اخر الاخبار

مرة أخرى تستجمع المعارضة البولونية قوى طيفها المتعدد من قوى اليسار والوسط واليمين التقليدي بهدف انهاء حكم “ حزب “القانون والعدالة” اليميني المتطرف. وفي هذا السياق شهدت العاصمة البولونية وارسو الاحد الفائت تظاهرة حاشدة شارك فيها قرابة نصف مليون مواطن. يبدو أن المشاركة الحية في التظاهرة فاجأت حتى المنظمين، الذين تحدثوا في نهاية عن “أكبر تجمع ديمقراطي في تاريخ بولندا”. وبعد مرور ساعتين من انطلاق التظاهرة جنوب وسط المدينة، استمر المواطنون بالتوافد، تحدوهم الرغبة في الاشتراك في الاحتجاج.

هيا بنا

المسيرة التي نظمها “منبر المواطنين” المسيحيين الديمقراطيين بزعامة رئيس الوزراء السابق دونالد تاسك في ذكرى تاريخية: في 4 حزيران 1989، حيث فازت قائمة وحدة العمال البولنديين (التضامن) المعارضة آنذاك على حزب العمال البولندي الحاكم. وكان هذا الحدث النهاية الفعلية للتجربة الاشتراكية في البلاد التي بدأت بعد الانتصار على النازية في عام 1945.  كان ظهور ضيف المسيرة الرئيس البولندي الأسبق وزعيم حركة التضامن ليش فاليسا في تجمع انطلاق التظاهرة مرتبكًا ونرجسيًا، وتمت مقاطعته وإيقافه قبل ان ينتهي من كلمته، بعد أن تعالت هتافات الجموع “هيا بنا”، عندها رد فاليسا: “حسنًا، إذا كنتم لا تريدون الاستماع إلي، فسوف أتوقف“.

دعوات لقائمة معارضة موحدة

في التجمع الختامي، قال توسك إنه يريد أولاً الفوز في انتخابات تشرين الاول المقبل، وثانيًا تسوية الحساب مع انتهاكات الحزب الحاكم، وثالثًا تعويض الضحايا عن الانتهاكات التي طالتهم، بما في ذلك التعويض المادي. ورابعًا تعزيز التسامح في صفوف الامة البولندية. وارتباطا بذلك، نُظمت التظاهرة تحت بحر من الأعلام البولندية، تلتها بفارق كبير أعلام الاتحاد الأوروبي، ورايات تمثل الحركة النسوية والمنظمات التي تدعم خيارات الافراد الشخصية. وهتف المشاركون بالشعار المركزي أمام القصر الرئاسي: “هذا ليس رئيسًا، هذه أيديولوجية”. كانت التظاهرة سلمية تماما حتى النهاية. وانضم سياسيون بارزون من حزب اليسار البولندي إليها.  وجددت بعض اللافتات الدعوات إلى قائمة معارضة موحدة للانتخابات المقبلة. ولم يتناول توسك هذا الموضوع في كلمته الختامية.

وكانت ردود فعل المعارضة على القانون الذي وقعه الرئيس البولندي أندريه دودا يوم الاثنين لتشكيل لجنة تحقيق في التأثير الروسي على الحياة السياسية البولندية واضحة ومشتركة. وفي نفس اليوم، أعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن “قلقها” من احتمال حرمان المعارضة البرلمانية من المشاركة في العملية السياسية بمساعدة هذه اللجنة، ودعا برلمان الاتحاد الأوروبي إلى عقد جلسة خاصة حول الموضوع وانتقد سلوك الحزب الحاكم على لسان ومفوض العدل في الاتحاد الأوروبي ديدييه رايندرز، الذي اعتبر القانون متعارض مع قوانين الاتحاد الأوروبي. وليس من باب الصدفة أن تصدر محكمة العدل الأوروبية يوم الاثنين حكماً آخر بشأن “الإصلاحات القضائية” في بولندا وعدم توافقها مع قوانين الاتحاد الأوروبي. لقد أصبح من غير المحتمل بشكل متزايد أن تتلقى الحكومة البولندية الأموال “للصندوق الوطني لإعادة الإعمار” من بروكسل قبل الانتخابات. لأن الإفراج عن الأموال مرتبط بشرط تغيير قانون المحكمة العليا، وهو ما لا يستطيع حزب القانون والعدالة تنفيذه داخل ائتلافه الحاكم.

الاستبداد ساد بالفعل

وبسبب موجة الانتقادات، أعلن الرئيس، الجمعة، أنه سيقدم مقترحات لتعديل القانون، وعلى وجه الخصوص، تضمين إمكانية الطعن في قرارات الهيئة. وعلى الرغم من تلقي الرئيس موجة مد من السخرية داخل بولندا، على سبيل المثال قول النائب اليساري توماش تريلا: “هل قرأ الرئيس النص قبل ان يوقعه؟ “، كان هذا على ما يبدو أهون الشرين بعد اجتماع وزراء خارجية الناتو في أوسلو، حيث احتضن وزير الخارجية الأمريكي. أنطوني بلينكين زميله البولندي زبيغنيو راو.

في بيان مشترك صدر قبل أسبوع، اعتبر نفي 17 قاضيًا دستوريًا سابقًا ان بولندا تفتقد لمواصفات دولة ديمقراطية، وكتب قاضي المحكمة العليا الحالي، ولودزيميرز فروبل، أن “الاستبداد” ساد بالفعل في بولندا”.

لقد اعطى قانون محاكم التفتيش الذي وقعه الرئيس زخما لقوى المعارضة عكسته تظاهرة الاحد الفائت التاريخية.