في مثل هذا اليوم قبل 61 عاماً، نجحت قطعان من الذئاب البعثية والشوفينية، مستندة الى تحالف بغيض من بقايا الإقطاعيين والكومبرادور والبرجوازية العقارية والبيروقراطية العسكرية المشبعة بالفكر الرجعي والشوفيني، وبدعم وتمويل من الغرب الإستعماري، في اسقاط حكومة ثورة 14 تموز والسيطرة على السلطة، وتحطيم ما تحقق من إنجازات على صعيد الإستقلال السياسي والبناء الاقتصادي–الاجتماعي وضمان الحريات والعدالة الاجتماعية، وفي اغراق البلاد بحمامات دم راح ضحيتها الآلاف من خيرة ابناء شعبنا عربا وكردا وتركمانا وكلدو آشوريين، شيوعيين ووطنيين ديمقراطيين وتقدميين، وفي طليعتهم قادة حزبنا الأماجد سلام عادل وجمال الحيدري ومحمد صالح العبلي وحسن عوينة ونافع يونس ومحمد حسين أبو العيس وعبد الرحيم شريف وجورج تلو، وغيرهم الآلاف من كوادر الحزب واعضائه، ممن أبوا الا أن يفتدوا العراق بأرواحهم وأن يُّبقوا راية الحزب والشعب خفاقة على الدوام.
وبقيت أحداث الإنقلاب المشؤوم وتفاصيله محط شجب وادانة متواصلين من العراقيين وكل المدافعين عن الحرية والعدالة في العالم، وتحولت ذكراه الى فرصة مهمة للتعرف على دروسه والعبر التي تستقى منه، وأبرزها ما يختزنه شعبنا من طاقات ثورية، اشرق الكثير منها في المآثر التي إجترحها مقاومو المذبحة، وفي صمودهم بوجه أبشع أشكال القمع والتعذيب الوحشيين، وتمسكهم بالقيم التي حددت مسارهم الكفاحي المجيد.
كما أشارت تلك الدروس الى اهمية ادراك المخاطر التي ستحيق بالعراقيين، إذا ما مُزقت هويتهم الوطنية الجامعة وهُددت وحدتهم، واذا ما سُلبت ثروات وخيرات وطنهم وغابت العدالة عن توزيعها، وفي حال جرى التهاون مع أي إنتهاك لقيم الحرية والديمقراطية وشُوهّت مؤسساتها واضعفت قوة القانون وهيبة الدولة، وأفرغ التبادل السلمي للسلطة من محتواه الحقيقي.
كذلك بيّنت دروس شباط الأسود والسنون التي تلته، العوامل التي مكنت البغاة وأسيادهم المستعمرين من النجاح، وفي الصميم منها غياب وحدة قوى الشعب، والفشل في تطهير أجهزة الدولة من الفساد والفاسدين، وانفلات السلاح وعدم حصره بيد الدولة، وغياب مبدأ تكافؤ الفرص في كل مجالات الحياة.
ونحن إذ نستذكر مأساة شباط الأسود، وننحني تمجيداً لشهدائها، ونؤكد على التمسك بكل الأهداف الوطنية والطبقية التي ضحوا من أجلها، نعاهد شعبنا على مواصلة الكفاح من أجل تغيير موازين القوى لصالحه، وتحقيق التغيير الشامل وصيانة استقلال البلاد وإخراجها من الأزمة الشاملة التي تعيشها في ظل منظومة المحاصصة، ومن أجل إقامة نظام ديمقراطي إتحادي يطلق إستراتيجيات تنموية ويكافح الفساد والفقر والبطالة والأمية ونزعات العنف، ويحقق العدالة الاجتماعية.
وبديهي أن يتطلب ذلك تحركاً جاداً ودؤوباً من قوى شعبنا التي يهمها انقاذ الوطن مما هو فيه، وأن تعمل على تعزيز العمل الوطني والديمقراطي، وبلورة معارضة مدنية - ديمقراطية وشعبية واسعة لمنهج الحكم الحالي، ولمنظومة المحاصصة والفساد ونهجها، ولفتح الآفاق للسير على طريق التغيير الشامل وبناء دولة المواطنة والديمقراطية الحقة.
وفي هذه المناسبة نجدد، ومعنا كل الخيّرين من بنات وأبناء شعبنا، مطالبة الدولة العراقية، بسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، بإنصاف ضحايا 8 شباط، ورد الإعتبار القانوني والمعنوي لهم، وطرح سيرهم العطرة وبطولاتهم في الإعلام والمناهج المدرسية، لتتعلم الأجيال الشابة كيف إجترح أولئك البواسل مأثرة التصدي للفاشست، وكيف كانت أرواحهم ثمناً لنضال أسفر عن تخليص العراق من الطغاة في ما بعد.
لنهر الدمِ و الدموعِ اللذين روَيا ترابَ بلادنا.. نقول مجداُ وسلاما. للشهداء، إذ يشكلون للعراقِ ظلاً ونخيلاً، نقول مجدا وسلاما.
والخزي والعار للقتلة والمجرمين الطغاة، والظفر لأهداف شعبنا في الحرية والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية.