اخر الاخبار

في التاسع من نيسان دنس المحتلون رسميا أرض عاصمة الحضارة، بغداد ، بعد أن وطئت أقدامهم شوارعها وحاراتها بل حتى ازقتها ، وكان عرابو الاحتلال يتبادلون الأنخاب مع جنرالات جيش المحتل، ولم يكن أمام الخيرين من العراقيين إلا أن يصبوا جام غضبهم على نصب صدام في ساحة الفردوس،  وان يلاحقوا أتباعه لأنهم كانوا ذلك العذر لدخول المحتل الأمريكي سواد أرض العراق، وقد حاول المحتل حجب جريمة خرق السيادة المعترف بها دوليا منذ مؤتمر فيينا عام 1815، وحاول أيضا إبعاد الأذهان عن التعويضات الواجب دفعها للعراق جراء الخراب والدمار الذي لحق بالمال والعيال، وخاصة خراب البيئة وتحولها إلى بيئة مشعة سببت الأمراض والآلام للكثير من العراقيين ، وقد حاول عرابوه إبعاد المطالبين بالتعويضات عن المشهد العام وجاء المحتل بما روج إليه بالديمقراطية .

 الديمقراطية المستعجلة والدستور المشوه.

لم تكد أن تضع الحرب أوزارها ، حتى باشرت سلطة الائتلاف بهد أركان الدولة ، وقد قام الحاكم المدني بول بريمر بحل الجيش والقوى الأمنية وفتح الأبواب على مصاريعها أمام النهابة والسراق للوثوب إلى أروقة الدولة ومخازنها وورشها ومعسكراتها وسرقة كل ما هو غال ونفيس من مواد المتاجرة والنقود وصولا إلى الآثار ومقتنيات المتحف العراقي ، وكان فيلق آخر يحرق ويهدم الدوائر والمعاهد والجامعات وصولا إلى أسرة الاطفال الخدج ، ولهول الكارثة عمد المحتل ومن جاء معه إلى إبعاد ذهن المراقب عما هو جار من دمار ،عمد المحتل التبشير بالديمقراطية وسط شعب خرج توا من أوزار الدولة الشمولية، وكانت البداية في تطبيق الديمقراطية قد تمثل بإنشاء مجلس الحكم الذي وضع أسس وأركان المحاصصة على وفق قاعدة التمثيل النسبي للطوائف والمكونات ، وهذه كانت أولى مراحل الانقسام الطائفي الذي ولد العنف الطائفي ، ومهد السبيل للإرهاب ، وأخذت خطوات الديمقراطية تستعجل التطبيق وسط شعب يجهل أبجديات الاستفتاء والانتخاب ، وهكذا تم حرق المراحل بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1546 لسنة 2004 ، الذي وضعت مسودته المملكة المتحدة ووافقت عليه الولايات المتحدة ، وكان بمثابة خارطة طريق الديمقراطية المستعجلة ، وقد كان حري بمن تولى وضع الدستور ، إجراء استفتاء شعبي على النقاط التالية . وقبل ذلك إجراء عملية توضيح لكل فقرة من فقرات الاستفتاء.

 اولا:- النظام السياسي، برلماني، رئاسي ...مختلط. ملكي دستوري

 ثانياً:- النظام الإداري.. اللامركزية الإدارية، الفدرالية، الحكم المباشر.

 ثالثاً:- النظام الاقتصادي.... اقتصاد السوق، النظام الاشتراكي، رأسمالية الدولة، النظام المختلط.

 رابعاً:- النظام الاجتماعي، دولة دينية، دولة مدنية، دولة مزدوجة.

 لقد تم تخطي كل هذه الأسئلة والاستفسارات لصالح النظام الفدرالي، الرأسمالي البرلماني، ضمن الاستفتاء على الدستور ووفقا لعملية ملتوية أدت إلى تبني الفدرالية لصالح الحكم الذاتي واللامركزية الإدارية لبلد متعدد الأطياف مثل العراق. وقد كان لاستعجال الديمقراطية انفلات عقد الانضباط الاجتماعي والسياسي لصالح الحرية المطلقة، التي أدت إلى تجاوز القوانين وإلحاق الضرر بقيود الدولة وضوابطها ما أدى بدوره إلى تراجع الأمن وارتخاء الأداء الحكومي. وتقدم دور الأفراد والعائلات والعشائر على دور الدولة، ونشأت جراء ذلك دولة موازية عملت على إضعاف الدولة الرسمية وأخذ أدوارها في الكثير من المواقف والحالات.

 الدستور

الكل يقر دون مواربة أن الدستور كتب في عجالة ، وكان متخلفا جدا عن طموحات شعب عاش في ظل دولة العشيرة ومن بعدها دولة العسكر ، ومن ثم دولة المنظمة السرية وأدخل دون إرادته إطار الدولة الدينية ، وربما أن طموح العراقيين هو دولة مدنية ، وعندها شعر الجميع حكاما ومحكومين أن الديمقراطية المستعجلة استعجلت الزمن وحرقت مراحله الطبيعية في نظام برلماني منقولا عن التجربة البريطانية التي بدأت عام 1688، بعد الثورة الجليلة على سلطة الملك الالهية، لتقطع كل هذه القرون نحو نظام برلماني يقوم على حزبين وثالثهما ضعيف ، يكون فيه لحكومة الظل وزراء إلى جانب وزراء الدولة الرسمية كل يحاسب الآخر .

إن النظام البرلماني المطبق وباعتراف كل الكتل والأحزاب السياسية كان نظاما يعمل على تدوير الوجوه ولا يعمل على التغيير ، وأنه مثل ارتدادا  فاضحا للديمقراطية البرلمانية ، لأنه لم يكن ليولد الأغلبية الحقيقية وانما ولد أغلبية التحالفات وهو أضعف أنواع الأغلبية لأنها تمثل وحدة المختلفين لا وحدة المتفقين ، وقد ساير التطبيق الديمقراطي غياب العدالة الاجتماعية ، وظهور فئة اغتنت على حساب المال العام وتنكرت حتى على أصولها وغادرت مكامنها الفقيرة إلى رحاب السلطة والجاه مما ترك في الجانب المقابل فقرا وبطالة ، وأن أصعب ما يواجه التطبيق الديمقراطي الفقر ، والأمية التي استفحلت بفعل ضعف الدولة ووزاراتها المتخصصة وقلة التخصيصات ، وأن هذه الأمية هي المعول الحديدي الذي يعمل على هدم كل أركان الديمقراطية.

إن العلاج يكمن في تغيير شامل للدستور والأخذ برأي الناس قبل التعديل، وأن الناس باتت متفقة على النظام الرئاسي، حيث ينتخب الرئيس بالاقتراع الفردي الحر المباشر، وان تكون الحكومات المحلية أيضا قائمة على انتخاب المحافظ ونائبيه بالاقتراع الفردي المباشر، وأن العراقيين يأملون تغييرا جذريا في نظامهم السياسي في إقامة جمهورية العراق المدنية وعلى النحو التالي.

 جمهورية العراق المدنية

يقصد بها تلك الجمهورية التي تقوم كليا على مبدأ واحد ألا وهو سيادة القانون، وأن المواطن فيها بوطنيته لا بقوميته ومذهبه وطائفته، وبكفاءته لا بطائفته أو حزبه أو قوميته، ولهذه الجمهورية أربعة روافع يضمنها دستور يؤمن بمخرجات الاستفتاء الشعبي العام على وفق ما جاء في مقدمة مقالنا هذا، وهذه لروافع هي.

 اولا:- الرافع القانوني، ويقصد به هو ذلك الدستور المستفتى عليه، والذي يضمن للمواطن كل الحقوق والحريات المدنية، ويضمن إنشاء نظام سياسي يساير العصر ويساير رغبات الناس في قوانين تضمن لهم حفظ الهوية الوطنية وجعلها فوق كل الجزئيات.

 ثانياً:- الرافع السياسي.... ويقصد به قيام نظام الحكم بالانتخاب الحر الفردي المباشر، سواء على مستوى الحكومة المركزية أو حكومات الإدارة المحلية، وأن يكون نظامنا الحزبي قائما على قلة الأحزاب وقدرتها على تحقيق الأغلبية لا كثرة الأحزاب التي أدت إلى الفوضى السياسية في التجربة الحالية، وان يتجه النظام نحو تحقيق أغلبية حزبية عابرة للطائفية والعنصرية والمناطقية.

 ثالثاً:- الرافع الاقتصادي، ونقصد به العدالة الاجتماعية، والتي محورها يدور حول فرصة الإنسان المتاحة في كل الأحوال للوصول إلى الوظيفة العامة، وأنها ستنتج قاعدة الفرد المناسب في المكان المناسب، وأنها وفقا لمبدأ التوظيف العام الحر المستند إلى الكفاءة والخبرة ستعمل على عدالة توزيع الثروة بين الأغلبية، لا احتكارها بالفساد بيد الأقلية، وأن العدالة الاجتماعية تستمد قوتها من العمل، والعمل أساس القيمة، لأن العمل في النهاية سيخلق المنافع والمساواة وفقا لمعيار وأسلوب الاستخدام الرحيم.

 رابعاً:-  رافع العدل ..... والمقصود بالعدل، بالمساواة أمام القانون، والقانون في الدول المدنية يتساوى أمامه الجميع، والقانون سيكون في التطبيق العادل، هو الخصم مع المعتدي والمتجاوز، وهو الحكم بين الناس دون تمييز، وقواعده تغطي احتياجات الجميع على وفق قاعدة لا عقوبة دون نص، ولا نص دون عقوبة أو توجيه اتهام، ورافع العدل في كل الديمقراطيات الغربية حقق المعجزات القانونية والسياسية وكان وراء بناء الحضارة الغربية.

إن جمهورية العراق المدنية، ستكون عاملا في إعادة حقوق العراق التي أهدرها الاحتلال بجيوشه، وأنها الكفيلة بعرض شكواها على المحاكم الدولية، كما تم عرض تعويضات الكويت أمام المحاكم الدولية بإرادة أمريكية، أما عرض حقوقنا فسيتم بإرادة عراقية، لا بد لها من أن تتجاوز آثار احتلال الدولة المعتدية، وحقوق الشعوب لا تتلاشى بتقادم الأيام، والحليم تكفيه إشارة الإبهام،