اخر الاخبار

انتشرت على جسور الطرق السريعة في العاصمة الإسبانية مدريد لافتات كتب عليها: “إنهم يخنقون خدماتنا الأساسية”. وعلقت في أسفل اللافتات دمية تمثل طبيبا مشنوقا. يهدف هذا التعبير المروع لفت الانتباه إلى وضع القطاع الصحي المدمر. لقد تجاوزت الاحتجاجات حدود منطقة العاصمة. وامتدت إلى إقليم الباسك الغني نسبيًا، حيث نُظمت مسيرات كبيرة في 24 شباط الفائت في مدن الإقليم الكبرى، شارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين. ومن الواضح أن مضامين الاحتجاجات أوسع، وتتجاوز الوضع المزرى للقطاع الصحي. بالإضافة إلى ذلك تشهد الاحتجاجات هذه المرة توحد نقابات القطاع الصحي المختلفة، والتي كانت في العادة تتقاطع لأسباب مهنية او سياسية.

صلاحيات الشؤون الصحية تعود لحكومات وإدارات المناطق والبلديات، بغض النظر عن هوية الحزب أو التحالف الذي يدير المنطقة المعينة. وتمثل منطقة العاصمة مدريد مركز الاحتجاجات. تحكم إيزابيل دياز أيوسو، من حزب الشعب اليميني المحافظ، منذ عام 2019 في منطقة مدريد المتمتعة بالحكم الذاتي، والذي يمكن مقارنته، بولاية في بلد فيدرالي. ومنذ سنوات، كانت هناك احتجاجات قوية ضد مسار الخصخصة الليبرالي الجديد الذي يتبناه حزب الشعب. ويتلقى الحزب دعما من قبل حزب (المواطنين) الليبرالي الجديد، وحزب فوكس اليميني المتطرف. حتى المنظمون فوجئوا بمشاركة قرابة 700 ألف مواطن في مسيرة النجوم في تشرين الثاني الفائت. وفي 12 شباط الفائت، تم تسجيل رقم قياسي جديد بلغ مليون مشارك. يبين هذا، أنه قبل الانتخابات المحلية والإقليمية في أيار المقبل، تبلورت في مدريد منذ فترة طويلة حركة تتجاوز أكثر بكثير تردي القطاع الصحي. وتجرى الاستعدادات لتظاهرة عملاقة في 26 آذار الحالي، بهدف الخلاص من الحكومة اليمينية المحافظة بزعامة إيزابيل دياز أيوسو.

بالنسبة لحزب الشعب المحافظ، الذي اعتقد أن فوزه في الانتخابات مضمون تفجرت مشكلة عميقة. لقد انتشرت الإضرابات، وأصبحت الحركة أوسع وأكثر جذرية، حيث لم تؤد المفاوضات في أي مكان إلى شيء. تم إطلاق مبادرة “ الاحتياجات الأساسية للجميع”. أعضاء في المبادرة، مثل الممرضة كريستينا سانز يعتصمون بالمراكز الصحية ويمارسون العصيان المدني. وتقول سانز للصحيفة الإلكترونية “إل سالتو”: “نحن في وضع استثنائي، لأن أيوسو يمنع حتى جمع التواقيع”.

تصف حكومة أيوسو الحشود الجماهيرية بأنها “فاشلة”، لكنها تزداد توتراً. ولهذا السبب تحاول أيضًا الحد من إضرابات يومي الأربعاء والخميس في مراكز الطوارئ من خلال الحكم على “100 في المائة من العاملين بتوفير الحد الأدنى من الرعاية”، ولهذا تدرس النقابات رفع شكوى قضائية مع آخرين، ضد عملية تقويض حق الإضراب.

في مدريد، التي هزتها فضائح الفساد، التفاوت السائد في الرعاية الصحية حاد بشكل استثنائي. وبفضل التخصيصات الإضافية للعاصمة، تتمتع المنطقة، مقارنة بمناطق إسبانيا الأخرى بأعلى متوسط دخل. ومع ذلك، فإن الإنفاق على الخدمات الأساسية أقل من المتوسط.  وما تنفقه المنطقة لهذا الغرض 10 في المائة فقط، مما يجعل مدريد تحتل المركز الأخير.  المعايير الدولية تحدد 25 في المائة. لهذا يريد الأطباء والممرضات، فرض هذه النسبة في جميع أنحاء البلاد.

كان في إسبانيا ذات يوم نظام رعاية صحية جيد ورخيص بفضل الرعاية الأساسية الجيدة نسبيًا، لكن يتم تدميره، ويرى العديد من الأطباء، أن الهدف من وراء ذلك، هو دفع المواطنين إلى عالم التأمين الصحي الخاص، الذي تزدهر أعماله. لا تزال عقود التأمين الصحي الخاص رخيصة نسبيًا، لأن الشركات تعيد المرضى إلى نظام الصحة العامة في حالة حدوث مضاعفات أو في الحالات باهظة الثمن. وعلى الرغم من ذلك تحقق الشركات أرباحا جيدة، لأن نظام الصحة العام لا يزال قادرا على العمل. ولألقاء الضوء على تكاليف التأمين الخاص، التي تغطي عمليات وعلاج السرطان الباهظة في الولايات المتحدة الامريكية مثلا، حيث تكلف شهريا مئات الدولارات شهريا.