اخر الاخبار

في تطور خطير وهو الأول من نوعه منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، أعلن زعيم مجموعة “فاغنر”، يفغيني بريغوجين، الانقلاب على حكومة موسكو، وهدد بالانتقام من القيادة العسكرية الروسية التي اتهمها بقصف معسكرات لمجموعته، وقتل عدد كبير من قواته.

ويتوقع الخبراء والمراقبون، أن هناك سيناريوهات عديدة محتملة إذا استمرت هذه التطورات بالتصاعد، وفي مقدمتها المخاطر التي قد تنعكس على منطقة الشرق الأوسط والعالم لوجود مصالح متشابكة تمتد بصراعاتها إلى رقعة جغرافية أبعد من حدود الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا، وتدار من قبل الدول الكبرى. وبعد الإعلان عن التمرد، ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاب استثنائي نقله التلفزيون الرسمي، قال فيه إن “التمرد المسلح” لمجموعة فاغنر “خيانة”، وإن الرد على العصيان والتمرد سيكون صارما وقاسيا.

طعنة في الظهر

وجّه بوتين كلمة قال فيها: “نواجه تمردا مسلحا، وهناك من تم جرهم بالخداع للانضمام إلى قائد قوات فاغنر، وهذا التمرد المسلح طعنة في الظهر وسندافع عن دولتنا، ونواجه الخونة الذين يسعون إلى مصالحهم الشخصية على حساب أمن البلاد”.

وأعلن بوتين أنه تحدث إلى قادة كل المحاور العسكرية بعد دخول قوات فاغنر مقاطعة وستوف، وأن الوضع في مقاطعة روستوف ما زال صعبا، مضيفا: “سأقوم بكل ما في وسعي بوصفي رئيسا للبلاد بالدفاع عنها ولا مفر للمتمردين والخونة من عقابنا”.

وشدد بوتين على إنه سيفعل كل شيء لحماية روسيا، وإن “التمرد على الشعب ورفاق القتال طعنة في ظهرنا، ونواجه اليوم خيانة للوطن والشعب، وهناك من يحاولون دفع البلاد نحو الفوضى والحرب الأهلية”، مشيرا إلى أن القوات المسلحة الروسية تلقت الأوامر اللازمة لتحييد “أولئك الذين نظموا التمرد المسلح”، وأن الأجهزة الأمنية “تلقت أوامر بإعلان حالة مكافحة الإرهاب، وسيتم اتخاذ إجراءات صارمة لاستعادة النظام في مقاطعة روستوف”، فيما هدد قائد فاغنر بقوله “من نظّم التمرد المسلح فقد خان روسيا وسيتحمل مسؤولية ذلك”.

وقد دعا قائد مجموعة فاغنر قبل يومين إلى انتفاضة على قيادة الجيش الروسي بعدما اتهمها بقتل عدد كبير من مقاتليه بقصف استهدف مواقع خلفية لهم في أوكرانيا، وهو اتهام نفته وزارة الدفاع الروسية، مطالبة مقاتلي يفغيني بريغوجين باعتقاله بتهمة الدعوة إلى تمرد مسلح.

بريغوجين: لسنا خونة ولن نستسلم

وردا على خطاب بوتين، قال يفغيني بريغوجين إنه يرفض الاستسلام وأنه يرفض أن يتهمه بوتين بالخيانة.

وأضاف بريغوجين: “بوتين مخطئ بشدة. ولن يسلم أحد نفسه بناء على طلب الرئيس أو FSB أو أي شخص آخر..”، مشددا على أن رجاله “وطنيون”. وأعلن بريغوجين أن قواته سيطرت، أمس السبت، على المنشآت العسكرية في مقاطعة روستوف (جنوبي البلاد) وهدد بالتوجه للعاصمة موسكو.

وقال بريغوجين (62 عاما) إنه وأتباعه موجودون في مركز قيادة المنطقة الجنوبية، وسيطروا على المنشآت العسكرية في روستوف، بما فيها المطار. وأضاف أنهم سيطروا على المطار العسكري في روستوف حتى لا تقوم الطائرات بقصفهم، مشيرا إلى أن الطائرات الحربية تقلع بشكل عادي لتنفيذ مهامها بأوكرانيا.

وقبيل تأكيده السيطرة على المنشآت العسكرية بروستوف، التي تعد معقلا للعمليات العسكرية في أوكرانيا، كان قائد فاغنر قد حذر من أي مقاومة يمكن أن تبديها أي هيئة أمنية أو عسكرية روسية، مشيرا إلى أن قواته ستعود للجبهة في أوكرانيا بعد تحقيق ما سماها العدالة.

وبعد ساعات من إعلانه أن قواته عبرت الحدود من أوكرانيا إلى جنوبي روسيا، نشر بريغوجين مقطع فيديو هدد فيه بالسيطرة على روستوف والتوجه لموسكو إذا لم يأت وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس هيئة الأركان لمقابلته، مؤكدا أنه وجنوده البالغ عددهم نحو 25 ألفا “مستعدون للموت”. ونفى أن يكون بصدد القيام بتمرد، وكرر تصريحات سابقة بأن الجيش الروسي يتراجع على الجبهات في مواجهة الهجوم الأوكراني المضاد، متحدثا عن سقوط نحو ألف قتيل وجريح من الجنود يوميا.

من جانبها، نشرت وسائل إعلام روسية صورا قالت إنها للحظة استهداف قافلة عسكرية لقوات فاغنر على طريق سريع في مقاطعة فورونيج (جنوب)، كما وقع انفجار كبير في خزان وقود بمدينة روستوف أثناء تحليق مروحية عسكرية فوقه.

وتأتي هذه التطورات غير المسبوقة في روسيا وسط خلاف محتدم بين قائد فاغنر ووزارة الدفاع حول إدارة المعارك في أوكرانيا، وكان بريغوجين اتهم مرارا القيادة العسكرية بأنها لا تمد قواته بما يكفي من الأسلحة والذخائر. ونفذت القوات الجوية الروسية، يوم أمس، ضربة واسعة النطاق بأسلحة دقيقة بعيدة المدى على مراكز الاستخبارات الإلكترونية ومعدات الطيران التابعة للقوات الجوية الأوكرانية في مطار “كاناتوفو” في مقاطعة كيروفوغراد ومطار “دنيبر”.

من جانبه، أعلن ممثل عن المفوضية الأوروبية للصحفيين في بروكسل، أمس، أن ما يحدث في روسيا هو شأن داخلي، لافتا في الوقت نفسه إلى أنه يراقب الوضع.

“العالم على شفا كارثة”

وقال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري ميدفيديف، إن العالم بأسره سيكون على شفا كارثة إذا سقطت الأسلحة النووية الروسية في أيدي “قطاع الطرق”.

وجاء تحذير ميدفيديف من مجموعة فاغنر، التي وصفها “بمجموعة قطاع الطرق”، واحتمالية استيلائها على الأسلحة النووية الروسية، مع تقدمها نحو موسكو.

الرئيس السابق لروسيا قال: إن بلاده لن تسمح لـتمرد فاغنر بأن يتحول إلى انقلاب أو أزمة عالمية.

من هي قوات فاغنر وما دورها؟

وتعتبر مجموعة فاغنر شركة عسكرية خاصة، تتشكل من مقاتلين يقدمون الخدمات مقابل المال.

وفي العام 2014 أسّس ضابط الاستخبارات العسكرية السابق، ديمتري أوتكين، المولود في عام 1970 شركة فاغنر. وبدأ نشاط “فاغنر” للمرّة الأولى في آذار 2014 شرقي أوكرانيا، ونفذّت الشركة عمليات عسكرية وأمنية مُتعدّدة. وفي العام نفسه، ارتبط اسم رجل الأعمال الروسي، يفغيني بريغوجين، بفاغنر. وبعد الإعلان الروسي عن الحرب في أوكرانيا وبدء العمليات العسكرية، استُدعيت فاغنر للمشاركة في الحرب لمساندة القوات الروسية وتنفيذ بعض العمليات الخاصة. ومع إعلان قائدهم التمرد، أشار بريغوجين إلى أن مجموعته لديها 25 ألف مقاتل شرس في روسيا، وترحب بكل من يريد الانضمام إليها، لكنه أكد في الوقت نفسه أن ما يقوم به “ليس انقلابا عسكريا وإنما مسيرة لتحقيق العدالة”.

بريطانيا: حالة واحدة ستحسم الأزمة

من جانبها، أكدت وزارة الدفاع البريطانية أن الوضع الحالي يمثل التحدي الأكبر لروسيا في الوقت الراهن، في إشارة إلى التمرد الذي بدأه قائد فاغنر يفغيني بريغوجين.

وأضافت الدفاع البريطانية في تقريرها اليومي أن “ولاء الحرس الوطني الروسي سيحسم مستقبل العملية الجارية”. وقالت إن فاغنر احتلت مواقع أمنية رئيسية في مدينة روستوف الاستراتيجية جنوب روسيا، بما في ذلك المقر الرئيسي الذي يدير العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.

ردود فعل دولية

وتتسارع التطورات المتعلقة بالتمرد المسلح، وما زالت الأحداث جارية، وبالتالي فإن ردود الفعل الدولية ما زالت تظهر تدريجيا.

ونقلت شبكة “سي إن إن” عن مسؤولين أميركيين قولهم، إن الولايات المتحدة تتابع عن كثب تطورات الأوضاع في روسيا في أعقاب تصريحات بريغوجين. وقال البيت الأبيض “نراقب الوضع في روسيا وتم إطلاع بايدن على تحركات فاغنر ضد قيادة الجيش الروسي”.

زيلينسكي: “ضعف روسيا واضح”

واعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن تمرد قوات فاغنر دليل على ضعف روسيا وعدم الاستقرار السياسي فيها.

وكتب زيلينسكي على وسائل التواصل الاجتماعي “ضعف روسيا واضح. ضعف واسع النطاق. وكلما أبقت روسيا قواتها على أرضنا، واجهت المزيد من الفوضى والألم والمشكلات لاحقا”. وأكد “من الواضح أن أوكرانيا قادرة على حماية أوروبا من انتشار الشر والفوضى الروسيين”، على حدّ تعبيره.

باريس ووارسو وبرلين يكتفون بالمراقبة

وفي فرنسا، قال القصر الرئاسي إن الرئيس إيمانويل ماكرون يتابع الوضع في روسيا عن كثب. وأضاف الإليزيه: “تركيزنا لا يزال على دعم أوكرانيا”.

وفي السياق ذاته، أكد الرئيس البولندي أندريه دودا، إنه أجرى مشاورات مع رئيس الوزراء ووزارة الدفاع حول الموقف في روسيا، مضيفا أن وارسو تراقب الموقف أيضا.

وفي برلين، قال متحدث باسم المكتب الإعلامي للحكومة الألمانية إن “حكومة المستشار أولاف شولتس تراقب الوضع في روسيا عن كثب” دون أي يدلي بأي تصريحات أخرى.

روما: نتائج عكسية

وتواصلت ردود الفعل الدولية على الحدث الكبير في روسيا، حيث قالت جورجا ميلوني رئيسة وزراء إيطاليا إن تمرد يفغيني بريغوجين “يظهر أن غزو روسيا لأوكرانيا جاء بنتائج عكسية على الرئيس فلاديمير بوتين”.

وأشار مكتب ميلوني في بيان إلى أن رئيسة الوزراء “تراقب عن كثب تطور الأحداث في روسيا والذي يظهر أن العدوان على أوكرانيا يتسبب في زعزعة الاستقرار داخل روسيا الاتحادية”.

أما حلف شمال الأطلسي “الناتو”، فقالت المتحدثة باسمه أوانا لونجيسكو، في رسالة بالبريد الإلكتروني، إن الحلف “يراقب الوضع” في روسيا، ولكنها لم تدل بأي تصريحات أخرى على غرار الكثير من المواقف الأوربية بشأن الحركة المسلحة التي قام بها بريغوجين.

تركيا تبلغ روسيا بدعمها

وتحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر الهاتف مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، وأطلعه على وضع البلاد في ظل محاولة التمرد المسلح.

وأشار الكرملين في بيان رسمي إلى أن الرئيس التركي “أعرب عن دعمه الكامل لخطوات القيادة الروسية”. وأجرى رئيسا روسيا وبيلاوروسيا، فلاديمير بوتين وألكسندر لوكاشينكو، محادثة هاتفية، ناقشا خلالها الوضع الحالي في روسيا، حسبما ذكرت وكالة أنباء “بيلتا” نقلاً عن الخدمة الصحفية للرئيس البيلاروسي.

قوانين عرفية

وفي غضون ذلك، صادق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على قانون يسمح للسلطات الروسية باحتجاز أي شخص يخالف القوانين العرفية المعلنة في البلاد مدة 30 يوما.

وينص القانون على: “تغريم المواطنين بمبلغ يتراوح ما بين 500 روبيل – وألف روبل أو اعتقال إداري لمدة تصل إلى 30 يوما، إذا لم تتضمن المخالفات أية إجراءات تقتضي عقوبات جنائية”، وكذلك “تغريم المسؤولين الذين يرتكبون أية مخالفات بهذا الصدد بمبلغ مالي يتراوح ما بين 1000 – 2000 روبل، أو الاعتقال الإداري مدة 30 يوما” مع إشارة إلى إمكانية مصادرة المركبات المستخدمة في المخالفات المذكورة أعلاه.

أما في ما يتعلق بتنفيذ القانون، فسيتم توقيف الأشخاص الذين يرتكبون المخالفات الإدارية، بواسطة المسؤولين الحكوميين في الجهات التنفيذية الفيدرالية وفروعها الإقليمية، والسلطات التنفيذية لوحدات الاتحاد الروسي، والهيئات العسكرية المسؤولة عن ضمان تنفيذ الأحكام العرفية العسكرية.

وفي وقت سابق من يوم أمس، أكد جهاز الأمن الفيدرالي الروسي أن تصريحات وسلوك مؤسس شركة “فاغنر” العسكرية يفغيني بريغوجين، تمثل دعوة لنزاع أهلي مسلح وطعنة في ظهر الجنود الروس الذين يقاتلون القوات الموالية للفاشية.

روسيا: بعض مقاتلي فاغنر أدركوا الخطأ

من جهتها، قالت وزارة الدفاع الروسية إن عددا كبيرا من مقاتلي “فاغنر”، أدركوا خطأهم وتوجهوا بطلب الى القوات الروسية للحصول على المساعدة وضمان سلامتهم.

وأهابت وزارة الدفاع في بيان، بمقاتلي “فاغنر”، “عدم الانخراط في مغامرة إجرامية”، وقالت إن “العديد من رفاقكم من عدة مفارز أدركوا خطأهم، وتوجهوا للقوات الروسية من أجل الحصول على المساعدة لضمان عودتهم بأمان إلى نقاط انتشارهم الدائمة، وقد تم توفير هذه المساعدة من جانبنا بالفعل لجميع المقاتلين والقادة الذين تقدموا بطلبات”.

كما حثت الوزارة مقاتلي “فاغنر” على التعقل والتواصل مع ممثلي وزارة الدفاع أو وكالات إنفاذ القانون في أقرب وقت ممكن.