اخر الاخبار

يحتفل الشيوعيون العراقيون وأصدقاؤهم هذه الأيام داخل الوطن وخارجه بالذكرى التسعينية لتأسيس حزبهم العريق في 31 آذار 1934 من قبل نخبة من خيرة رجال العراق وفي المقدمة منهم الشهيد الخالد يوسف سلمان يوسف (فهد).

وللعيد طعمه ونكهته حسب المكان الذي يحتفل فيه رفاق الحزب الشيوعي وحسب الظرف الزماني المعين منذ تأسيسه ولحد الآن، ولأنصار الحزب عيدهم المميز سواء كانوا في المفارز القتالية أو في المقرات الثابتة.. وفي عام 1981 أحيى رفاقنا في قاعدة بهدينان ذكرى مولد حزبهم السابعة والأربعين ..كنا قبل أيام قد عدنا من مفرزة كانت تؤدي مهامها داخل الوطن وأمضت أكثر من أربعة شهور هناك وكانت القاعدة قد أنهت للتو احتفالاتها بعيد نوروز في الحادي والعشرين من آذار، حيث أوقد رفاقنا شعلة فوق إحدى القمم مع وهج النيران التي أوقدها حلفاؤنا من الحزب الديمقراطي الكردستاني رمزاً لنوروز، بينما كانت الدوشكة تطلق عدة إطلاقات نارية قوية للابتهاج بهذا اليوم المجيد، وبدأ الرفاق يستعدون لإحياء حفل عيد الحزب...وفي صباح يوم 31 آذار نهض الرفاق مبكرين وبعد تناولهم لوجبة الفطور واحتسائهم لكاسات الشاي هب كل منهم لأداء العمل المكلف به، وقاموا بحملة تنظيف للساحة المحيطة بالمقر واستخدموا الأغصان بذلك والتي تسمى ( الچلو ) ورتبوا عدداً منها للزينة أيضاً، وانهمك آخرون بالصعود قليلاً للسفوح المجاورة من أجل قطع الورود الحمراء ذات الأغصان الخضراء اليانعة التي تنتشر كل سنة في موسم الربيع وتسمى بالكردي ( گل بهار ) أي ورد الربيع فكانوا يضعوها في فوهة أسلحتهم أو وراء أذانهم أو في فتحة الصدر أو الجيب، وكانوا أيضاً يهدون عدداً منها إلى الرفيقات ..حدد مكان الحفل وهو قاعة سرية المقر التي جرت العناية بترتيبها وتنظيفها من قبل مجموعة من الرفاق بينما إنهاك آخرون بترتيب وضع الحطب في المدفأة التي كانت تتوسط قاعة الحفل ونظمت الحراسات...ووضعت فرقة الخشابة آخر اللمسات على البرنامج الذي ستقوم بتقديمه فيما بعد والذي كان يحتوي على عدد من الأغاني الفلكلورية العاطفية والسياسية، وكانت الفرقة تضم الفقيد وصفي وأبو حسنة وأم هيفاء والشهيدة فاتن وغيرهم ..وعند الغروب بدأ تدفق الرفاق إلى قاعة الحفل، وكان هناك رفاق ضيوف من رفاقنا في قاعدتي هيركي وگوستة بالإضافة إلى ضيوف من أحد الأحزاب الكردية في تركيا. أخذ الرفاق أماكنهم في الحفل وتوسط القاعة الرفاق الفقيد سليم إسماعيل أبو يوسف المستشار السياسي للقاعدة والرفيق الفقيد أبو جوزيف المسؤول العسكري لها، وانتشر الرفاق في جميع الأماكن حتى غصت القاعة بهم وأخذت الفرقة مكانها المناسب لكي تمتع الجميع بأحلى ما لديها!! في هذه الأثناء وفي غمرة احتفالاتنا بعيد الحزب كنا نترقب وعلى أحر من الجمر البث الإذاعي الأول لإذاعة حزبنا والتي سمعنا من القيادة أنها ستعلن عن بثها في هذا اليوم الخالد!! ... فتح بعض الرفاق مذياعهم الصغير وصاروا يحركون موجاته حسب ما أعلن عن رقمها على الموجة القصيرة ..لحظات لا تنسى جعلت الجميع ينصتون وبخشوع وفرح إلى الصوت الهادر من رفاقنا في سوران (..هنا إذاعة صوت الشعب العراقي..صوت العمال والفلاحين والشغيلة وسائر الكادحين .)..لم نستطع أن نسمع بقية كلام النصير المذيع لتعالي الهرج والهلاهل وكلمات التهاني من قبل الرفاق لبعضهم البعض حتى أن بعض العاطفيين ذرفوا دموع الفرح ابتهاجا بافتتاح إذاعة الحزب الشيوعي العراقي والتي كانت تبث من قاعدة في سوران باللغتين العربية والكردية ، كانت لحظة شبيهة إلى حد ما بليلة رأس السنة حينما يقوم الحضور بتهنئة بعضهم الآخر ! .... ابتدأ الحفل بشكل رسمي حوالي الساعة السادسة مساءً بالوقوف دقيقة صمت حداداً على أرواح شهداء حزبنا وشعبنا ثم أنشد الرفاق والرفيقات (سالم حزبنه وما همة الصدمات) وأطربت فرقة الخشابة البصرية الأنصار من مختاراتها الغنائية الشيقة.. وخاصة أغنية (بعدچ زغيرة عالسهر.. ليش سهرانه) والتي أصبحت سمفونية الأنصار التي تعزف في كل حفلة! كذلك أغنية (خبطت أقدامكم على الأرض هدارة ...إنتو الأحبة وإلكم الصدارة) والتي تقوم الفرقة والرفاق بتغيير بعض كلماتها وإضافة كلمات ثورية اليها مثل ( من كردستان لهور الناصرية ...عرب وأكراد إنقاتل سوية ...إحموا شعبنا وإحرسوا ثواره .. وإنتو الأحبه وإلكم الصداره) وكان من أشد المعجبين بهذه الأغنية الشهيد الشهم ابن الديوانية أبو سحر الذي كان حينما يصل الرفاق إلى ترديد المقطع الأخير (وانتوا الأحبه وإلكم الصداره) يلتفت إلى جميع الرفاق ويشير لهم بقوله: والله العظيم صدقاً إنتو الأحبة يا رفاق والصدارة إلكم!! وكان يمتع الجميع بنكات ليس لها نهاية ثم يقول عن نفسه (رفاق لا أخبركم بإسمي الصريح ولكني أنا عكس الشاعر عواد ناصر والذكي منكم يفهم !!) وكان الشاعر عواد ناصر من أنصارنا أيضاً.. ثم تنشد الفرقة أغنية سياسية هي ..... ننثر عمرنه شموع ونضوي الدرب ...هيچي علمنة الحزب، وينزل إلى وسط القاعة عدد من (البزّاخة) الذين يتفوق بعضهم على النساء في هز الصدر!!! يصفق الرفاق ويبتسم الآخرون..ثم يقومون بالغناء مجدداً أغنية ( أنا ..أنا ..أنا ما شفتك سنه...باچر نلتقي .. يا حبي النقي وياكل الطيور غني وحلقي...وعالمنا السعيد بالحب انبنا ) وأيضاً يقوم بعض المشاكسين بتغيير المقطع الأخير وكلمة بالحب إلى كلمة أخرى تأخذ معنى العلاقة الزوجية !!!..وحينما تبدأ فترة الاستراحة فأننا كنا نقوم بتذكر رفاقنا الأخرين وخصوصاً الذين هم في هذا الوقت يحتفلون بالعيد في سجون الديكتاتورية أو في البيوت الحزبية السرية. ورغم الفرح إلاّ أن بعض الرفاق كانت تبدوا عليهم مسحة الحزن لتذكر أهله أو حبيبته داخل الوطن الذي كانت تحيط به أسوار الديكتاتورية من كل جانب! ثم نطلب من الفقيد عمر الياس أبو علي أن يغني، ويصدح صوته بالمقام العراقي ولأن الرفيق أبو يوسف يبدو أنه لا يجيد الغناء لذلك طلب منه أن يتحدث عن الحزب ونفذ الطلب من قبله برحابة صدر وحكى لنا عن ذكرياته التي تخص عمله في مطبعة الحزب أيام فترة النضال السري (وهي طبعاً كلها فترات نضال سري !!) ومن بعيد كان الرفيق ابو يعقوب يصيح (أنا ما أعرف أغني يا رفاق!) فيطلب منه أن يرقص! فيوافق ولكن بشرط أن يشاركه الآخرون، وهذا ما حصل فعلاً!! وكانت ذكريات أليمة وشيقة بنفس الوقت..وقام الرفاق المسيحيون بالغناء بلهجتهم الخاصة أغنية ( باگية .. خوش باگية ...روشة لاوندية !) وكان بعض الخبثاء يهمسون بكلمة خوش باگلة! ونضحك جميعاً ثم تبدأ فترة ممتعة للغناء الكردي التي يشترك بها الرفاق العرب بالإضافة للأكراد والمسيحيين ( نارنكة ..هي نارن ..هي نارن ..نارنكة دلاّلي..قصر بابا بليندا ..هي نارن ) والأغنية يبدوا أنها كانت تتحدث عن بنت اسمها نارين وتقول الأغنية أنها محبوبتي وقصر أبوها عالي ..الخ وهناك أيضاً أغان من مناطق سوران كان عدد من رفاقنا يقومون بحفظها وأدوها في الحفل ومنها ( هي چيمن ..چيمن كركوچية ) وأيضاً هي أغنية عاطفية تتحدث كلماتها عن بنت من كركوك اسمها چيمن..ثم يشترك عدد من الرفاق العرب في دبكة كردية على أغنية ( ليلى ..بوتو مردم ..ليلى .. زور جوانا ..ليلى ) وهي عن بنت جميلة جداً اسمها ليلى ويقوم كل الراقصين بضرب الأرض بأقدامهم بقوة مع رفع أكتافهم وبحركات متناسقة إلى الأعلى !..ثم تقوم الرفيقة أم هيفاء وبصوتها الشجي بأداء أغنية ( على بالي أبد ما كان فرگاك ) وحينما تنتهي يبدأ بعض الأنصار بالغناء وبنفس اللحن للرد عليها ومن أجل ترطيب الجو أكثر (على بالي أبد ما كان درباس.. گضيت العمر وية التورداس !) ودرباس رجل تركي كنا نشتري منه المواد الغذائية للقاعدة والتورداس هي الآلة التي نقوم بقطع الأخشاب بها. كان عيداً بهيجاً حقاً وذكراه ستبقى عطرة ولا تنسى، واستمر الحفل إلى الساعة الحادية عشر ليلاً ولم تحدث أية مشكلة خاصة وأن الحرس كانوا يتناوبون لأخذ أماكنهم بشكل جيد ويقوم عدد من الرفاق بتلقيم المدفأة بقطع من الأخشاب لاستمرار الدفء في القاعة التي أصبحت دافئة أصلاً بحرارة لقاء كل المحتفلين.

عرض مقالات: