اخر الاخبار

الشيوعية مصطلح يعبر عن نظام سياسي واجتماعي يقوم على الملكية المشتركة لوسائل الإنتاج.

تعود الشيوعية كنظرية سياسية متكاملة إلى أواخر القرن الثامن عشر عندما تبلورت على يد الفيلسوف الألماني كارل ماركس وصديقه فريدريش انجلز من خلال منشورات عديدة أشهرها بيان الحزب الشيوعي وكتاب رأس المال. وقد طبق فلاديمير لينين نظرية ماركس وطورها بعد سيطرة البلاشفة على السلطة في روسيا عام 1917. ومن هنا جاءت النظرية الماركسية- اللينينية التي اعتمدها الاتحاد السوفيتي سابقا.

فآراء كارل ماركس تُعد حجر الزاوية في المبادئ الشيوعية، وقد بسطها في كتابه “رأس المال”، ثم جاء من بعد كارل ماركس أتباع له يدعون بدعوته أهمهم لينين، فعلى يده قامت الشيوعية وأضحت واقعا بعد أن كانت مجرد نظريات على ورق. وفي مطلع القرن العشرين أضاف لينين إلى آراء ماركس تعاليم جديدة وكوّن من الشباب الروس والعمال الحزب الشيوعي الروسي، ومن بعد ذلك ثارت روسيا سنة 1917 على الحكم القيصري واستولى البلاشفة على الحكم بزعامة لينين، الذي أنشأ النظام الشيوعي. فهل نجحت الشيوعية في إقامة المدينة الفاضلة الماركسية.

عرف العالم نوعا جديدا من الشيوعية ذات الخصائص الصينية، والديمقراطية عبر مسارات الحزب الواحد، الحاكم لأكبر دولة سكانا على وجه الكرة الأرضية. وفي الوقت الذي انهارت فيه اقتصادات دولة عتيقة مثل الاتحاد السوفيتي ودول شرق أوروبا، وتعرضت الدول الغربية لأزمات مالية عديدة، كان الحزب الشيوعي يقود البلاد نحو التنمية المستدامة، والاستقرار الاجتماعي والتطور الاقتصادي الشامل، بل ويقود تحولا في الأفكار والرؤى، بما دفعه لتغيير دستوره، ووضع نظام جديد يحول دون استمرار قيادته في منصبها للأبد، ويحارب مظاهر الفساد المالي والاجتماعي والانحراف، من خلال نظم حديثة للرقابة على أعضاء الحزب، ومؤسساته الداخلية، وقياداته.

يقول كريس ليونغ، الخبير الاقتصادي في بنك سنغافورة للتنمية، “عندما تسلم الحزب الشيوعي مقاليد الحكم في الصين، كانت البلاد فقيرة جدا، ولم يكن لديها أي شركاء تجاريين ولا علاقات دبلوماسية واسعة، كانت الصين تعتمد كليا على الاكتفاء الذاتي”.

ولكن، وفي السنوات الـ 40 الماضية، اعتمدت الصين سلسلة من الاصلاحات الاقتصادية كان من شأنها فتح الطرق التجارية والسماح بالاستثمارات، وهي خطوات أدت في نهاية المطاف إلى إخراج الملايين من دائرة الفقر.

وشهدت الصين بداية محاولاتها في خمسينات القرن الماضي والتي تجسدت في “القفزة الكبرى إلى الأمام”.

كانت القفزة الكبرى إلى الأمام محاولة من جانب الزعيم ماو تسي دونغ لتصنيع الاقتصاد الصيني الذي كان يعتمد على الزراعة.

وبعد وفاة ماو في عام 1976، بدأت الاصلاحات التي قادها الزعيم دنغ شياوبينغ في تغيير وجه الاقتصاد الصيني. فقد منح المزارعون الحق في استغلال أراضيهم الخاصة مما ساعد في تحسين مستويات معيشتهم والتقليل من ظاهرة شح المواد الغذائية.

كما فتحت الأبواب للاستثمارات الأجنبية بعد أن أعيدت العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة في عام 1979.

وتدفقت الأموال على الصين من قبل المستثمرين الذين كانوا يتوقون للاستفادة من العمالة الرخيصة والايجارات المنخفضة في الصين.

ويقول ديفيد مان، كبير الاقتصاديين الدوليين في بنك ستاندارد تشارترد، “من نهاية السبعينيات إلى الآن، رأينا أكبر المعجزات الاقتصادية في التاريخ”.

وفي التسعينات، بلغت نسبة نمو الاقتصاد الصيني مستويات قياسية، وانضمت البلاد إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001 مما منح اقتصادها دفعة إضافية، فقد انخفضت التعريفات الكمركية المفروضة على المنتجات الصينية في شتى البلدان، مما أدى إلى انتشار هذه السلع في كل مكان.

ويقول مان “أصبحت الصين ورشة العالم”.

في مقابل ذلك ، في الغرب لم تتعاف الثقة في رأسمالية السوق الحرة بعد الانهيار المالي لعام 2008، وتتنافس قوى جديدة من اليمين المتشدد واليسار الراديكالي على الشعبية، وهو ما يتضح في النموذج الأميركي، حيث الصراع بين اليمين الذي يدعم الخطاب المتشدد للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب واليسار الذي يقوده السيناتور “الاشتراكي” بيرني ساندرز ، وهذا الأمر، فضلاً عن تقدم حزب “بوديموس” في الانتخابات العامة في إسبانيا عام 2015، والذي يقوده شيوعي سابق، ما يعتبره بريستلاند من علامات عودة ظهور القاعدة الشعبية لليسار.

ليس ذلك فحسب، فوفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز”، فإن كتاب ماركس وإنجلز “البيان الشيوعي” لعام 1848، كان الأكثر مبيعاً في بريطانيا عام 2015. وفي ألمانيا، أفاد بائعو الكتب أن مبيعات كتاب “رأس المال” لماركس صعدت بنسبة 300 في المئة في أعقاب الأزمة الاقتصادية أواخر العقد الماضي. والكتاب يتضمن نقداً أساسياً للرأسمالية باعتبارها “تتميز بالاستغلال والبؤس والانهيار الحتمي على المدى الطويل”، بحسب تعبير المتخصص في العلوم الاقتصادية رودولف هيكل. في حين يشير آخرون إلى أنه لا يمكن المقارنة بين الرأسمالية التي ينتقدها ماركس، وشروط الإنتاج في مجتمعات الديمقراطية وسيادة القانون.

ويقول مراقبون، إن صعود الحركات النسائية والمنظمات المدافعة عن المناخ، يعد عاملاً آخر في صعود شعبية الأحزاب الشيوعية في العديد من الدول الأوروبية. ووفقاً لوسائل إعلام سويسرية، فإن الحزب العمالي والشعبي الذي كانت تحظره الحكومة الفيدرالية عام 1940، يحظى بشعبية متزايدة، ويتزايد عدد أعضائه منذ عام 2019.

لكن هذه الشعبية ربما تكون مدفوعة بالاستياء من الرأسمالية أكثر من ارتباطها بتبني الماركسية.

يقول بريستلاند في صحيفة “نيويورك تايمز”، إننا ما زلنا في بداية فترة تغير اقتصادي واضطراب اجتماعي كبير، فنظراً إلى أن الرأسمالية التكنولوجية غير المتكافئة للغاية تفشل في توفير ما يكفي من الوظائف ذات الأجر اللائق، فقد يتبنى الشباب أجندة اقتصادية أكثر راديكالية. ويضيف في المقال إن اليسار الجديد قد ينجح في توحيد الخاسرين من ذوي الياقات البيضاء (الإداريين)، والياقات الزرقاء (العمال)، في النظام الاقتصادي الجديد. فأفكار مثل الدخل الأساسي العالمي، التي تختبرها هولندا وفنلندا وغيرهما من الدول الاسكندنافية، قريبة في الروح من رؤية ماركس لقدرة الشيوعية على تلبية رغبات الجميع، “من كل حسب قدرته، ولكل حسب حاجته”.

وبدوره أعلن الرئيس الصيني شي جين بينج في الاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس الحزب الشيوعي الصيني، في خطاب أَكَّـدَ على الدور الذي اضطلع به الحزب في دفع نجاح الصين، بما في ذلك نهوضها الاقتصادي. لكن سجل الحزب الشيوعي الصيني في المجال الاقتصادي مختلط في واقع الأمر، وحتى أولئك الذين يدركون هذا يتغافلون غالبا عن حقيقة مفادها أن نجاحاته وإخفاقاته تنبع من ذات الأسس الاقتصادية.

أصاب شي جين بينج عندما قال إن الصين حققت تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني “قفزة تاريخية” لتتحول من واحدة من أفقر دول العالم، في ظل “قوى إنتاجية متخلفة نسبيا”، إلى دولة متوسطة الدخل وصاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم. الواقع أن قدرة الحزب الشيوعي الصيني على تعبئة الموارد بفعالية مكنته من توفير المنافع العامة على نطاق واسع، وقد ساعد هذا في دفع عجلة التنمية. العنصر الأبرز هنا هو أن الحزب كان حريصا على تنفيذ استثمارات ضخمة في الصحة العامة والتعليم، ابتداء من أوائل خمسينيات القرن العشرين. ونتيجة لهذا، حققت الصين واحدة من أسرع الزيادات المؤكدة على الإطلاق في متوسط العمر المتوقع عند الولادة، من 35 أو 40 سنة في عام 1949 إلى 77.3 سنة اليوم. كما ارتفعت معدلات الالتحاق بالمدارس إلى عنان السماء، من 20% إلى التعليم شبه الشامل في المرحلة الابتدائية، ومن 6% إلى نحو 88% في المرحلة الثانوية. وارتفعت نسبة معرفة القراءة والكتابة من 20% في عام 1949 إلى97% اليوم.

يذكر ان في عصر الإصلاح بعد عام 1978، استثمرت الدولة أيضا في النقل والطاقة المتجددة. وخلال الفترة من 1988 إلى 2019، كان إجمالي طول الطرق السريعة في الصين ازداد ستة اضعاف؛ والآن يتجاوز هذا الإجمالي طول الطرق السريعة بين الولايات في الولايات المتحدة الأميركية.

علاوة على ذلك، انشأت الصين خمسين من محطات الطاقة النووية من الجيل الثالث، وكانت تصدر موافقتها على إنشاء ستة إلى ثماني مفاعلات جديدة سنويا. ومؤخرا اعلنت الصين عن تمديد شبكة كهربائية فائقة الجهد العالي، وسوف تسترشد هذه الجهود بالتعهد الطموح بضمان أن طاقة الرياح والطاقة المائية والطاقة الشمسية تمثل 25% من استهلاك الطاقة الأولي في الصين بحلول عام 2030.

تعكس هذه القدرة على تعبئة الموارد للاستثمار في المنافع العامة على هذا النطاق الواسع واحدا من أعظم مواطن القوة التي يتمتع بها الحزب الشيوعي الصيني. فهي تنطوي على القدرة السياسية على الدفع بالسياسات الاقتصادية الداعمة للنمو الإجمالي في مجالات حيث الاستثمار الخاص دون المستوى الأمثل.

استند تنفيذ سياسات القفزة العظيمة إلى الأمام وسياسات تنظيم الأسرة التي انتهجها الحزب الشيوعي الصيني ــ مثل استثماراته في الصحة، أو التعليم، أو الطاقة المتجددة، أو البنية الأساسية المادية ــ إلى قدرة الحزب على حفز التعبئة الشعبية لإقناع الأتباع وإكراه الرافضين. لكن الأمر لا يخلو من تمييز كبير في الأساسيات الاقتصادية.

كرس خطاب شي جين بينج المئوي قدرا كبيرا من الاهتمام لخطط الحزب الخاصة بالمستقبل وهدفه المتمثل في “بناء الصين لتصبح دولة اشتراكية حديثة عظمى في الجوانب كافة” بحلول عام 2049، الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية الشعبية. لإحراز النجاح، يتعين على الحزب الشيوعي الصيني أن يستخدم قوته السياسية للدفع بسياسات اقتصادية. مع ذلك، يأمل المرء أن يمارس السلطة بحكمة، وأن يركز على المنافع العامة حيث تكون القيمة الاجتماعية أعلى كثيرا من القيمة الخاصة، ويترك البقية للشعب الصيني.