اخر الاخبار

عانى الفلاح العراقي دهورا من هيمنة الملاك الكبار على المساحات الزراعية الشاسعة وتحوله إلى أداة إنتاج تعامل بقسوة وامتهان حتى منتصف القرن العشرين حيث صدرت قوانين الاصلاح الزراعي التي أعادت توزيع الأراضي إلى الفلاحين تحت شعار الأرض لمن يزرعها لينتهي عهد الإقطاع.

والإقطاع ظهر في أوربا في فترة العصور الوسطى في القرن العاشر الميلادي حيث يقوم الملوك بتوزيع وحدات -إقطاعيات - من الأراضي لتوزع على النبلاء لتبادل المصالح بين الطرفين، لذلك تذكر المصادر أن أصل الكلمة لاتيني وهي - feudalis -   وتعني الأرض المقتطعة أو منطقة نفوذ.

 أما مفهوم الإقطاع وبشكل مبسط هو نظام اقتصادي واجتماعي وسياسي يتمظهر اقتصاديا بالإنتاج الزراعي وما يتضمنه من حرفة وتجارة، واجتماعيا بعلاقات الرضوخ والطاعة من قبل الفلاح للملاك وسياسيا بمنح الأرض من قبل السلطة إلى بعض الشخصيات المؤثرة لضمان الولاء والطاعة للنظام.

في العراق خلق العثمانيون نظام الإقطاع وكرسه الاحتلال البريطاني حيث وجدوا في شيوخ العشائر مبتغاهم حيث تم منحهم المزيد من المساحات الأراضي الزراعية مع صلاحيات نفوذ واسعة على الفلاحين البسطاء مع منح بعض المناصب للشيوخ كنواب أو أفراد من عائلته كضباط وقضاة مقابل تقديم الدعم والولاء للسلطات الحاكمة في عملية تخادم مصالح واضحة على اعتبار التعامل مع عدد أقل من الأشخاص أسهل بكثير من التعامل مع أفراد الشعب بأكمله لضمان دوام السلطة واستقرارها، وهكذا تعامل النظام السابق مع بعض الشخصيات العشائرية بمنح الهدايا والهبات مقابل الولاء والطاعة.

وفي العراق الديمقراطي بعد عام 2003 استندت الأحزاب الاسلامية على دعم وتأييد المرجعية كغطاء لشرعيتها في السلطة ولكن بعد أن قامت المرجعية بإغلاق أبوابها بوجه الفواعل السياسية لقصورهم الواضح في تقديم الخدمات للناس ذهبت الأحزاب باتجاه الوجوه العشائرية المعروفة لكسب التأييد الشعبي والتصويت الانتخابي مقابل عملية تبادل منفعة حيث منحت لبعض هذه الشخصيات وعوائلها فرصة الترشيح للوصول إلى المؤسسات التشريعية مع منح عقود لأراض زراعية بمساحات واسعة مع تسهيلات مصرفية مع منح فرص تعيين في المؤسسات الامنية الفاعلة مقابل الولاء والدعم لهذا الحزب أو ذاك مما يبشر بظهور نظام أقطاعي جديد لكنه أوسع وأكثر شمولا، حيث باتت هذه العشائر تتحكم اقتصاديا وحكوميا بأفراد العشيرة والعشائر المجاورة، كما أن مساحة العمل تجاوزت حدود المقاطعات الزراعية ليدخل في مجال الاستثمار الصناعي والاستيراد مما ضخم من قدرات هذه العشائر المالية والسياسية من خلال تواجدها في بعض المفاصل المهمة في مؤسسات الدولة، وفي الانتخابات الأخيرة بدا الموضوع أكثر وضوحا حيث عادت هذه العشائر إلى الحضور البرلماني بقوة تذكرنا ببرلمان العهد الملكي.

 هذه الأجواء ساعدت على بروز ظاهرة تزييف المدن ونقل الأعراف والسلوكيات الريفية والعشائرية إلى مراكز المدن مما أنتج صراعا قيميا حادا بين التزييف والمدنية نتلمسه بوضوح في العاصمة بغداد وبعض المراكز الحضرية، كما أن هذه التمدد الإقطاعي وبأسلوبه الجديد خلق فوارق طبقية واجتماعية لتركز رؤوس الأموال في أقلية متمكنة ماديا وسياسيا واجتماعيا مقابل أغلبية مسحوقة معدمة ماديا واجتماعيا مما ينذر بانقسام مجتمعي يهد السلم والأمن الاهلي لغياب العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع.

عرض مقالات: