اخر الاخبار

مرّ اكثر من شهر على اندلاع الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، وخلال ذلك صارت الاحياء الشعبية تحت رحمة القوات المتناحرة، التي لا تفرق بين الاهداف العسكرية والمواقع المدنية، فضلا عن تجاوزات افرادها،

خاصة قوات الدعم السريع، الذين تصل  انتهاكاتهم لحقوق الافراد والجماعات حد القتل والاغتصاب ونهب الممتلكات وطرد المواطنين من منازلهم واستخدامها كمنصات لمضادات الطيران،  الى جانب الانتشار في الشوارع الفرعية داخل المربعات السكنية مما يجعل المواطنين يتعرضون لقصف الطيران . وازدادت حالة الرعب وسط المواطنين نتيجة لذلك وبعد وصول مزيد من اطقم سلاح المدفعية الى الخرطوم. 

وفي هذا الوقت أيضا نشطت المجموعات الاجرامية التي تقوم بنهب الممتلكات والاعتداء على الاسواق. فقد تعرضت شركات تجارية ومجمعات استهلاكية ومصانع مواد غذائية للنهب والحرق، كما تعرضت المنازل للسرقة. لذلك شكلت بعض المدن والاحياء مجموعات حماية ذاتية، تتكون من الشباب المسلحين يالاسلحة البيضاء، للقيام بدور الشرطة.

لكن قوات الدعم السريع تعتبر هذه المجموعات شريكا في القتال، وتدعي ان ظهورها في الشوارع يجعلها اهدافا عسكرية مشروعة. ولذلك تميل السلطات الى عدم نشر الشرطة في الطرقات، لان تسليحها غير مساوي  لقوات الدعم السريع .

وعليه اصبح توفير الأمن يعتمد كليا على المجموعات المدنية .

وقد تطورت هذه العملية الشعبية في بعض المدن غربي السودان، حيث تشكلت جبهات مدنية واسعة تسعى ضمن اهدافها الى القيام بخطوات عملية لايقاف الحرب او منع اتساع نطاقها. وهذا ما حدث مثلا في ولاية جنوب كردفان البعيدة نوعا ما عن النزاع، حيث أسهمت الجهود المدنية في فرض التزام كل من القوى المتقاتلة بمواقعها، وعدم الاعتداء على الاخرى  وتسهيل حركة المدنيين، ومنع نشاطات المنفلتين وسطها او في نطاق سيطرتها. وقد اسهمت تلك الجهود في اطلاق سراح مجموعات من ضباط وجنود الجيش الذين كانوا محجتزين لدى قوات الدعم السريع .

وتم تعميم هذه التجربة في ولاية شمال دارفور وعاصمتها “الفاشر”، التي تقتسمها القوتان المتصارعتان. حيث يسيطر الجيش على شرقها فيما تحكم قوات الدعم السريع سيطرتها على غرب المدينة،  وقد افلحت الادارة الاهلية في وقف العنف واستبعاد العمليات العسكرية .

اما في حنوب دارفور فقد وقع اكثر من ٦٠ كيانا اهليا ومدنيا على وثيقة سلام،  نبذت فيها العنف وشددت على وقف الحرب وعدم توفير الحماية القبلية للمنفلتين وتسليمهم الى والي الولاية. وكانت الولاية قد شهدت معارك ضارية بين القوتين،

اسفرت عن سيطرة الجيش عليها  مع انتشار واسع لقوات الدعم السريع في ما حولها . وتعتبر مدينة “نيلا” حاضرة الولاية من اكبر المراكز التجارية، وتساهم بنسبة عالية جدا في الناتج القومي الإجمالي، ويعني توقف الحياة فيها الحاق خسائر كبيرة بنشاط السكان ويالاقتصاد الكلي للبلاد .

ورغم ان مدن غرب السودان شكلت مهد الحركات التي حملت السلاح في وجه مركز السلطة بالخرطوم، وراجت وسط الناشطين فيها نظرية المركز والهامش، وجنحت في بعض تمظهراتها الى تاطلاق الشرذمة والتشظي، الا ان ثورة ديسمبر المجيدة اظهرت ان حظ النشاط المدني السلمي المنطلق من حفظ وحدة السودان هو الاوفر فيها، حيث  انتظمت جماهير المهنيين في كل مدن ولايات دارفور وكردفان في تجمع المهنيين وفي لجان المقاومة،  التي اسستها الثورة  مستلهمة تجارب النضال المشترك لاهل السودان قاطبة، في ثورات سابقة ضد الظلم والاستبداد.

وهو ما اظهر ان ما يجمع السودانيين يفوق ما يفرقهم، في وقت تمضي فيه البلاد بخطوات حثيثة نحو الحرب الاهلية، مما يعطي هذا الحراك المدني الذي يتشكل الان دورا مهما ليس في ايقاف الحرب فقط،

وانما ايضا في ضمان وحدة السودان على اسس جديدة، ويعيد الاعتبار للحراك المدني الذي عمل طوال الوقت على تحجيم دور المكون العسكري، الساعي بكل السبل لاجهاض الثورة، سواء من خلال انقلاب تشرين الماضي او باشعال الحرب الحالية.

ومعلوم ان الحراك المدني الحالي، الذي يجيء وسط القصف الهمجي للطيران الحربي والعمليات التي فرضتها قوات الدعم السريع على السكان المدنيين، كان قد سبق ترتيبات اتفاق جدة لحماية المدنيين وتوفير الممرات الآمنة، وفرض على وسطاء حل النزاع عدم تجاهل المكون المدني .

وتخطيء اطراف المفاوضات خاصة امريكا والسعودية، ان هي ظنت ان بامكانها تجيير النشاط المدني المتسع لخدمة اجندتها في استئناف العملية السياسية، بما تتضمن من توفير ملاذات آمنة للجنرالات،

وحمايتهم من المساءلة الجنائية بسبب الجرائم التي ارتكبوها في حق المدنيين،

بما فيها اشعالهم الحرب الحالية المدمرة.

عرض مقالات: