اخر الاخبار

دأب كلُّ من الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من دول الاتحاد الأوروبي على فرض أنواع من العقوبات على الدول التي تصنفها «مارقة «، عقوبات سياسية واقتصادية. من بين تلك العقوبات... تجميد أموال مودعة في مؤسساتها المالية من قبل عدد غير قليل من دول العالم. تجميد الأموال وسيلة مصرفية لوقف تصرّف الدول بما أودعته من الأموال لدى دول أخرى. منذ خمسينيات القرن الماضي هيمن الدولار الأمريكي كعملة أساس على حركة التجارة العالمية بما في أسواق النفط والغاز والسلع والخدمات، تلك الهيمنة فرضتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة على معظم دول العالم بأساليب قسرية مروجة للنظام الرأسمالي وتصدير» الديمقراطية”، يضاف إلى ذلك التدخلات العسكرية الأمريكية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية لأكثر من سبعة عقود تُرجمت بكوارث الغزو لعدد من دول العالم، ونشر القواعد العسكرية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. كان من بين أهداف الإنتشار العسكري الحفاظ على هيمنة الدولارالأمريكي. سوغّت الإدارات الأمريكية نشر قواعدها العسكرية في العالم بما تُسميه «الحربَ الكونيةَ على الإرهاب...» بحسب بيانات عسكرية، فإن واشنطن تمتلك نحو 800 قاعدة عسكرية في أكثر من سبعين دولة حول العالم. (المصدرـ سكاي نيوز).

في 27 شباط/ فبراير 2024 نشرت وكالة الصحافة الفرنسية (أ ف ب) خبرا نصه:” عرضت «جانيت يلين «وزيرة الخزانة الأمريكية أقوى دعم علني لها حتى الآن لفكرة تصفية ما يقرب من 300 مليار دولار من أصول البنك المركزي الروسي المجمدة في عدد من المؤسسات المالية خارج روسيا واستخدامها لإعادة إعمار أوكرانيا على المدى الطويل. جاء ذلك في في تصريحات للوزيرة الأمريكية في «ساو باولو» بالبرازيل، حيث يجتمع رؤساء وزراء مجموعة العشرين ووزراء مالية المجموعة. وقالت يلين” من الضروري والعاجل أن يجد ائتلافنا طريقة لإطلاق قيمة هذه الأصول المجمدة لدعم المقاومة المستمرة في أوكرانيا وإعادة الإعمار على المدى الطويل»، وأضافت” أعتقد أن هناك مبرراً قوياً للقانون الدولي والاقتصاد والأخلاق للمضي قدماً، وسيكون هذا الإجراء ردا حاسما على التهديد غير المسبوق الذي تمثله روسيا للاستقرار العالمي».

جمّدت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها مئات المليارات من الدولارات من الممتلكات الروسية المودعة في المؤسسات المالية في الدول الأجنبية ردا على غزو موسكو لأوكرانيا. ظلت هذه المليارات غير مستغلة مع استمرار الحرب، التي دخلت الآن عامها الثالث، بينما ناقش مسؤولون من دول متعددة مدى شرعية إرسال الأموال إلى أوكرانيا. يوجدأكثر من ثلثي أموال البنك المركزي الروسي المجمدة في المؤسسات المالية في الاتحاد الأوروبي. (وكالة الصحافة الفرنسية).

 «جانيت لويز يلين» خبيرة اقتصادية أمريكية تشغل منصب وزيرة الخزانة الأمريكية منذ 26 يناير 2021، شغلت سابقًا منصب رئيس المجلس الإحتياطي الفيدرالي من عام 2014 إلى عام 2018. تروّج الآن لفكرة تصفية ما يقرب من 300 مليار دولار من أصول البنك المركزي الروسي المجمدة واستخدامها لإعادة إعمار أوكرانيا على المدى الطويل، وقالت «أعتقد أن هناك مبرراً قوياً للقانون الدولي والاقتصاد والأخلاق للمضي قدماًفي تنفيذ الفكرة». عن أي «قانون دولي «تتحدث «يلين «و عن أي «مبرر». وعن أي «أخلاق «يتيح لحكومتها التصرّف بأموال إئتُمِنَت مؤسساتها المالية عليها لتجمدها ثم تصادرها و تتصرف بها ؟!؟!. الذي تعتزم الإدارة الأمريكية تنفيذه، كما تروّج له «يلين» يؤكد خطورة بقاء أموال عدد من دول العالم مودعة لدى المؤسسات المالية الأمريكية و الأوروبية.

في 24 نيسان/ إبريل 2024 وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن حزمة قوانين ل «مساعدة «أوكرانيا وإسرائيل وتايوان.، ويبلغ حجم الحزمة 95 مليار دولار، وهي تشمل 61 مليار دولار لأوكرانيا، و26 مليار دولار لإسرائيل. تقول وكالة (نوفوستي  الروسية): تم تخصيص 60.84 مليار دولار لمساعدة أوكرانيا، من هذا المبلغ، سيتم استخدام 23.2 مليار لتجديد الأسلحة المرسلة إليها من مستودعات البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية)، وسيتم استخدام 13.8 مليار للمشتريات العسكرية للقوات الأوكرانية في السوق المفتوحة، و11.3 مليار دولار لدعم «العمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة»، كما تم تخصيص 26 مليون دولار لعمليات التدقيق الحسابي». و تنقل (نوفوستي) عن المتحدث باسم الرئاسة الروسية «دميتري بيسكوف» قوله شحنات الأسلحة الأمريكية لأوكرانيا لن يغير الوضع على أرض المعركة لصالح كييف».

الدولار...العملة الأمريكية المتداولة محليا ودوليا. قدّر (المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي) في 20 أيلول/ سبتمبر 2023 إجمالي مبلغ العملة المتداولة بحوالي 2.33 تريليون دولار أمريكي. ويقدر ما قد يصل إلى نصف كمية العملة الأمريكية يتم تداولها في الخارج. تشكل حالة عدم اليقين ومتغيرات الواقع السياسي والاقتصادي على الطلب على الدولار خارج الولايات المتحدة. مع ذلك فإن (المجلس) يتابع حثيثا وضع تداول الدولار حول العالم بما يبقي أسعار صرفه متوازنة كي يبعد التخلي عنه كعملة وسيطة أساس في التجارة. 

 بين وزارة الخزانة الأمريكية و(المجلس) تنسيق وثيق بصفتيهما المسؤولين عن إدارة النظام النقدي داخل الولايات المتحدة وخارجها. (المجلس) يمثل سلطة إصدار الدولار في الولايات المتحدة الأمريكية فإنه يُعتبر المسؤول عن ضمان وجود ما يكفي من النقد المتداول لتلبية الطلب العام محليًا ودوليًا. وتمويل الطلب على السلع والخدمات، ومستويات الدخول، وتوفير وتيسير طرق التداول البديلة، فضلا عن موازنة المعروض المتداول من النقد مع الطلب المحلي. (المصدر: موقع المجلس على شبكة الأنترنيت)، غير أن مسؤولية (المجلس) عن ضمان وجود ما يكفي من النقد المتداول لتلبية الطلب العام دوليًا غير متحققة، فطالما تعرضت الدول التي ربطت عملاتها بالدولار الأمريكي لأزمات نقص السيولة ولم يسعفها (المجلس)، الأمر الذي يجبرها على الأستدانة أو خفض سعر صرف عملتها مقابل الدولار، كما حدث في العراق في كانون الأول عام 2020 عندما قرر البنك المركزي العراقي رفع سعر بيع الدولار للبنوك وشركات الصرافة إلى 1460 دينارا، من 1182 دينارا للدولار الواحد، بهدف تعويض تراجع الإيرادات النفطية الناجم عن تدهور أسعار النفط، الأمر الذي شلَّ التضخم العارم الاقتصاد العراقي وتسبب بمعاناة الطبقة الفقيرة وذوي الدخل القليل.

سنويا تُعقد العشرات من المؤتمرات والمنتديات والندوات التي تنظمها مؤسسات مالية لخدمة دول الاقتصادات الرأسمالية الكبرى، تخرج بتوصيات «للحفاظ على قوة واستدامة نمو الاقتصاد العالمي». يمكن القول إن استدامة نمو الاقتصاد العالمي عبارة تعني أكثر مما تعني استدامة ونمو اقتصادات الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا (مجموعة السبع الصناعية)، بينما لا تنال اقتصادات الدول الناشئة من النمو ما يتحقق للدول الرأسمالية. المؤتمرات والمنتديات الدولية هدفها تسويغ توجهات النظم الرأسمالية في العلاقات التجارية مع دول العالم.

لا يعُرف حجم الأموال الأجنبية المودعة لدى المؤسسات المالية الأمريكية والأوروبية، ولكنها تقدر بما يتجاوز تريليوني دولار (التريليون ألف مليار). هذه مداخلة من إحدى الصحف الأمريكية الرصينة: تقول صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية» إن الأحداث الأخيرة في (أوكرانيا و أفغانستان و إيران) تسلط الضوء على «الخطأ في هذا التفكير بوجود الودائع الأجنبية لدى دول أخرى، مضيفة أنه «باستثناء الذهب، فإن هذه الأصول سيؤول التصرّف بها من قبل شخص آخر، شخص يمكنه فقط أن يقرر أنها لا تساوي شيئا «.(بمعنى أن الودائع الأجنبية بالنقد، دولار أو غيره من العملات، لدى المؤسسات المالية الأمريكية و الأوروبية عند تجميدها و مصادرتها تكون الدول المودعة قد خسرتها) «. في عام 2021، قيّد صندوق النقد الدولي أصول أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان إلى الأموال وحقوق السحب الخاصة». كما أكدت العقوبات المفروضة على إيران أن الاحتفاظ باحتياطيات في الخارج لا يمنع وزارة الخزانة الأميركية من اتخاذ إجراء (لتجميدها أو مصادرتها).

حول العالم، هناك 65 دولة تربط عملاتها المحلية بالدولار الأميركي، وتعود جذور هيمنة الدولار الأميركي على النظام المالي العالمي إلى اتفاقية «بريتون وودز» عام 1944، والتي عُقدت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ومعها نشأ كلُّ من «البنك الدولي» و»صندوق النقد الدولي». أُريد لاتفاقية ”بريتون وودز»، تنظيم التجارة العالمية وتحقيق نوع من الاستقرار المالي الدولي، ونصت حينها على «اعتماد الدولار الأميركي» كعملة رئيسية لتحديد أسعار عملات الدول الأخرى، وكان الدولار حينها مرتبطا بالذهب عند سعر 35 دولارا للأونصة. غير أن الذي تحقق، تباعد الهوة بين قوة الاقتصادات الرأسمالية بفعل هيمنة الدولار على التجارة العالمية، مع بقاء الاقتصادات الناشئة ضعيفة تعاني من مختلف الأزمات والتي في مقدمها الأزمات النقدية..

 

عرض مقالات: