاني أكثر من ثلاثة ملايين طفل من سوء التغذية الحاد، وأكثر من مليون معرضون لخطر المجاعة. ووفقا لبرنامج الأغذية العالمي، سيعتمد ثلثا الأفغان على الاغذية في العام المقبل. بالإضافة إلى نقص المساعدات وعواقب كورونا والحرب، فإن أسوأ جفاف ضرب البلاد منذ 20 عامًا مسؤولا عن تعميق المأساة. وقالت صحيفة “بريتيش تلغراف” في منتصف كانون الأول: “تستهلك العائلات مدخراتها الضئيلة، أو تبيع ممتلكاتها أو تقترض للأكل”. وقال خليل حيدري، المدير الطبي لمستشفى شاريكار شمال كابول، إنه لم يعد هناك مصابون بالانفجارات وأعيرة نارية منذ انتصار طالبان، لكن عدد الأطفال والرضع الذين يعانون من سوء التغذية ارتفع بنسبة 30 إلى 40 في المائة. وفقا لليونيسيف، كانت هناك زيادة في الآونة الأخيرة في زواج الأطفال. ونقلت المنظمة عن مديرة اليونيسف، هنريتا فور، “مستقبل جيل بأكمله على المحك”.

العقوبات القاتلة

بعد عشرين عاما من القصف، تدفع حرب الغرب الاقتصادية الآن شعب أفغانستان مرة ثانية إلى الخراب. وفي رسالة مفتوحة للعديد من منظمات الإغاثة النشطة في البلاد في بداية كانون الأول، أشار الى أن العقوبات تسببت في مقتل عدد من الأفغان أكثر مما استطاعت الحرب القيام به. وقالت الرسالة، “لا أحد يريد تمويل نظام طالبان”. ومع ذلك، فإن العقوبات “ستقتل مدنيين اكثر مما قتلته حركة طالبان وداعش في خراسان وأمراء الحرب والحكومات السابقة والقوات الأجنبية خلال العشرين عامًا الماضية”.